ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات المساعد بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول “مصر قلب العروبة النابض”.
وأكد د. ربيع الغفير، أن من أعظم نعم الله على الإنسان أن يكون له وطن يأوي إليه ويستظل بظله ويتفيؤ ظلاله ويأمن فيه على نفسه، فنعمة الوطن الآمن المستقر والمحفوظ، من أعظم النعم نعمة الوطن، ولقد تحدث القرآن الكريم عن هذه القضية حديث دقيق، فالوطن ليس قضية سياسية بل قضية إيمانية،قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾، فالإقتران بين قتل النفس وخروج الإنسان من وطنه يدل على أن الوطن لا يقل أهمية عن خروج الروح من النفس.
وبيّن خطيب الجامع الأزهر، أن السنة النبوية المشرفة جاءت لتؤكد ذلك قولاً وعملاً، فالحفاظ على الوطن وعلى مقدراته جزء لا يتجزأ من شريعة الله عزّ وجلَّ ومن صلب هذا الدين، فالنبي ﷺ وضح لنا ذلك حين وقف على ربوع مكة وهو يودعها باكياً قال ﷺ ﴿والله إنى لأخرج منك، وإنى لأعلم أنك أحب أرض الله إلى الله، وأكرمها على الله.. ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت﴾ وبعد أن سافر وهاجر إلى المدينة المنورة، وقف على بابها داعياً قائلاً: “اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة، أو أشد!”، ودارت الأيام وتعاقبت السنون ولم يستطع ﷺ أن ينسى مكة أو أن تخف وطأة الألم على قلبه كلما تذكرها. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ أُصَيْلا الْغِفَارِيَّ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ فَقَالَ: “يَا أُصَيْلُ كَيْفَ عَهِدْتَ مَكَّةَ” فَقَالَ عَهِدْتُهَا وَاللَّهِ قَدْ أَخْصَبَ جِنَابُهَا وَأَعْذَقَ إِذْخِرُهَا وَأَسْلَبَ ثُمَامُهَا وَأَمَشَّ سَلَمُهَا فَقَالَ: “حَسْبُكَ يَا أُصَيْلُ”.
وتابع أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر: إن قضية الوطن والإنتماء إليه والولاء له والحفاظ عليه قضية دينية فى المقام الأول، فهى فطرة إنسانية عند أصحاب النفوس السوية. كان كثير من العرب إذا اضطروا إلى الهجرة من أوطانهم يحملون معهم شيئاً من تراب أوطانهم ليستأنسوا به فى غربتهم، فالوطن نعمة عظمى، وطوبى لمن كان له وطن، والحفاظ على هذا الوطن وعلى كل من يعيش على أرضه واجب مقدس.
وأشار د. ربيع الغفير، إلى أن مصر درة التاريخ وتاج الدهر وكنانة الله فى الارض، وقلب العروبة النابض تحمل هموم الأمة العربية بأكملها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فمصر لها دور ريادي تضيف به حلقة من حلقات التاريخ المشرق، وسيظل التاريخ يذكر وقوف مصر قيادةً وحكومةً وشعباً مع أهل غزة فى المساعدات التى تصل إليهم، وأن أكثر من ٧٠٪ من هذه المساعدات تأتي من مصر.
وأوضح أننا نحن المصريون علينا واجب كبير وعبء ثقيل تجاه هذا الوطن والحفاظ عليه والتضامن والتضافر فى رفعته وخدمته وسلامة أراضيه، فيجب على كل فرد منا أيا كان موقعه أن يؤدى دوره تجاه هذا الوطن لأننا مسئولون عنه يوم القيامة، فهى بلد يحبه الله ورسوله، ذكر اسمها فى القرآن الكريم خمس مرات صريحة وأكثر من عشرين مرة تلميحاً، وهذا ليس من فراغ فقد أوصى بها النبى ﷺ حين قال: (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض، قال أبو بكر لم يا رسول الله؟ قال لأنهم و أزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة).
وتابع: فمصر ليست بلد عادى، بل لها دور تقوم به منذ الآف السنين حين كانت قبلة للخائفين والمظلومين والمضهدين فى كل العصور، دفن في ثراها الطاهر المئات من صحابة رسول الله ﷺ، ومر بها عدد كبير من أنبياء الله وأولياؤه الصالحين، والسيدة زينب التى دفنت فى ثرى مصر الطاهر وقفت ودعت لمصر قائلة: “يا أهل مصر، نصرتمونا نصركم الله وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، جعل الله لكم من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً”. لتبقى بذلك مصر درة خفاقة وراية عالية فى سماء العالم أجمع باقية خالدة إلى يوم الدين.