أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقريراً جديداً تحت عنوان ” قرى مصرية متميزة… نماذج رائدة ونقاط مضيئة”، سلط خلاله الضوء على بعض القرى الرائدة الموجودة في مصر، ومميزاتها وخصائصها الرئيسية، وأهم الفرص والجوانب الإيجابية التي تحققها كل قرية منهم.
وأشار إلى أن مصر تحظى بوجود العديد من القرى التي تتمتع بميزة تنافسية مقارنة بغيرها من القرى، ومن أبرزها قرية “شبرا بلولة السخاوية” التي تتميز بزراعة الياسمين، وقرية “القراموص” التي تشتهر بصناعة أوراق البردي، بالإضافة إلى قرية “النزلة” المعروفة بصناعة الفخار، وكذا قرية “الحرانية” الرائدة في صناعة السجاد اليدوي، وجميع تلك الصناعات تمثل -بلا شك- إضافة للاقتصاد المصري، لاسيما في ظل تمتُّعهم بشهرة على الصعيدين المحلي والدولي.
وأضاف المركز إلى أن تلك القرى تحقق فوائد عديدة، في مقدمتها المساهمة في التنمية الاقتصادية، وذلك بما توفره من فرص عمل تسهم في دفع عجلة الإنتاج، فضلًا عن دورها في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز حركة الصادرات، وجذب المزيد من السائحين، كما أن تلك القرى تسهم بشكل كبير في الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي لمصر، من خلال تشجيع الثراء الثقافي والإبداعي، والترويج للصناعات التراثية.
تناول التقرير أهم ما يميز هذه القرى بالتفصيل، موضحاً أن قرية “شبرا بلولة السخاوية” التابعة لمركز “قطور” بمحافظة الغربية، تشتهر بزراعة الياسمين، حيث يبلغ الإنتاج العالمي من الياسمين نحو 14 طنًا، وتقوم مصر بإنتاج 7 أطنان تقريبًا، منها 4 أطنان من قرية شبرا بلولة؛ حيث تتميز أزهار الياسمين في القرية برائحة مميزة، وتدخل في صناعة العديد من العطور، منها العطور ذات العلامات التجارية المعروفة.
ويرى العديد من الخبراء أنه بالرغم من أهمية زهرة الياسمين ودخولها في صناعة العديد من العطور ذات العلامات التجارية العالمية، فإن سعرها منخفض للغاية، وهو ما يرجع بدرجة كبيرة إلى المنافسة مع الهند، وأشار التقرير إلى قيام القرية بإنتاج أطنان من الأزهار المعالَجة سنويًّا، حيث تُعد القرية الأكثر كثافة في إنتاج الياسمين في مصر، ويعتمد أهالي القرية على زراعة زهور الياسمين لكسب الرزق.
وأشار المركز أيضاً إلى قرية “القراموص” بمركز “أبو كبير” بمحافظة الشرقية، والتي تُعد أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما وأنه لا توجد حتى الآن قرية في العالم تُنافس قرية “القراموص” في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة، وأشار التقرير إلى أن الرسوم التي يقوم بنقشها فلاحي القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضًا موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية.
وسلط التقرير الضوء على التقنيات القديمة التي يستخدمها المزارعون في القرية والتي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي؛ حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع كطبقات فوق بعضها، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتمادًا على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.
وقد تطورت صناعة ورق البردي خلال السنوات الأخيرة الماضية؛ حيث تم إدخال ورق البردي في الطابعات الخاصة بالورق للطباعة عليه، وهو ما كان مستحيلًا في السابق، فضلًا عن إمكانية تحويل ورق البردي إلى مادة تُشبه الجلود؛ بحيث تُستخدم في صناعة الحقائب والحافظات، كما أسهمت المناظر الخلابة لنبات البردي المترامي الأطراف بالقرية في جذب السياحة خلال السنوات الماضية، لا سيما مع حرص أهالي القرية على الاحتفاظ بالسمات الفرعونية في إنتاج ورق البردي.
وسلط المركز الضوء على قرية “النزلة” والتي تُعد إحدى القرى التابعة لمركز “يوسف الصديق” بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب “أم القرى” انطلاقًا من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الفخار التي بدأت مع نشأتها؛ حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال، ويمتد تاريخ صناعة الفخار في القرية لنحو خمسة أو تسعة أجيال.
وأضاف التقرير إلى اعتماد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على: تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها: الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة.
وفي هذا السياق، فإن اشتهار قرية “النزلة” بصناعة الفخار من خلال تحويل الطمي إلى أشكال فنية متعددة ومختلفة قد أدى إلى جعل هذه القرية هي الأولى في تصدير الفخار للعديد من الدول الأوروبية والعربية؛ ومن أبرز هذه المنتجات الفخارية، “البوكلة” و”الزير”، و”المنقد”، بالإضافة إلى “قدرة الفول”، وتُعد “البوكلة” أشهر المنتجات التي تتميز القرية بصناعتها.
وذكر التقرير أن صناعة الفخار بالقرية تُسهم في تحقيق العديد من الفرص، لعل من أبرزها المساهمة في التنمية الاقتصادية، حيث تقوم القرية بالتسويق لمنتجاتها داخل محافظة الفيوم وخارجها، بما يسهم في دعم الاقتصاد المصري؛ ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى العديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، وتتم عملية التصدير والتوزيع على البلدان الأخرى من خلال مكاتب تصدير معتمدة، وذلك بالنظر إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى وجود سجل تجاري، وبطاقة ضريبية، بالإضافة إلى إتقان الشخص للغات الأجنبية التي تُمكنه من التعامل مع الطرف الأجنبي الذي يعتزم إدخال هذه المنتجات إلى أسواق بلاده، والتشجيع على الممارسة الجماعية لحرفة صناعة الفخار، وهو الأمر الذي دفع أسر كاملة في القرية إلى اتخاذ هذه الحرفة وظيفة دائمة لها، ما يُسهم في الحد من معدلات البطالة، ويُحفز مزيدًا من الشباب على العمل بهذه الحرفة.
كما تلعب صناعة الفخار بقرية النزلة دورًا مهمًّا في الحفاظ على التراث الثقافي المصري، من خلال الترويج لصناعة الفخار عبر استخدام المنتجات الفخارية في البناء، لإظهار السمة المعمارية الخاصة بهذه الصناعة، فضلًا عن إبراز جمال هذا الفن وروعته، والحفاظ على الإرث الثقافي والحضاري للتاريخ المصري المتعلق بالحرف اليدوية، وبالأخص حرفة الفخار اليدوي، والتشجيع على الثراء الثقافي والإبداعي، حيث تُعد قرية “النزلة” من أشهر الأماكن التي تعتمد على الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار، واستخدام الموارد الطبيعية لصناعته بأشكال مختلفة.
وتناول التقرير أيضاً قرية “الحرانية” والتي تُعد إحدى القرى التابعة لمحافظة الجيزة، والتي أشار التقرير إلى شهرتها في عالم صناعة السجاد اليدوي باستخدام الألوان الطبيعية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش العديد من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.
وأشار التقرير إلى أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف إلى شهرين تقريبًا؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.
وفي هذا الصدد؛ تشتهر القرية بالصناعات اليدوية العتيقة، وذلك بالنظر إلى أن السجاد الذي يصنعه أهالي القرية قيِّم وفاخر، لا يُضاهي أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية؛ من خلال استخدام نبات الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلًا من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالًا وتناسقًا يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.
أكد التقرير على أن موقع قرية “الحرانية” على طريق “سقارة” السياحي قد أسهم في جعلها مقصدًا لآلاف السائحين العرب والأجانب سنويًّا، وذلك بسبب تميُزها في صناعة السجاد والكليم، وهي الصناعة التي تتناقلها الأجيال عبر القرية، لا سيما وأن القرية تحظى بشهرة عالمية لتميزها في صناعات حرفية مهمة، أبرزها صناعة النول اليدوي البسيط، والسجاد دون الاستعانة برسومات محددة أو نماذج أو أجهزة الحاسوب وغيرها.
وأكد التقرير إلى أن هذه القرى المصرية الرائدة وما تتضمنها من زراعات وصناعات متميزة تُعد مصدرًا مهمًّا لزيادة الدخل القومي للبلاد وذلك بالنظر إلى أنها تُسهم في تزايد معدلات تصدير المنتجات المصرية إلى الخارج، فضلًا عن أنها تعمل على زيادة إيرادات السياحة الداخلية والخارجية، بسبب تزايد إقبال الزائرين عليها للتعرف على الصناعات المحلية التي تنتجها، وهو الأمر الذي يصُب في مصلحة الاقتصاد المصري، وتحسين صورة مصر خارجيًّا باعتبار أن هذه الحرف مصدرًا للقوى الناعمة المصرية، إلى جانب دور هذه القرى في الحيلولة دون اندثار العديد من الصناعات ذات البعد التراثي والثقافي، كصناعة أوراق البردي، والفخار، والسجاد اليدوي.