د. عمرو حمزاوي:
- الداخل الأمريكي “ملخبط جدا” بسبب قرارات ترامب
- الداخل الأمريكي يرفض التهجير أو التورط في إرسال قوات أمريكية إلى غزة
- العلاقة بين القاهرة وواشنطن ليست أحادية الاتجاه ومفيدة للطرفين
- الإدارة الأمريكية تعلم أن مصر بلد قوية ولا يُفرض عليها قرارات
- مصر لن تسمح بأي تهجير أو اعتداء على السيادة الوطنية المصرية
- مصر بلد كبيرة تراهن على السلام كأداة استراتيجية على التسوية السلمية للصراعات
- محاولات الضغط على مصر بسيناريوهات التهجير والضم يضع معاهدة السلام على المحك
- الأوربيون في “حيص بيص” ولا أتوقع منهم مبادرات قوية وإنما دعم دبلوماسي للموقف العربي
- منظمة التحرير الفلسطينية الإطار الأكثر شرعية وقبولًا لدى المواطن الفلسطيني
- حركة حماس لن تعود لحكم غزة والسلطة الفلسطينية لن تُكمل في الضفة بنفس طريقتها
لا صوت عربي يعلو صوت رفض تهجير الفلسطينيين من غزة، ولا حديث أوروبي وأمريكي وعربي أيضًا يخلو من تداول تصريحات وقرارات اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ اليوم الأول لتوليه حكم الولايات المتحدة الأمريكية في ولايته الثانية، فبين رفض عربي قاطع وتعنت أمريكي إسرائيلي، تقود الدولة المصرية إجماعًا عربيًا وتواصل تحركاتها الدبلوماسية بمنتهى الرشادة والعقلانية للتأكيد على موقفها وموقف الشعب الفلسطيني والعربي الرافض لمسألة تهجير الفلسطينيين من غزة.
في هذا الصدد، تحدثنا إلى الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن ومدير برنامج كارنيجي للشرق الأوسط وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني المصري، لمعرفة ما يجري في الداخل الأمريكي والمناقشات حول الملف الفلسطيني وتصريحات ترامب بشأن دعوات التهجير، والموقف الأوروبي من تلك الدعوات ومستقبل العلاقات بين القاهرة وواشنطن وكذا مستقبل حركة حماس والسلطة الفلسطينية وخطة اليوم التالي في غزة، وإلى نص الحوار..
ما موقف الداخل الأمريكي من الرئيس دونالد ترامب وتصريحاته بشأن دعوات تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة؟
في البداية لا بد أن نشير إلى أن الداخل الأمريكي منصرف عن قضايا السياسة الخارجية البعيدة عنه ويصب كامل اهتمامه على كل ما يحدث داخل الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن الفترة الراهنة تشهد سيولة في القرارات التنفيذية التي يصدرها الرئيس دونالد ترامب والتي قد توقف بدورها عمل أجهزة حكومية مثل وكالة المعونة الدولية الأمريكية وتساهم أيضًا في تغيير تركيبة الوزرات وعزل مسئولين ووضع حدود زمنية قصوى لعمل موظفين بالحكومة الفيدرالية.
بالتأكيد هناك تغييرات كثيرة وكبيرة جدًا تُحدث تغييرات في برامج كانت قائمة وممولة من الحكومة الفيدرالية داخل الولايات المتحدة الأمريكية لتصعيد أشخاص ينتمون لأقليات وغيره، لذلك فالداخل الأمريكي يهتم أكثر بالقضايا الخارجية التي تمتد للداخل ذاته وتؤثر عليه، وكل هذا بالطبع دليل على أن الداخل الأمريكي مُعقد “ ملخبط” جدا.
الداخل الأمريكي أيضًا قائم على إيقاع القرارات التنفيذية الكثيرة التي يصدرها الرئيس ترامب وكذلك محاولات إيقاف تلك القرارات من خلال المحاكم، وهذا ما نراه من وقت لآخر من خلال صدور أحكام من قضاة فيدراليين بوقف قرار من قرارات ترامب التنفيذية.
هذا ما يخص الوضع في الداخل الأمريكي بشكل عام.. لكن ماذا عن الموقف من القضية الفلسطينية ودعوات ترامب للتهجير؟
فيما يخص القضية الفلسطينية، ما يهمنا في موقف الداخل الأمريكي أنه سجل رفضه للتهجير “الرفض الفلسطيني والمصري والأردني والسعودي والعربي بشكل عام”، كما شهد الداخل الأمريكي نقاشًا واسعًا عن تصريحات ترامب بشأن التهجير وسيطرة الولايات المتحدة على القطاع، ويرى أنه ليس من حق الولايات المتحدة تهجير الفلسطينيين أو التورط في إرسال قوات أمريكية إلى غزة، وهذا أكبر دليل على أن الصوت المصري والفلسطيني والأردني والعربي وصل للشعب الأمريكي بصورة واضحة وقاطعة بأنه لن يحدث تهجير.
كيف ترى ويرى الداخل الأمريكي الموقف المصري الرسمي والشعبي الرافض للتهجير ؟
الموقف المصري من القضية الفلسطينية مهم جدًا؛ ثابت وواضح وممتد، ومن أفضل المواقف المصرية من القضية الفلسطينية رفض التهجير من غزة ورفض الضم في الضفة الغربية، لأن المتابع لتصريحات ترامب “المُرعبة” والتي قال فيها إن مساحة إسرائيل على الخريطة صغيرة جدًا يتضح له أن تلك التصريحات تسير في اتجاهين وهما التهجير من قطاع غزة والضم الإسرائيلي لأجزاء من الضفة الغربية.
الموقف المصري من تصريحات ترامب له مكونات رئيسية، أولها أن مصر ضد تصفية القضية الفلسطينية وضد تهجير الفلسطينيين من غزة وضد الضم والمزيد من عمليات الاستيطان في الضفة الغربية، وثانيها أن مصر لن تسمح بأي تهجير عمومًا وبالتأكيد لن تسمح بأي اعتداء على السيادة الوطنية المصرية والتراب الوطني المصري، وهو ما وصل لإدارة ترامب بشكل قاطع وواضح بأن مصر لن تكون طرفًا في تهجير الفلسطينيين.
كما أن الموقف المصري موحد من الحكومة والمجتمع المدني وكل من ينكر حالة الوحدة والاصطفاف في الموقف الرسمي والشعبي فهو لا يستطيع قراءة المشهد والحالة المصرية بشكل صحيح.
كيف ترى مستقبل العلاقات بين القاهرة وواشنطن في الفترة المقبلة؟
علاقة مصر بالولايات المتحدة الأمريكية علاقة استراتيجية وقوية ويجمعهما تعاون اقتصاديًا وعسكريًا ودبلوماسيًا، لكنها أيضًا ليست علاقة تسير في اتجاه واحد، فمثلما تحصل مصر على معونة عسكرية مهمة واقتصادية أقل أهمية، فالولايات المتحدة في المقابل تحصل على تنسيق أمني وعسكري وحقوق لها علاقة بمرور السفن في قناة السويس والطيران وغيرها من التسهيلات العسكرية والأمنية؛ وبالتالي فإن تلك العلاقة تؤكد أن مصر ليست بلدًا ضعيفة أو صغيرة كي يُفرض عليها شيء، وهذا ما وصل للإدارة الأمريكية بأن العلاقة ليست أحادية الاتجاه بل مفيدة للطرفين وأن الإخلال بهذه العلاقة لا يعني الضرر لمصر فقط وإنما تضر مصالح الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، وهذا ما لا نريده إنما نريد الوصول إلي علاقة ودية قائمة على شراكة استراتيجية وهو ما تعمل مصر عليه.
من الأمور المهمة جدًا في الفترة الأخيرة ما قامت به مصر من تنويع لمصادر العلاقات الاستراتيجية؛ حيث انفتحت على الصين وروسيا بشكل جيد ونوعت مصادر السلاح لإحداث التوازن المطلوب، وهذا لا يعني أن أحدًا يريد أن “يدخل خناقة” مع أمريكا، وإنما ضرورة التوصل لتعاون مثمر فالولايات المتحدة الأمريكية ليست مهمة لمصر فقط في الشرق الأوسط وإنما أيضًا في ملف المياه وهذا ما تعول عليه مصر من تدخل أمريكي بشكل إيجابي بسبب التعنت الاثيوبي في ملف سد النهضة.
كيف ترى مستقبل اتفاقية كامب ديفيد حال استمرار العناد الأمريكي الإسرائيلي في مسألة تهجير الفلسطينيين؟
بعد الحديث عن الموقف العام للقضية والسيادة الوطنية لمصر وعلاقتها مع أمريكا، أرسلت مصر رسالة في غاية الأهمية للطرفين الإسرائيلي والأمريكي الذين يروجون لخطط الضم والتهجير، مفادها أنه “بيننا وبين إسرائيل معاهدة سلام وأن مصر ملتزمة بها منذ عام 1979”، ويُحسب للدبلوماسية المصرية الرشادة والعقلانية أنها وفي أوج الحرب على غزة لم تسحب مصر سفيرها من تل أبيب أو تطرد سفير الاحتلال الإسرائيلي من القاهرة، فنحن بلد كبيرة تراهن على السلام كأداة استراتيجية على التسوية السلمية للصراعات، كما أننا لسنا دولة تصعيد عسكري أو حروب؛ لكن عندما يضغط أحد على مصر بسيناريوهات تهجير وجرائم ضم وتهجير إضافية فبالتالي يتم وضع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية على المحك وهذه رسالة لا بد أن تصل واضحة كما هي لأن معاهدة السلام مكون من المكونات الرئيسية للاستقرار المتبقي في الشرق الأوسط فلا يجب تهديدها.
كيف ترى التنسيق العربي بشأن الملف الفلسطيني والموقف من التهجير؟
التنسيق العربي مهم جدًا ويجب على مصر ألا تتحرك باسمها فقط وإنما باسم الرفض الفلسطيني ككل للضم والتهجير في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وهذا حاضر بقوة والشعب الفلسطيني شعب بطل لن يترك أرضه، ومصر تتحرك في هذا الملف باسم موقف جماعي وإجماع خماسي عربي “مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر”.
ما مستقبل القضية الفلسطينية بعد تولي ترامب حكم أمريكا؟
نحن في لحظة تنازع كبيرة، ونشهد إجماعا عربيا وعالميا، يجب علينا جميعًا مصر والعالم العربي وفلسطين التفكير فيها بهدوء وفي الفرص المتاحة بشكل إيجابي والمتمثلة في مساندة الرأي العام العالمي للحق الفلسطيني كحق وطني لتقرير مصيره وإعلان قيام دولة مستقلة وهي حقوق مشروعة للفلسطينيين، وكذلك رفض الضم والتهجير وهو ما أعلنته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا والجنوب العالمي في كل مكان؛ وهذ أمر جيد جدًا.
كذلك لا بد من التفكير في الرأي العالمي الشعبي والحق الفلسطيني بعد الكارثة والجرائم اللي ارتكبت ضد الفلسطينيين في غزة والتي تُرتكب حاليا في الضفة وتعنت اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي كلما زاد واحتضنه الرئيس الأمريكي ترامب زاد أمامه إجماع الموقف العربي حيث أن مصر والأردن لن يقبلا التهجير والضم، والسعودية لن توافق على سلام دون إقامة دولة فلسطينية.
ماذا عن اليوم التالي في غزة ومن يقرره؟
هناك عناصر ضعف في الموقف الفلسطيني أهمها غياب الوحدة الفلسطينية وهذه مسألة لا بد من العمل عليها فورًا في إطار خطة “اليوم التالي في غزة”، وأفضل من تحدث عن اليوم التالي في غزة ما صدر عن وزارة الخارجية المصرية من بيان رسمي بأن اليوم التالي في غزة مرتبط بالضفة الغربية وأنه لا يوجد فصل غزة عن الضفة في اليوم التالي الذي هو يوم تالي للفلسطينيين من خلال استعادة مسار تفاوض من أجل الحق المشروع في قيام الدولة المستقلة.
يجب علينا التفكير والعمل على تحقيق الوحدة الفلسطينية من خلال الدور المصري الكبير وكذا الدور القطري من أجل الدفع باتجاه توحد فلسطيني حوال أجندة وطنية.
رغم المخاوف من سيناريوهات التهجير.. هل تعتقد أن إدارة ترامب حسمت قرارها بشأن التهجير أم أن المواقف ستتغير؟
أرى أن الخطر الأكبر قادم من اليمين الإسرائيلي المتطرف والسناريوهات المجنونة والإجرامية للضم والتهجير، لكن رغم ذلك مواقف إدارة ترامب غير محسومة، فعندما تحدث ترامب عن نيته للسيطرة على قطاع غزة، خرج رموز الإدارة الأمريكية وأعلنوا أن ذلك لا يعني إرسال الولايات المتحدة جيش أو جنود إلى غزة أو أن يكون لهم تواجد على الأرض هناك.
مواقف إدارة ترامب غير محسومة ومن المرتقب زيارة قيادات عربية إلى واشنطن ولا بد أن يصل الموقف العربي الرافض للتهجير وكذا الرافض للضم والتهجير وأن لدينا كعرب تصور واضح ومتكامل لإعادة الإعمار في غزة.
والحديث عن أن إعادة الإعمار يستدعي التهجير كلام غير صحيح بالمرة لأن إعادة الإعمار تستغرق سنوات طويلة وعلى مراحل في المناطق الأقل دمارا ثم المناطق الأكثر دمارا كما أن هناك حلولاً تكنولوجية سريعة وناجزة في مجال الرعاية الصحية والتعليم ومياه الشرب والطاقة وغيره كل هذا موجود ومتوفر ويتطلب الضغط العالمي على إسرائيل لكي تسمح بدخول الشاحنات ومواد إعادة الإعمار إلى غزة عبر معبر رفح والمعابر الأخرى.
كيف ترى الموقف العربي والغربي والأوروبي من دعوات ترامب للتهجير بشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل عام
أرى أن الموقف العربي جيد جدا وهناك حالة من الإجماع ظهر من خلال بيان المجموعة الخماسية العربية المؤثرة وصاحبة الأدوار الرئيسية في الملف الفلسطيني وهي “مصر والسعودية والإمارات والأردن وقطر” بحضور ممثل منظمة التحرير الفلسطينية والجامعة العربية، برفض الضم والتهجير والحديث عن قمة عربية مقبلة في هذا الصدد.
مصر تلعب دورًا كبيرًا لدرجة أن الصحف الأجنبية والأمريكية تنشر تقارير صحفية وتتحدث دائمًا عن أن مصر تدفع للأمام بإجماع عربي لمساندة موقفها والموقف الفلسطيني والأردني، وهو ما يصل بالطبع للإدارة الأمريكية.
مصر أيضًا لديها أصدقاء ليس فقط في الإدارة الأمريكية وإنما في الكونجرس لأن أمريكا ليست ترامب فقط وهذا أمر مهم يغفله البعض.
الموقف الأوروبي متعاطف مع العالم العربي، لكن لا نتوقع منه مبادرات كبيرة وإنما أتوقع دعم دبلوماسي للموقف العربي، لأن الأوروبيين في حيرة كبيرة أو “حيص بيص” بالمعنى المصري الدارج، لأنهم ينتظرون قرارات ترامب بشأن التعريفات الجمركية وفي نفس الوقت خائفون مما يحدث في أوكرانيا وكذلك مسألة انتخابات ألمانيا على الأبواب والتي تعد أهم بلد في الاتحاد الأوروبي ولا يدركون كيف ستكون نتيجتها.
مستقبل حركة حماس بعد تصفية الصف الأول من قاداتها منذ أحداث 7 أكتوبر وحتى الآن؟
دعنى أجيب عن سؤال بشكل أوسع وهو الموقف داخل فلسطين ومستقبل إدارة الضفة وغزة لتمهيد الطريق لدولة فلسطينية مستقلة، فلا بد أن نضع في الاعتبار أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الأكثر شرعية والأكثر قبولًا لدى المواطن الفلسطيني، فلا حماس ليس لديها نفس القبول ولا نفس الإمكانات التي كانت عليها قبل أكتوبر 2023 ، ولا السلطة الفلسطينية لديها نفس القبول ولا الإمكانات.
ولا بد لقيام الدولة الفلسطينية من إصلاح المنظومة والتوافق داخل البيت الفلسطيني على أجندة وطنية خلال حوار وطني حقيقي يخرج عنه أسلوب جديد لإدارة شئون غزة والضفة الغربية مع التركيز على عناصر الإصلاح الاقتصادي والسياسي والأمني.
حركة حماس لن تعود لحكم غزة مرة أخرى والسلطة الفلسطينية لن تُكمل في الضفة بنفس طريقتها، لكن يجب إعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية وإعطاؤها دفعة لإدارة حوار وطني فلسطيني بمساعدات من مصر وقطر لإنجاح الأجندة الوطنية الفلسطينية في تحديد المسار المقبل والرافض للضم والتهجير والعودة للتفاوض لإقامة الدولة المستقلة، وأحذر مرارا وتكرارا من الحديث فقط عن التهجير من غزة ونسيان الضم وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية الذي إذا استمر فسيحول دون الهدف الرئيسي وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.