انخفاض معدلات الانجاب في شرق آسيا هو ظاهرة ديمغرافية تشير إلى تراجع عدد المواليد لكل امرأة في بلدان شرق آسيا مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية. وهذه الظاهرة تؤدي إلى تغير في التركيبة السكانية وزيادة نسبة كبار السن إلى شباب السكان.
انخفاض معدلات الشباب في الصين واليابان وكوريا الجنوبية هو نتيجة لانخفاض معدلات الانجاب وزيادة متوسط العمر المتوقع. هذه الظاهرة تؤثر على القوة العاملة والنمو الاقتصادي والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية في هذه البلدان.
كم أن هناك عدة عوامل تساهم في انخفاض معدلات الانجاب في شرق آسيا، من بينها التطور الاقتصادي والتحضر والتعليم والتغيرات الثقافية والسياسية. حيث أن بعض هذه العوامل تؤدي إلى تأخير أو تجنب الزواج أو الإنجاب أو كلاهما من قبل الشباب، خصوصًا النساء، اللائي يفضلن حياة مستقلة ووظائف في مجتمع قد يمارس التمييز بين الجنسين.
كوريا الجنوبية
انخفاض معدلات الخصوبة
تعاني كوريا الجنوبية من أدنى معدلات الخصوبة في العالم، إذ يسجل متوسط معدل الخصوبة في البلاد 1.1 طفلا لكل امرأة، أي أقل من أي بلد في العالم. ويسجل المعدل تراجعا على نحو مستمر، فخلال الفترة بين أوائل خمسينيات القرن الماضي حتى الآن، تراجع معدل الخصوبة في كوريا الجنوبية من 5.6 إلى 1.1 طفلا لكل امرأة.
ولا تصل معدلات الخصوبة في كوريا الجنوبية إلى معدل الإحلال، وهو 2.1 طفلا لكل زوجين، وهذا يعني أن عدد المواليد لا يكفي لتحقيق الاستقرار السكاني بدون الهجرة. وكانت كوريا الجنوبية قد أحدثت مفاجأة في السنوات الأخيرة، بتسجيلها انخفاضا في معدل المواليد ، حيث يبلغ المعدل الآن أقل من 0.9 طفلا لكل امرأة، وهو أقل بكثير من أسوأ الحالات التي كان يمكن الإشارة إليها قبل بضعة سنوات.
عزوف عن الزواج والأطفال
لا تختار نساء كوريا الجنوبية في الواقع إنجاب عدد أقل من الأطفال، فبعضهن يخترن الابتعاد عن العلاقات العاطفية بالكامل، بينما يختار الكثير منهن عدم الزواج على الإطلاق، والعزوف عن أي علاقات زواج قانونية أو حتى علاقات عارضة.
وهذا التغير جزء من ظاهرة اجتماعية متنامية في كوريا الجنوبية يطلق عليها “جيل السامبو”، وكلمة “سامبو” تعني التخلي عن ثلاثة أشياء: العلاقات والزواج والأطفال.
وتشير إحصائية في عام 2015 إلى أن أقل من ربع نساء كوريا الجنوبية ممن تتراوح أعمارهن بين 25-29 عاما 23 في المئة متزوجات، وهي نسبة تراجعت بشدة مقارنة بالنسبة المسجلة عام 1970 وهي 90 في المئة.
زيادة الشيخوخة والضغوط الاقتصادية
تعد كوريا الجنوبية مثالا لما يسميه خبراء علم السكان بـ “التحول الديمغرافي”، وهي مرحلة تتميز بالتضخم السكاني، والتراجع ثم الاستقرار النهائي الذي يحدث عندما تصبح الدول أكثر ثراء.
ويعني ذلك بالنسبة لكوريا الجنوبية تسجيل زيادة كبيرة وسريعة في عدد المسنين، وانخفاض معدلات الزواج والمواليد بما لا يعوض بطريقة كافية الأجيال التي تتوفى، الأمر الذي يشكل معضلة حقيقية لمستقبل الأمة.
ودق ناقوس الخطور في كوريا الجنوبية عام 2020 حين تجاوز عدد الوفيات عدد المواليد للمرة الأولى، وفي السنوات الأخيرة أصبحت الضغوط الاقتصادية والعوامل المؤثرة في فرص العمل عوامل أساسية في قرار العائلات المتعلق بإنجاب الأطفال.
وتشير دراسات إلى ارتفاع تكلفة المعيشة وارتفاع في أسعار المساكن وتأثير جائحة كورونا، وأثرها على قرار العائلات المتعلق بالإنجاب.
هجر طب الأطفال
هناك مقالة نشرت عام 2019 تذكر أن هناك أزمة في قطاع التوليد في كوريا الجنوبية، حيث يغادر الأطباء المختصون بولادات مهنتهم أو يغير اختصاصهم بسبب انخفاض دخلهم وزيادة خطورة الملاحقات القانونية.
كما ذكرت المقالة أن هذه الأزمة قد تؤدي إلى زيادة نسبة حالات التوليد خارج المستشفى أو زيادة نسبة حالات التوليد في دول أخرى، مما يزيد من خطورة.
الصين
سياسة الطفل الواحد وتأثيرها على معدل الخصوبة
سياسة الطفل الواحد هي سياسة حكومية فُرضت عام 1979 للحد من النمو السكاني في الصين. وبموجب هذه السياسة، تم فرض عقوبات على المخالفين شملت دفع غرامات والطرد من الوظيفة أو مواجهة الإجهاض الإجباري أو الإخصاء. لكن معدل الإنجاب كان قد تدنى بشكلٍ حاد بالفعل قبل عقدٍ من الزمان. واستفادت الصين لسنواتٍ من الأرباح الديموغرافية التي تمثلت في عدد سكان هائل شكّل مصدراً كبيراً للقوى العاملة.
وفي عام 2015، أوقفت الصين سياسة الطفل الواحد وسمحت للأزواج بإنجاب طفلين.
أسباب عزوف النساء عن إنجاب الأطفال
رغم فتح باب الإنجاب، لا يبدو أن الشباب الصيني يرغب في الأطفال. فبعض أسباب عزوف النساء عن إنجاب الأطفال هي:
الضغط المالي: تكاليف تربية وتعليم ورعاية الأطفال مرتفعة جداً في ظل ارتفاع
أسعار المساكن والخدمات.
الضغط المهني: صعوبة التوافق بين متطلبات العمل والحياة الأسرية، خاصة في المدن الكبرى.
الضغط المجتمعي: تحميل المرأة مسؤولية رئيسية في تربية وإطعام وتثقيف وتأهيل طفلها، دون دعم كافٍ من زوجها أو أسرته.
الضغط التاريخي: تأثير سياسة الطفل الواحد على نظرة المجتمع للأطفال كثروة أو عبء، وعلى نظرة المرأة لذاتها كأم أو فرد.
التحديات والحلول المقترحة
انخفاض معدل المواليد يشكل تحدياً كبيراً للاقتصاد والمجتمع في الصين، حيث يؤدي إلى شيخوخة السكان ونقص في القوى العاملة.
وتتم حالياً مناقشة إجراءات تتنوع بين تمديد إجازة الأمومة والتشجيع على إنجاب طفل ثانٍ من خلال تقديم حوافز نقدية مباشرة أو إعفاءات ضريبية لبعض الوقت، حتى أن البعض يطالب برفع القيود على عدد الأطفال المسموح بإنجابهم كلياً.
ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات قد لا تكون كافية لزيادة معدل المواليد، إذ يحتاج الأمر إلى تغيير في ثقافة المجتمع وسياساته بشأن دور المرأة وحقوقها ومسؤولياتها.
اليابان
أسباب انخفاض معدل المواليد؟
اليابان واحدة من أكثر الدول تقدما في العالم من حيث التكنولوجيا والثقافة والاقتصاد، لكنها تواجه تحديا كبيرا يهدد مستقبلها وهو انخفاض معدل المواليد وزيادة نسبة كبار السن. كما أن معدل الخصوبة في اليابان انخفض للعام السابع على التوالي في 2022 إلى مستوى قياسي. وتؤثر هذه الأزمة الديموغرافية سلبا على جميع جوانب الحياة في اليابان، من العمل إلى الصحة إلى التعليم إلى الأمن.
يرجع انخفاض معدل المواليد وزيادة نسبة كبار السن إلى عدة أسباب، منها ارتفاع تكاليف المعيشة والتعليم والرعاية الصحية وزيادة عدد النساء في التعليم والعمل وتأخر سن الزواج.
بالإضافة إلى ذلك، زيادة وسائل منع الحمل وتغير القيم والتوجهات، وتأثير جائحة كورونا على عدد الزيجات والولادات والوفيات.
آثار انخفاض معدل المواليد
يتقلص عدد السكان من 125 مليون نسمة في 2020 إلى أقل من 53 مليون نسمة بنهاية القرن، وزيادة نسبة كبار السن إلى 28% من عدد السكان في 2020، وهي ثاني أعلى نسبة في العالم بعد موناكو، كما أن هناك نقصا في قوة العمل والإنتاجية والابتكار والتنافسية، ما تسبب في ضغط على نظام الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والمعاشات.