“إنها المأساة الإنسانية الأكبر كارثية منذ 75 عاما” .. هكذا كانت خلاصة تقرير نشرته صحيفة npr الأمريكية، عن الأوضاع غير المسبوقة التي يشهدها الوضع الإنساني لسكان قطاع غزة، وذلك في ظل الجرائم الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 60 يوما بحق الشعب الفلسطيني، حيث الحرب بشعار قتل كل شيء حى داخل هذا الشريط المستطيل من أرض فلسطين، ونقل تقرير الصحيفة الأمريكية خلاصة التقارير الأممية عن الأوضاع الغير مسبوقة لكافة أشكال الاحتياجات الإنسانية، والعجز الشديد الذي يهدد بمجاعة كبرى في الأيام المقبلة.
ورغم أن تقديم المساعدات في منطقة الحرب أمر صعب دائمًا، ولكنه في غزة، يبدو الأمر أكثر صعوبة، حيث تُدعى منظمات الإغاثة الدولية بشكل دوري إلى توفير الغذاء والماء والدواء وغيرها من الإمدادات الحيوية للأشخاص المحاصرين في مناطق الحرب، ولكن إيصال هذه المساعدات الحيوية إلى السكان الهاربين وتحت إطلاق النار يمثل تحديات هائلة، كما تقول المنظمات الإنسانية، ويثبت الوضع في غزة أنه صعب بشكل خاص.
الأكثر كارثية منذ 75 عاما
وبحسب الصحيفة الأمريكية، تقول جولييت توما، المتحدثة باسم الأونروا، وكالة الأمم المتحدة للإغاثة التي تساعد الفلسطينيين، إننا نتعرض لانتقادات شديدة من اليسار واليمين والوسط، رغم أننا أمام وضع إنساني غير مسبوق منذ 75 عاما، وتتابع: “هذا يختلف تماما عن أي صراع أو حرب أخرى كان علينا إدارتها، فهذه أكبر عملية استجابة إنسانية في تاريخ الأونروا الممتد لحوالي 75 عاما”.
ووفقاً لوزارة الصحة في غزة، فقد قُتل ما لا يقل عن 17.000 فلسطيني وأصيب أكثر من 46.000 آخرين في الحملة الهمجية الجوية والبرية الإسرائيلية على سكان القطاع، وتقول وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وأطباء بلا حدود، إنها تكافح من أجل تلبية احتياجات سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وقد شرد القتال 85% منهم، وهنا بول شبيغل، مدير مركز الصحة الإنسانية في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، هو طبيب وعالم أوبئة قضى عقودا من الزمن يعمل في بلدان مزقتها الحروب مثل أفغانستان وأوكرانيا. ويقول إنه في غزة “هناك العديد من الجوانب الفريدة للوضع، مما يجعل الأمر صعبا للغاية”.
وفيما يلي نظرة على بعض تلك العوائق:
نعم إدخال ما يكفي من المساعدات لغزة أصبح أمر مستحيل
في عقاب جماعي وجريمة حرب، قررت إسرائيل إغلاق جميع نقاط الدخول إلى غزة باستثناء نقطة واحدة، حيث أصبح معبر رفح ، على طول الحدود مع مصر، هو الآن الطريق الوحيد لدخول قوافل المساعدات، وخلال فترة توقف القتال لمدة أسبوع، كانت نحو 200 شاحنة مساعدات تعبر يومياً معبر رفح، وهو عدد أقل بكثير مما يقول خبراء الإغاثة إنه مطلوب، ومع ذلك، منذ استئناف القتال، انخفض عدد المركبات المحملة بإمدادات الإغاثة التي تصل.
ويقول شبيغل، الموجود حالياً في القاهرة ويعمل مع منظمات الإغاثة الدولية، إن عدداً قليلاً جداً من المركبات يمر عبرها – “ربما 100 سيارة في اليوم، وأحياناً لا شيء”، فيما يقول توما إنه منذ انتهاء وقف إطلاق النار في الأول من ديسمبر: “شهدنا انخفاضًا كبيرًا في تدفق المساعدات الإنسانية القادمة إلى غزة، فانخفاض المساعدات التي تصل إلى الفلسطينيين في غزة يرجع إلى القتال العنيف، مما يعني إعاقة التوزيع بالتزامن مع القوافل الصغيرة التي لا تكفي لتجديد مخزون المساعدات، فمنذ اندلاع الحرب، فرضت إسرائيل قيودا على شحنات الوقود التي تقول إنها قد تقع في أيدي حماس، وبدون الوقود، لن تتمكن المولدات اللازمة لتوليد الكهرباء من العمل – وهي حقيقة شلت النظام الصحي في غزة.
عدد هائل من النازحين يتحرك
بحسب ما قاله أحمد محمد شنان، وهو من جباليا في شمال غزة، لإذاعة NPR إنه هربًا من القتال في الشمال في الأسابيع الأولى من الحرب، توجه جنوبًا إلى خان يونس، ثاني أكبر مدينة في غزة، وعندما أصبحت تلك المدينة محور القتال في الأيام الأخيرة، جاء شنان إلى رفح، ويقول: “لقد أحضرونا إلى هنا حيث لا يوجد طعام أو شراب، إنهم يوزعون الطعام، لكنه ليس كافيا”، فيما تقول توما إنه قبل الحرب، خططت الأونروا، التي كانت تدير عشرات المدارس في غزة، لإنشاء 50 ملجأ لإيواء 150 ألف شخص بشكل مؤقت في حالة نشوب صراع، ولكن الآن، يعيش أكثر من نصف إجمالي سكان غزة، 1.2 مليون نسمة، في 150 ملجأ تديره الوكالة، فمعظم الناس محشورون في حوالي ربع المنطقة، أي أقل من 40 ميلاً مربعاً.
وتتابع المتحدثة باسم الأونروا: “لذا فإن فرقنا ممتدة إلى أقصى الحدود، وقد استنفدت قدراتنا، فإننا مرهقون، وهذا العدد يزيد بسبعة أو ثمانية أضعاف الأشخاص عما خططنا لاستيعابه وثلاثة أضعاف عدد المرافق”، وهذا الحديث يعكسه ما قاله نوفوز شعبان الغوف، من رفح بعد وصوله من منطقة خان يونس، لإذاعة NPR، حيث أكد أنه طُلب منه التحرك جنوبًا بسبب شدة القصف، وفي خان يونس، كان يقيم هو وأبناؤه وأحفاده في إحدى المدارس، والآن يعيش في خيمة في رفح، والناس أصبحوا يائسين لدرجة أنهم يلجؤون إلى السرقة، ويشكو من الازدحام، فالناس يسرقون من الجوع، والمكان الذي يقيم فيه مزدحم للغاية لدرجة أنه لا يمكنك المشي من ازدحام الخيام.
أكذوبة المناطق الآمنة
ومع تكدس الكثير من سكان غزة الآن في أقصى ربع جنوب القطاع، هناك أيضًا نقص في المساحة الإنسانية، كما يقول شبيجل، ويوضح أن الوضع أصبح أسوأ بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل، الذي أدى إلى تدمير قطاعات كاملة من المراكز الحضرية في غزة، ومع زيادة الضغط على المدنيين بسبب العمليات القتالية، ادعى الجيش الإسرائيلي عن هناك مناطق آمنة حيث يقول إن الناس يمكنهم اللجوء إليها هربًا من القتال، ولكن الواقع أثبت أن تلك كذبة كبرى، وجماعات الإغاثة الدولية تقول إن هذه المناطق غير كافية، فبدلاً من ذلك، تسبب القتال في “نزوح مستمر للناس مع عدم وجود مناطق آمنة، كما يقول شبيغل، وربما يكون العنصر الأكثر تميزًا هو عدم وجود صمام خروج”.
وتقول شبيغل إنه مع وجود القتال في الشمال، وإسرائيل إلى الشرق، والبحر الأبيض المتوسط إلى الغرب، وحدود مصر المغلقة مع غزة في الجنوب، ليس لدى الناس مكان يذهبون إليه، وتابع : “هناك هذا القتال العنيف والقصف الهائل في منطقة صغيرة محصورة، ولا يوجد مكان للناس للتحرك والفرار ولاستجابة المنظمات الإنسانية”
الإغاثة وعمالها هدف دائم للطائرات والقصف الإسرائيلي
وفي حادثين وقعا الشهر الماضي، تعرضت منظمة أطباء بلا حدود لإطلاق نار إسرائيلي مباشر مرتين في غضون أيام، كما يقول رئيس عمليات المجموعة، ميشيل لاشاريتيه، وفي 18 نوفمبر، قال لاشاريتيه إن الأفراد الذين كانوا يعرضون شعار منظمة أطباء بلا حدود – وهو اختصار لاسم المجموعة الفرنسي – على أغطية المركبات وظهرها وأبوابها “واجهوا دبابة إسرائيلية وجهاً لوجه، وأطلق جندي النار عليهم”.
وحاولت إسرائيل تبرير الحادث، وقالت أن الجيش الإسرائيلي لم يتصد لهجمات منظمة أطباء بلا حدود بشكل مباشر، لكنه قال إنه “يدرك أهمية الحماية الخاصة الممنوحة للفرق الطبية بموجب القانون الإنساني الدولي ويتخذ الإجراءات اللازمة لمنع إلحاق الضرر بها”، ولكن الواقع يعكس عكس ذلك، وتقول توما من الأونروا إن هناك “عددا من منشآتنا تعرضت للقصف، وأحيانا أكثر من مرة، بشكل مباشر وبشكل غير مباشر”، وتكشف أن مرافق الأونروا تعرضت للقصف 126 مرة منذ بدء الحرب في غزة.