لاشك أن الحج أحد أركان الإسلام الخمسة لمن استطاع إليه سبيلاً، فهنيئًا لمن قدر الله تعالى له أداء هذا الركن ، الذي يطهره من كل ذنوبه كيوم ولدته أمه، إلا أن هناك خطأ في الحج يضيع أجره وثوابه بل ويجعل الحاج ممن تُسعر بهم النار قد يقع فيه الكثيرون ، وحيث إنه لا يمكن لعاقل التفريط في فضل وثواب الحج بأي حال من الأحوال وأيًا كانت الأسباب، من هنا تنبع أهمية معرفة واجتناب هذا الفعل الذي يعد خطأ في الحج يضيع أجره وثوابه .
خطأ في الحج
قال الشيخ عويضة عثمان، مدير إدارة الفتوى الشفوية بدار الإفتاء، إن هناك خطأ في الحج كبيرًا يقع فيه بعض الناس عند التأهب للحج، مشيرًا إلى أن هذا الخطأ من شأنه أن يُضيع أجر الحاج، وقد يجعله ممن تُسعر بهم جهنم.
وأوضح «عويضة» هذا الفعل الذي يعد خطأ في الحج يضيع ثوابه ، أن أول خطأ يقع فيه بعض الناس عند التأهب للحج، هو النظر إلى الناس وما يقولونه، وعدم النظر إلى الله سبحانه وتعالى، مؤكدًا أنه لابد أن يذهب الإنسان وهو راغب ومحب ومتشوق لزيارة البيت، ولأن يغفر الله له ذنبه، ولأن يعود مغسولًا من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
وشدد على أنه لابد أن تكون وجهة المُسلم إلى الله تبارك وتعالى أولًا وأخيرًا، ولا يسعى للحصول على لقب حاج والتباهي به، منوهًا بأنها أول مصيبة يقع فيها الحاج، وليتذكر حديث أول من تسعر بهم جهنم ثلاثة، قارئ ليُقال قارئ ورجل قاتل ليُقال شجاع وآخر أنفق ماله ليُقال جواد.
واستشهد بقول رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ أَوّلَ النّاسِ يُقْضَىَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتّىَ اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ.
وتابع: وَرَجُلٌ تَعَلّمَ العِلْمَ وَعَلّمَهُ وَقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمْتُ العِلْمَ وَعَلّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلََكِنّكَ تَعَلّمْتَ العِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِىءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ.
وأكمل: وَرَجُلٌ وَسّعَ الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلاّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلََكِنّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ، ثُمّ أُلْقِيَ فِي النّارِ».
وأشار «مدير إدارة الفتوى» إلى أن تزيين البيوت والرسم عليها وكتابة حج مبرور وذنب مغفور، تعبيرًا عن الفرحة لاستقبال الحاج، بينه وبين النظر للناس شعرة، موضحًا أن هذا يكون من قبيل التعبير عن الفرح لا النظر إلى الناس، فهو يريد أن يبدأ حياة جديدة مزينة بالطاعة، وهنا الشعرة الفاصلة بين أنه يريد أن يعرف الناس أنه صار حاجًا، أم أنه فرح بما يسر له الله من حج.
الحج
يعد الحج من أجَلِّ العبادات وأفضِلها، وأرفعِ الطاعاتِ وأحْفَلِها، وكَفاهُ أنه مُكَفِّرٌ للذنوبِ وجزاؤهُ الجنة، قال النبيُّ صل الله عليه وسلم: (من حج لله فلم يرفُث ولم يَفسُق رجع كيوم ولدتُه أُمُّه) وقال عليه الصلاة والسلام: (الحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) أخرجهما البخاريُّ ومسلم.
وقد أخرج مسلم أنه سُئل عليه الصلاةُ والسلام: (أيُّ العملِ أفضل؟) فقال: (إيمانٌ بالله ورسوله) قيل: ثم ماذا؟ قال: (الجهادُ في سبيل الله) قيل: ثم ماذا؟ قال: (حجٌ مبرور) ، والحجُّ المبرورُ هو الذي وُفِّيَتْ أحكامُهُ ولا معصيةَ فيه، ومَن تَلَمَّحَ العباداتِ بعين التَّفَهُّمِ عَلِمَ أنها مُلازَمَةُ رَسْمٍ يَدُلُّ على باطنٍ مقصودُهُ تزكيةُ النَّفْس، وإصلاحُ القلب، وتعليقُه بالرب، والحجُّ واحدٌ منها؛ فإنه مَملوءٌ بالدروس الرائعة، والحِكم النافعة، إلا أنَّ فِئامًا من الناس قد غاب عنهم ذلك، فأمْسَكوا الظواهر، وضيَّعوا الجواهر! ، وإنَّ أهَمَّ دُروسِ الحجِ وحِكَمِه: تحقيقُ التوحيدِ وتجريدُهُ لله تعالى، فالبيتُ الحرامُ قد أُقيم على التوحيد، وأُسِّس على الهُدى، بَناه أبو الأنبياء، وإمامُ الحُنفاء إبراهيمُ عليه السلام، وأُمِر في ذلك ألا يُشركَ بالله، بأن يُخلِصَ لله عملَه، ويُقيمَ البيتَ على اسم الله.
و قال سبحانه ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) وكان يدعو حين بنائه قائلا: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)، لافتًا إلى أن أعمال الحجِّ ووظائفُهُ مَبْنيةٌ على التوحيد، مُرَسِّخةٌ له، ذُلاً لله وخُضوعا، وتوكُّلاً عليه وخُشوعا، وإفرادًا له سبحانه بالعبادة دون مَن سواه، فالمسلمُ لا يتوجه إلا إلى الله وحدَه، لا يجوزُ له أن يدعوَ غيرَه أو يتوسلَ به، أو يُنزِل به حوائجَه، أو يصرفَ عملاً ظاهرًا أو باطنًا لغير مولاهُ عزوجل، مشيرًا إلى أن في الحج تخليةٌ للنفس من الرذائل، وتربيةٌ لها على الفضائل، تربيةٌ على التقوى، وترويضٌ على الطاعة، وتنشئة على حُسْنِ التعامُلِ وجميلِ الأخلاق ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ).
و يتجلَّى في الحج مَشهَدُ الوَحدةِ الإسلامية، والأُخوةِ الإيمانية، وذاك أَمْرُ ربِّنا تعالى بقوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ونبيه صلى الله عليه وسلم هو القائلُ في حَجة الوداع ( إن ربَّكم واحد، وأباكم واحد، ألا لا فضلَ لعربي على عَجَمي، ولا لعَجَمي على عربي، ولا لأسودَ على أحمر، ولا لأحمرَ على أسودَ إلا بالتقوى) أخرجه الإمامُ أحمد.