هل الإكثار من ذكر الله بأعـداد تزيد على ما ورد في السنة بدعة أو حرام ؟ سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر.
حكم الإكثار من ذكر الله بأعـداد تزيد على ما ورد في السنة
وقال علي جمعة: الإكثار من ذكر الله بأعداد تزيد على ما ورد في السنة مستحب، بل هو مأمور به صراحة في كتاب الله العزيز، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾، وامتدح الله المطبقين لهذا الأمر، فقال تعالى :﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾، وقال تعالى : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾، وقال سبحانه : ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾، بل عد ربنا ذكر الله قليلاً من سمات المنافقين، فذمهم بهذا الوصف، فقال تعالى : ﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾.
وقال النبي صلي الله عليه وسلم : « سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات »، وقال صلي الله عليه وسلم : « لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله ». وقال صلي الله عليه وسلم : «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة, ومحيت عنه مائة سيئة… إلى أن قال صلي الله عليه وسلم : « ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه».
كل هذه الآيات والأحاديث تؤكد أنه لا حد لذكر الله، وأن الشرع الشريف فتح باب الذكر والإكثار منه بأي أعداد، وأن من ذكر الله بعدد أكبر مما ورد في السنة أفضل ممن اقتصر على ما ورد كما قال صلي الله عليه وسلم : « ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه»، فذكر الله مستحب والإكثار منه من باب الإكثار من المستحب، وبذكر الله تحيى القلوب، وبتركه تموت القلوب.
ومما سبق عرضه من الأدلة فيجوز للإنسان أن يذكر الله بأي أعداد يرتبها ورد لنفسه، أو يرتبها له شيخ بصير، نسأل الله أن يحيي قلوبنا بذكره دائمًا آمين
طلب الاستغفار من الرسول هل يجوز بعد رحيله؟
هل قول الله تعالى : ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ ( ). باق إلى يوم القيامــــة أو أنه انتهى بانتقـــــال النبي؟ سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، موضحا أن الآية التي أنزلها الله على نبيه صلي الله عليه وسلم في سورة النساء : ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾، آية مطلقة ليس لها مقيد نصي ولا عقلي، فليس هناك ما يقيد معناها بحياة النبي صلي الله عليه وسلم الدنيوية، فهي باقية إلى يوم القيامة.
وتابع: العبرة بالقرآن دائمًا بعموم اللفظ وليست بخصوص السبب، ومن زعم تخصيص تلك الآية بحياته صلي الله عليه وسلم أو تخصيصها به فعليه أن يأتي بالدليل، فالإطلاق لا يحتاج إلى دليل؛ لأنه الأصل والتقييد هو الذي يحتاج للدليل.
وأوضح: هذا ما فهمه المفسرون، بل أكثر المفسرين التزامًا بالأثر كالحافظ ابن كثير رحمه الله، فقد ذكر الآية وعقب عليها بقوله : «وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو النصر الصباغ في كتابه الشامل هذه القصة المشهورة عن العتبي قال : « كنت جالسًا عند روضة النبي صلي الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول : ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾، وقد جئتك مستغفرًا لذنبي مستشفعًا بك إلى ربي ثم أخذ يقول :
يا خير من دفـــــــنت بالقاع أعظمـــــــــه
** فطاب من طيبــــــهن القـــــــــاع والأكم
نفسي الفـــــــــداء لقبر أنت ساكنـــــــــه
**فيــه العفاف وفيه الجـــــــــود والكرم
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلي الله عليه وسلم في النوم فقال : يا عتبي الحق الأعرابي فبشره بأن الله قد غفر له. وروى القصة كذلك البيهقي.
وأكمل: هذا لا يعني أننا نستدل بالرؤيا، ولكننا نستدل بعدم اعتراض الإمام ابن كثير على القصة التي ساقها في تعرضه لتفسير تلك الآية، وما ذكره من إقرار العتبي للأعرابي في فعله وعدم الإنكار عليه بطلب الاستغفار من النبي صلي الله عليه وسلم بعد انتقاله الشريف صلي الله عليه وسلم.
وقد استدل بتلك الآية أغلب الفقهاء على استحباب زيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم، كما استحبوا قراءتها أثناء زيارة روضته الشريفة صلي الله عليه وسلم، فذهب الحنفية إلى استحباب قراءة الآية عند قبره الشريف؛ ففي الفتاوى الهندية في آداب زيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم ما نصه : «ثم يقف عند رأسه صلي الله عليه وسلم كالأول ويقول : اللهم إنك قلت وقولك الحق ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ ﴾».
ومن مذهب المالكية يقول ابن الحاج العبدري : « من زاره ويلجأ إلى الله تعالى بشفاعة نبيه عليه الصلاة والسلام من لم يزره، اللهم لا تحرمنا من شفاعته بحرمته عندك آمين يا رب العالمين. ومن اعتقد خلاف هذا فهو المحروم ألم يسمع قول الله عز وجل : ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾، فمن جاءه ووقف ببابه وتوسل به وجد الله توابا رحيما; لأن الله عز وجل منزه عن خلف الميعاد, وقد وعد سبحانه وتعالى بالتوبة لمن جاءه ووقف ببابه وسأله واستغفر ربه, فهذا لا يشك فيه ولا يرتاب إلا جاحد للدين معاند لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم نعوذ بالله من الحرمان».
وقال إمام الشافعية الإمام النووي في بيانه لآداب زيارة النبي صلي الله عليه وسلم : «ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم ويتوسل به في حق نفسه, ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى, ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب، وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال : «كنت جالسا عند قبر رسول الله صلي الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾، وقد جئتك مستغفرًا من ذنبي مستشفعًا بك إلى ربي…»، ثم ذكر القصة التي أوردها ابن كثير.
وفي مذهب الحنابلة يرشد الإمام ابن قدامة إلى تلاوة تلك الآية ومخاطبة النبي صلي الله عليه وسلم بها وطلب الاستغفار منه صلي الله عليه وسلم في آداب زيارة قبره الشريف؛ حيث قال ما نصه : «ثم تأتي القبر فتولي ظهرك القبلة, وتستقبل وسطه, وتقول : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام عليك يا نبي الله, وخيرته من خلقه وعباده, أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك, ونصحت لأمتك, ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة, وعبدت الله حتى أتاك اليقين, فصلى الله عليك كثيرًا, كما يحب ربنا ويرضى, اللهم اجز عنا نبينا أفضل ما جزيت أحدًا من النبيين والمرسلين, وابعثه المقام المحمود الذي وعدته, يغبطه به الأولون والآخرون, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم, إنك حميد مجيد , وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم, إنك حميد مجيد, اللهم إنك قلت وقولك الحق : ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾. وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي , مستشفعًا بك إلى ربي, فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة, كما أوجبتها لمن أتاه في حياته, اللهم اجعله أول الشافعين, وأنجح السائلين, وأكرم الآخرين والأولين, برحمتك يا أرحم الراحمين. ثم يدعو لوالديه ولإخوانه وللمسلمين أجمعين ».
وصرح العلامة الرحيباني من الحنابلة باستحباب قراءة الآية عند قبره الشريف أثناء الزيارة حيث قال في إرشاده لخير ما يقال أثناء الزيارة ما نصه : « اللهم اجز عنا نبينا أفضل ما جزيت أحدًا من النبيين والمرسلين, وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته يغبطه به الأولون والآخرون, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد, اللهم إنك قلت وقولك الحق : ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي مستشفعًا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته, اللهم اجعله أول الشافعين, وأنجح السائلين, وأكرم الأولين والآخرين برحمتك يا أرحم الراحمين. ثم يدعو لوالديه وإخوانه وللمسلمين أجمعين».
مما سبق نعلم أن جميع المذاهب يستحبون قراءة تلك الآية عند الروضة الشريفة، ويعتقدون أنها باقية، وهو ما عليه أمة الإسلام سلفًا وخلفًا، ولا عبرة لمن شذ منها عن ذلك الفهم، فاستغفار النبي صلي الله عليه وسلم بعد وفاته لا يمنعه عقل ولا نقل، وقد صح أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله، وما رأيت من شر استغفرت لكم ».