يواجه الاقتصاد المصري عددا من التحديات الأكثر صعوبة في تاريخ الدولة خصوصا مع استمرار دائرة الصراع الجيوسياسي الذي تعاني منه المنطقة، الأمر الذي دفع الحكومة لاتخاذ عددا من الاجراءات التي تتواكب مع خطورة الوضع الراهن خصوصا اعلان تحرير سعر الصرف الأجنبي والمعروف اعلاميا بـ” التعويم” وما تلاه من رفع سعر الفائدة علي المعاملات المصرفية بواقع 6% تلك النسبة الأعلي في تاريخ البنك المركزي ، والذي تم يوم الأربعاء الماضي.
الإجراءات التي قام بها البنك المركزي جاءت بتنسيق وتوجيه مباشر من القيادة السياسية بعدم الإضرار بمحدودي الدخل والطبقات التي قد تتأثر من تلك السياسات؛ خصوصا مع قدوم شهر رمضان المعظم المقرر بدايته خلال يومين.
تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة رقم 39 التي تم اطلاقها اليوم؛ اتسمت بالصراحة المطلقة والشفافية ووضع الأمور أمام الشعب المصري باعتباره له من الحقوق في معرفة ما يجرى على أرض الواقع؛ إذ اعترف الرئيس بمعارضته لكافة الحلول التي قدمتها سلطات النقد في مصر الممثلة في البنك المركزي والمجموعة الاقتصادية؛ لانقاذ الوضع الراهن ومنع تأزم الأوضاع في ظل توحش المضاربون والمتعاملون مع الأسواق الموازية مستغلين الظروف الاقليمية والعالمية الراهنة والتي اثرت بصورة كبيرة علي مصادر النقد الأجنبي للبلاد.
تدخلات الرئيس لإنقاذ الاقتصاد القومي والتي جاءت في التوقيت الصحيح والمناسب علي الرغم من الضغوط التي كانت تتعرض لها مصر منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية وصولا بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما تلاه من نقص مصادر النقد الأجنبي خصوصا من قطاعات السياحة وتأثر عوائد قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين بالخارج وعدم قدرة الجهاز المصرفي على تدبير احتياجات المستوردين من العملة الصعبة وهو ما اتاح بيئة خصبة لدى المضاربين في العملة الأجنبية والسوق السوداء في ارتفاع سعر الصرف الأجنبي بمعدلات تجاوزت 100 – 150% من قيمتها الحقيقية داخل الجهاز المصرفي.
حسبما قال الرئيس إن قرار تحرير سعر الصرف ما كان ليتم لولا اتخاذ اجراءات التحوط وتدبير موارد من النقد الأجنبي لتأمين السوق ومنع تأثر الاقتصاد القومي و السيولة في الجهاز المصرفي .
الفترات الماضية شهدت معدلات التضخم ارتفاعا إلي أكثر من 34% وفقا لبيانات البنك المركزي الصادرة عن العام الماضي؛ وصولا لنقص التمويل من النقد الأجنبي والذي وصل لما يقارب من 42 مليار دولار حسبما قالت المؤسسات التمويلية الدولية و تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بخلاف ارتفاع سعر الصرف الأجنبي في السوق الموازي ليقترب من 75 جنيه وهو ما يعني استمرار تراجع القوة الشرائية للعملة المحلية ونقص عدد كبير من السلع والخدمات أبرزها الأدوية و بعض مستلزمات الانتاج وهو ما يعني استمرار تأثر المصانع وقوي الانتاج وزيادة معدلات البطالة في البلاد مما ينتج عنه عدم قدرة الدولة علي تحقيق معدلات نمو في الناتج المحلي الاجمالي و كذا التأثيرعلي دوران الاقتصاد القومي بصورته الطبيعية.
في حال عدم تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي لمنع تنفيذ قرار التعويم قبل 10 شهور كان سيكون لها اثار سلبية علي الاقتصاد القومي ومن ثم التأثير على المواطنين خصوصا الفئات الأقل دخلا و بالتالي سيؤثر علي بيئة الاستثمار و الاعمال داخل مصر لعدم قدرة الجهاز المصرفي علي تدبير المصادر الدولارية لمواجهة ارتفاع سعر العملة داخل الاقتصاد الرسمي لأنها من حيث الاساس غير موجودة او متوافرة في البنوك وبالتالي قد يؤدي إلي ما لا يحمد عقباه علي المستويين الاقتصادي والاجتماعي داخل الدولة.
سيكون للاقتصاد تأثير سلبي وسمعة أكثر سوءا أمام الاقتصاديات الأخري وكذلك مؤسسات التصنيف الائتماني والتمويل الدولية والتي من شأنها ستضع اقتصادنا في تقييم سيئ وغير قادر علي طلبات المستثمرين باعتباره اقتصادا غير مستقر أو محفز للاستثمار أو غير موثوق فيه وبالتالي سيؤثر جدارتنا وثقتنا الائتمانية.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد صارح المصريين من خلال مشاركته في فعاليات الندوة التثقيفية الـ39 للقوات المسلحة، بمناسبة الاحتفال بيوم الشهيد، قائلا أنه «منذ 10 أشهر كنت أتحدث عن التعويم، وقلت إني هقف قدام هذا الأمر لأنه بيمس الأمن القومي المصري، وكان تقديرنا الاقتصادي وقتها أننا لا نستطيع عمل ذلك بدون أن يكون لدينا رقم معتبر من الأموال التي تمكنا من تنظيم السوق»
قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إنه رفض فكرة تحرير سعر الصرف إلا في وجود احتياطي كبير من الدولار.
وأشار الرئيس السيسي، إلى أن هناك تدفقات نقدية كبيرة ستدعم سوق الصرف في مصر، مشيرًا إلى أن منها ما سيأتي من صفقة رأس الحكمة، واتفاق صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي.
وتابع: «لما الناس جابت البضائع وسعرتها أن الدولار وصل لـ70 و80 جنيهًا، أنا معاتبتش حد، ولا عملت إجراء حاد ضد حد، وقولت للحكومة حاولوا تنظموا الموضوع من خلال أجهزة الدولة المختلفة»، مضيفًا: «في ظل الأزمة التي نشهدها، مينفعش نأخذ إجراءات ممكن تعقد الأمر أكثر من اللازم، ولكن نحل المسألة ونتعب كلنا شويه”.