“نعم تغيرت آليات كثيرة في الطرق الدبلوماسية بالعالم، وقد يكون العرب الأكثر استفادة” .. تلك المقولة ربما تكون الأنسب وصفا لحال المفاوضات التي تجريها المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة حول تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، وبالعودة إلى سنوات ماضية قليلة، وكيف كان تعامل واشنطن مع الرياض بعهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، نجد أن الأمور أصبحت على النقيض، بمن معاملة فرض الشروط والوصاية، تم استبدال ذلك بلغة المصالح والتفاوض بأسلو الند بالند.
ووفقا للأخبار الواردة من الصحافة الأمريكية، نجد أن تلك الاتفاقية التي تسعى لها واشنطن، ليست قاصرة على علاقات السعودية بإسرائيل، ولكنها تشمل رؤية أكبر عن محاور عالمية، وإعادة المملكة عن محور الصين وإيران بعد التقارب الكبير الذي حدث خلال الأشهر الماضية، في المقابل تضع السعودية أوراقها وفقا لمصالحها وأصبح هناك تسريبا عن شروط منها مشروع نووي سلمي، ومكاسب للقضية الفلسطينية، والملفت للنظر أن تقارير الإعلام السعودي تتحدث عن أن السعودية تخوض تلك المفاوضات بعدم حماسة لهذا الأمر، وتسير بها على غضض، وهو ما يكشف تغيرات موازين القوى حول العالم.
البيت الأبيض .. المناقشات مستمرة والاتفاق خلال عام
أحدث الأنباء التي خرجت عن تلك المشاورات، هو ما قاله البيت الأبيض، اليوم الأربعاء، من إنه لا يوجد إطار عمل متفق عليه بين السعودية وإسرائيل والمناقشات مستمرة، حيث توقع البيت الأبيض أن يلتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت لاحق من الخريف القادم، كما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّه بالإمكان التوصّل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة في غضون عام على الأكثر.
وكانت صحيفة فايننشال تايمز، قد نشرت تقريرا عن مستقبل العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وضغط إدارة الرئيس جو بايدن، للتطبيع بين البلدين، وكذلك أهداف السعودية ومطالبها لإتمام هذه الصفقة، وقالت الصحيفة، إن الولايات المتحدة تعمل على التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وقد أرسل الرئيس الأمريكي جو بايدن، في نهاية شهر يوليو، أحد أقرب مستشاريه إلى العاصمة السعودية لمناقشة الموضوع، لكن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، قال إن “الطريق لا يزال طويلا” لإقامة علاقات بين البلدين.
شروط السعودية تعكس مركز قوى بالتفاوض
وبالعودة إلى ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، نجد تفاصيل الشروط التي تحدثت عنها السعودية، والتي تعكس مركز قوة على الطاولة، حيث أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنّه جرى الاتفاق بين واشنطن والرياض على الخطوط العريضة للاتفاق لكن لا تزال هناك قضايا مهمة يستغرق حلها وقتًا، وأضافت أنّ السعودية ستطالب إسرائيل بـ”تنازلات كبيرة” في الموضوع الفلسطيني، من دون ذكر تفاصيل حولها.
وتابعت، بأن الولايات المتحدة ستمنح ضمانات للسعودية بخصوص خطوات تجاه الفلسطينيين مقابل حصول السعودية على مساعدات أميركية في المجال النووي المدني، وهو ما تعارضه إسرائيل، وقد عبّر المسؤولون الأميركيون الذين تحدثوا للصحيفة عن “تفاؤل حذر”، ونقلوا عن ولي العهد السعودية محمد بن سلمان قوله لمستشاريه إنّه “ليس مستعداً لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل” على غرار ما فعلت الإمارات العربية المتحدة.
تفاصيل مطالب القضية الفلسطينية
توماس فريدمان، كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز، كتب بعد اجتماعه مع بايدن منذ عدة أيام، عن أن المطالب السعودية من إسرائيل يمكن أن تشمل وقف التوسع الاستيطاني، وتعهدا بعدم ضم الضفة الغربية، التي يريد الفلسطينيون أن تكون قلب دولة مستقبلية، لكن إسرائيل تحتلها منذ عام 1967، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة الـBBC البريطانية، فيما كشف المستشار الإسرائيلي هنغبي في مقابلة مع هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية، أن الاتفاق الكامل بين السعودية وإسرائيل ليس قيد المناقشة، لكن كانت هناك “مفاجأة إيجابية قبل بضعة أشهر عندما قال البيت الأبيض إنه يبذل جهودا للتوصل إلى اتفاق مع السعوديين.
وردا على سؤال حول التنازلات الإسرائيلية المحتملة، قال إن إسرائيل لن تقبل “بأي شيء يقوض أمنها”، ولكنه قال إن بلاده لن تقلق من احتمال تطوير السعودية قدرات نووية مدنية، وقال شخصان مطلعان على المناقشات إن هناك أملًا في إمكانية التوصل إلى اتفاق هذا العام، قبل أن تنشغل إدارة بايدن بالحملة الانتخابية.
السعودية لا تتعجل
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال “عن مسؤولين سعوديين قولهم إن الملك بن سلمان “لا يتعجل” للتوصل إلى اتفاق كهذا، بسبب طبيعة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والتي تعارض قيام دولة فلسطينية مستقلة، بينما السعودية ستطالب في أي اتفاق مستقبلي بـ”تسويات كبيرة” بكل ما يتعلق بالفلسطينيين والتمكن من إقامة دولة فلسطينية، وقد كان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بنفرحان، قال في يناير الماضي، إنّ “الاتفاق على إقامة دولة فلسطينية سيكون شرطاً مسبقاً للسعودية لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل”.
وذكرت الصحيفة، أن السعوديين يحاولون الحصول على تنازلات من إسرائيل، من شأنها أن تساعد فيدفع عجلة الإعلان عن إقامة دولة فلسطينية، فيما أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في الأول من شهر أغسطس عن أمله في تطبيع العلاقات مع السعودية قبل مارس 2024، مؤكداً أنه طلب من الرياض الموافقة على تدشين رحلات جوية مباشرة من تل أبيب إلى مدينة مكة المكرمة.
الصراع مع الصين حاضر في المفاوضات
ويبدوا أن الاتفاق مع السعودية له أعاد أخرى لدى واشنطن غير العلاقات مع إسرائيل، فقد أشارت مصادر الصحيفة الأمريكية إلى الأمل في أن يكون بدء العمل على أدق التفاصيل المتعلقة بالاتفاق خلال الأشهر 9 إلى 12 القادمة”، وكذلك لافتة إلى واشنطن تحاول حمل الرياض على تقييد علاقاتها المتنامية مع الصين، ويمكن أن تطالب الولايات المتحدة السعودية في هذا الجانب، بعدم السماح للصين ببناء قواعد عسكرية على أراضي المملكة، أو الحد من استخدام التكنولوجيا الصينية أو التعامل بالدولار، وليس باليوان الصيني في صفقات النفط.
وفي الأثناء، يقول المسؤولون الأمريكيون إن الرئيس، جو بايدن، لم يقرر بعد حجم الثمن الذي يرغب فيدفعه، في حين أن تركيزه المنصب على عقد هذه الصفقة يمثل انعكاسا لوجهة نظره التي تقول إن الولايات المتحدة يجب أن تظل لاعبا مركزيا في الشرق الأوسط من أجل “احتواء إيران وعزل روسيا بسبب ما يجري في أوكرانيا، وإحباط جهود الصين الرامية لشغل موقع مصالح واشنطن في المنطقة، وفي مقابل تنازلات أمريكية كبيرة للسعودية، تحاول إدارة بايدن الحصول على تأكيدات من الرياض بأنها ستنأى بنفسها اقتصاديا وعسكريا عن الصين، بحسب المسؤولين الأمريكيين.