لا صوت يعلو الآن عن ما يحدث في منطقة إفريقيا وبالتحديد العملية العسكرية في النيجر، وهي عملية لم ترضى عنها فرنسا ومجوعة كبيرة من دول العالم وينتطر العالم خلال الساعات القادمة ما ستسفر عنه الاحداث داخل النيجر خاصة بعد وعود وتصريحات مجموعة الأيكواس.
عنصر يثير القلق في فرنسا
تعمل فرنسا من خلال مجموعة من الاصدقاء داخل افريقيا لإعادة الاتزان السياسي داخل النيجر نتيجة رفضها ما شهده البلد الإفريقي منذ أيام وحفاظاً على مصالحها التي قد تتضرر خاصة بعد إعلان القادة السياسين الجدد في النيجر رفضهم الوجود الفرنسي في بلادهم والعمل على وقف صادرات اليورانيوم و الذهب إلى باريس.
وانزعجت باريس مما شهده البلد الإفريقي وفرضت عقوبات تجاه قادة التحرك السياسي وهو الأمر الذي رفضه الحكام الجدد وتضامن معهم قادة بوركينا فاسو ومالي وأعلنوا تصديهم لاي تحرك سياسي في النيجر.
اعتبر وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو في مقابلة خاصة مع وكالة الأنباء الفرنسية أن الانقلاب في النيجر “خطأ فادح في التقدير… يضعف مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وقال إن “النيجر هي واحدة من أفقر البلدان في العالم.. 40% من موازنة البلاد تأتي من المساعدات الخارجية وستعاني بشدة إذا لم تتم إعادة النظام الدستوري”.
أما في ما يتعلق بالتدخل العسكري، فأجاب “الإنذار صدر وليس لي أن أعلق عليه… نرى أن الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تتولى مسؤولياتها في إدارة هذه الأزمة”.
ويشار إلى أنه كان قد قام قادة التحرك السياسي في النيجر بإلغاء اتفاقيات عسكرية عدة مبرمة مع فرنسا تتعلق خصوصاً بتمركز الكتيبة الفرنسية وبوضع الجنود الموجودين في إطار المعركة ضد المتطرفين.
كما أنه بعد توقف فرنسا عن استخراج اليورانيوم منذ مايقرب من 20 عاما، أعتمدت على ثلاث دول لتأمين مما تحتاجه من اليورانيوم الطبيعي، وعلى سبيل المثال النيجر، ولكن هناك الآن مخاوف وقلق في فرنسا ، حيث إن قادة التحرك السياسي في النيجر أعلنوا تعليق صادرات اليورانيوم إلى فرنسا، مما يعتبر ضربة قوية لباريس التي تعتمد على هذه المادة الحيوية بنسبة كبيرة في توليد الكهرباء، حيث يغطي يورانيوم النيجر 35% من الاحتياجات الفرنسية، ويساعد محطاتها النووية على توليد 70% من الكهرباء، بالتزامن مع قرار فرنسا بتوسيع محطاتها النووية، وهناك قلق بشأن أنشطة مجموعة أورانو الفرنسية التي تدير منجماً كبيراً في البلاد، حيث تدير شركة أورانو الفرنسية للوقود النووي مواقع لتعدين اليورانيوم في شمال النيجر، وهي منطقة معرضة لتهديدات أمنية.
وتصنف النيجر ضمن أكبر 7 دول منتجة لليورانيوم في العالم في 2023، حيث إنها تنتج 33 ألف طن أي 6 % من الإنتاج العالمي، ففي 2022، أصبح إنتاج النيجر نحو ألفي طن من اليورانيوم مقارنة بأكثر من 4,500 طن في عام 2013، حسبما تشير إحصائيات الجمعية العالمية للطاقة النووية.
في هذا الصدد قال الكاتب والمحلل السياسي بباريس فيصل جلول، إننا أمام تغير كبير في افريقيا وفي كل مكان، مشيراً إلى أن النظام العالمي المستند إلى القطب الواحد يتراجع ويتراجع مع القطب الواحد حلفاؤه في كل مكان وفرنسا منهم، ولفت إنه لا يعلم كيف ستتدخل فرنسا ضد الجيش في النيجر والشعب الذي يؤيد الجيش.
وأضاف فيصل جلول خلال تصريحات لــ”صدى البلد” أن حلفاء فرنسا في غرب أفريقيا إن تدخلوا لن تبقى الجزائر وتشاد على الحياد، مشيراً إلى أن روسيا وفاغنر أيضاً سيشعلان النيجر والحريق سيمتد نحو بلدان أخرى دون أن يتمكن أحد من إطفائه ، وأرجح ولا أؤكد أن الجميع سيعترف بالأمر الواقع الناجم عن الانقلاب العسكري.
وأستكمل: أما فيما يخص مخاوف فرنسا حول عنصر اليورانيوم والذي كانت تعتمد عليه من النيجر بشكل كبير فقال المحلل السياسي إن فرنسا تحصل على حاجتها من مواد أولية من بلدان ليست بالضرورة صديقة او حليفة كالجزائر مثلا ، و لا نعرف بعد صورة الوضع المقبل في النيجر، مشيراً إلى أن فرنسا براغماتية وقد تتوصل مع القادة الجدد إلى اتفاق حول اليورانيوم بشروط أصعب من ذي قبل لكن هذا نتركه للمستقبل.
وتابع المحلل السياسي – لا بد من الآن متابعة الوضع الجديد في النيجر لمعرفة صيغة الحكم المقبلة وتوجهاته الخارجية وهي برأيي لن تكون مشابهة ابدا لما كان عليه الوضع قبل الانقلاب، مشيراً إلى أن الضرر يلحق بفرنسا ولا أظن أن أمريكا ستخوض حربا للدفاع عن المصالح الفرنسية أما روسيا فهي شريكة في الانقلاب عبر فاغنر ولن ترحم فرنسا التي تدعم اوكرانيا في الحرب.
من جانبها قالت الدكتورة جيهان جادو عضو مجلس محلي مدينة فرساي، إن مايحدث في النيجر من انقلاب عسكري سيضع فرنسا في مأزق كبير جدا بعدما ألغت النيجر الاتفاقيات العسكريه مع فرنسا ليجعل فرنسا حائرة بين ضبط النفس وبين الخيار بالتدخل العسكري.
وأضافت الدكتور جيهان جادو خلال تصريحات لــ”صدى البلد” أنه في الحقيقة فرنسا تواجه أزمة اقتصادية كبري تمارس عليها جراء الحرب الروسية الاوكرانية الي الان، وهي لاتفكر ابداً في وضع خطط او تداخلات عسكرية في اي دولة حتي لاتضع البلاد تحت ازمة اقتصادية ، لكن هي ايضا تفكر في حماية مصالحها الموجودة بالنيجر ، لذلك الوضع خطير للغاية، ولدى فرنسا بين ألف و1500 جندي في النيجر للمساعدة في مواجهة تمرد الذي تشنه جماعات مرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية في المنطقة.
تنديد دولي بإنهاء الأزمة
قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن استراتيجية إيكواس تحظى بدعمه، وقال بلينكن في الأمم المتحدة “نعتقد أن ما تقوم به إكواس وما تدلي به من بيانات مهم وقوي ويحظى بدعمنا”.
وقالت الصين أيضاً إنها تعتقد أن النيجر ودول المنطقة لديها الحكمة والقدرة على التوصل إلى حل سياسي.
كما أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أنه ضد أي تدخل عسكري في النيجر المجاورة، وقال في مقابلة تلفزيونية مساء السبت “نرفض رفضا تاما وقطعيا التدخل العسكري في النيجر”، مضيفا “ما يحدث في النيجر تهديد مباشر للجزائر”، وشدد على أن “التدخل العسكري لا يحل أي مشكلة بل يؤزم الأمور. الجزائر لن تستعمل القوة مع جيرانها”.
وأضاف الرئيس الجزائري “الجزائر تتشارك حدودا بطول ألف كيلومتر تقريبا” مع النيجر، متسائلا “ما هو الوضع اليوم في الدول التي شهدت تدخلا عسكريا؟”، في إشارة إلى ليبيا وسوريا.
كما أعلنت تشاد المجاورة التي تعد قوة عسكرية مهمة، عدم مشاركتها في أي تدخل عسكري.
وفي بنين المجاورة للنيجر، أكد وزير الخارجية أولشيغون أدجادي بكاري أن الدبلوماسية تظل “الحل المفضل”، لكنه قال إن بلاده ستحذو حذو إيكواس إذا قررت التدخل.
وفي نيجيريا، حض كبار السياسيين الرئيس بولا تينوبو على إعادة النظر في التهديد بتدخل عسكري في النيجر، و دعا مجلس الشيوخ النيجيري “رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية بصفته رئيسا للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) إلى تشجيع القادة الآخرين في المجموعة على تعزيز الخيارات السياسية والدبلوماسية”، كما نصح أعضاء في مجلس الشيوخ من ولايات في شمال نيجيريا التي تتشارك سبع منها حدودا بطول 1500 كيلومتر مع النيجر، بعدم القيام بأي تدخل عسكري حتى يتم استنفاد جميع الخيارات الأخرى، وقال تحالف الأحزاب السياسية المتحدة “لقد تم إرهاق الجيش النيجيري على مر السنوات في محاربة الإرهاب وجميع أساليب التمرد التي لا تزال نشطة إلى حد كبير”، ودعا الرئيس تينوبو هو الآخر “إيكواس” إلى القيام بكل ما يجب للتوصل إلى حل ودي للأزمة في النيجر.
كما أشار الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل إلى أن “الاتحاد الأوروبي يدعم موقف إكواس وجميع الإجراءات التي اتخذتها ردا على الانقلاب في النيجر”
ولفت بوريل في تصريح له إلى أن “الاتحاد الأوروبي يحمل الانقلابيين في النيجر مسؤولية أي هجوم على السفارات”، معتبرا أن «الرئيس محمد بازوم المنتخب ديمقراطيا هو رئيس دولة النيجر الوحيد ولا يمكن الاعتراف بأي سلطة غير سلطته”.
مهلة أقتربت على الانتهاء
يذكر أنه في 30 يوليو 2023 وبعد أربعة أيام من التحرك السياسي الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم في 26 يوليو، أمهلت دول غرب أفريقيا الانقلابيين سبعة أيام، أي إلى غاية مساء الأحد، لإعادة بازوم إلى منصبه تحت طائلة استخدام “القوة”.
وشهدت النيجر الجمعة والسبت تظاهرات دعم لقادة التحرك السياسي في مختلف أنحاء البلاد، رفع خلالها العلمان النيجري والروسي، إضافة إلى صور العسكريين الذين نفذوا الانقلاب، بحسب التلفزيون الرسمي وصحافيين محليين.
وقال مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عبدالفتاح موسى، في 4 أغسطس 2023 إن قادة الدفاع في المجموعة وضعوا خطة لتدخل عسكري محتمل في النيجر للتصدي للتحرك السياسي في النيجر، وأضاف موسى أن المجموعة لن تكشف لمدبري الانقلاب متى وأين ستكون الضربة، مضيفاً أن القرار سيتخذه رؤساء الدول.
وفرضت “إيكواس” بالفعل عقوبات على النيجر، وقالت إنها قد تجيز استخدام القوة إذا لم يقم قادة التحرك السياسي بإعادة السلطة للرئيس المنتخب محمد بازوم بحلول يوم الأحد.
وقالت روسيا أيضاً إن أي تدخل من جانب قوى غير إقليمية مثل الولايات المتحدة لن يجدي نفعا، وكررت دعوتها للعودة إلى الحكم الدستوري. لكن مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة رحبت بالتحرك السياسي في النيجر.
كما توقع رئيس النيجر محمد بازوم المنتخب ديمقراطياً حصول “عواقب وخيمة على بلدنا ومنطقتنا والعالم بأسره” في حال نجاح المحاولة الانقلابية لإطاحته من السلطة، داعياً الأسرة الدولية إلى تقديم المساعدة فيما توعد الانقلابيون كل من يشن “عدواناً” على البلاد “برد فوري”.
وفي بيان له بعد التحرك السياسي قال محمد بازوم “الحكومة الأميركية والمجتمع الدولي بأسره إلى مساعدتنا في استعادة نظامنا الدستوري.. أكتب هذا بصفتي رهينة.. هذا الانقلاب ليس له أي مبرر، وإذا نجح ستكون له عواقب وخيمة على بلدنا ومنطقتنا والعالم أجمع”.
وتابع بازوم في المقال المنشور باللغة الإنجليزية “في منطقة الساحل المضطربة، وفي وسط الحركات الاستبدادية التي فرضت نفسها لدى بعض من جيراننا، فإن النيجر هي آخر معقل لاحترام الحقوق”.
وحذر من أن بوركينا فاسو ومالي، الدولتين المجاورتين اللتين يحكمهما عسكريون تستخدمان مرتزقة مجرمين مثل مجموعة فاغنر من أجل حل المشاكل الأمنية بدلاً من “تعزيز قدراتهما الذاتية”.
وأردف بازوم أن “المنطقة الوسطى في الساحل قد تصبح بكاملها تحت التأثير الروسي عبر مجموعة فاغنر التي ظهر إرهابها الوحشي بوضوح في أوكرانيا”.