قال الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي ، إمام وخطيب المسجد الحرام، إنَّ بقاء المرء في الدنيا له أمد محدود، وأجل معدود، والعمر قصير، والانتقال إلى الدار الآخرة قريب.
العمر قصير
وأوضح ” المعيقلي” خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن من الناس من يموت، فينقطع عمله وتطوى صحيفته، ومنهم من يبقى أثره ويدوم عمله، فيثقل ميزانه بما قدم من عمل، وبآثار تبقى له بعد انقطاع الأجل، فقال الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَٰهُ فيٓ إِمَامٍۢ مُّبِينٍۢ﴾.
ونبه إلى أن من الآثار التي لا ينقطع أجرها بانقطاع الأجل، الولد الصالح، فالولد الصالح من خيرة ما يدّخره المرء لنفسه، في دنياه وآخرته، فأولاد الرجل من كسبه، وعملهم الصالح من عمله. ففي صحيح مسلم: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاث: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ).
وأضاف أن الولد الصالح زينة الدنيا وسرورها، وبهجتها وفرحتها، تحبه ويحبك، وتأنس به ويأنس بك، وتأمره فيبرّك، وإذا كبر سنك، ودق عظمك، عطف عليك، وأعانك على أمر دينك ودنياك، وكان خيراً لك في حياتك وبعد مماتك، وفي مسند الإمام أحمد: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ).
وأشار إلى أن طلب الولد الصالح، يبدأ منذ اختيار الزوجة الصالحة، فالمرأة تنكح لأربع: لمالها ولحسبها، ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك، وإن صلاح الأبناء والبنات، يكون بغرس التوحيد في قلوبهم، ومحبة الله، والخوف منه، ورجاء رحمته، وتعليمهم بأن الصلوات الخمس، من أعظم أسباب صلاح النفس، فالصلاة عماد الدين، وسبب مرضاة رب العالمين، يجب على الوالدين، العناية بشأنها، وحث الأبناء عليها، وهم أبناء سبع سنين، والسؤال عن أدائها، وتعليمهم أحكامها، لتتعلق بها قلوبهم، وتعتاد عليها نفوسهم، فيحافظوا عليها طيلة حياتهم.
ونوه بأن الولد الصالح يا عباد الله: يطلب بصلاح الوالدين، فهدايتهم بإذن الله سبب لصلاح أبنائهم، قال جل في علاه: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “حفظهما الله بصلاح والدهما”، فعلى الآباء والأمهات، أَنْ يَكُونَا قُدْوَةً حَسَنَةً للأبناء والبنات، وخاصة في مرحلة الطفولة، فهي الأساس الذي يُبنى عليه بقية حياتهم، وتتكوَّن فيها سلوكياتهم، وهي فترة غرس القيم الفاضلة، والأخلاق النبيلة.
التأسي بالْمُرَبِّي الْأَعظم
وأكد أن الخير كل الخير، في التأسي بالْمُرَبِّي الْأَعظم، بأبي هو وأمي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهديه خير الهدي، وسنته أفضل السنن، فَقَدْ كان تعامله صلى الله عليه وسلم مع الأطفال، مبنياً على الشفقة والرحمة، مُحِبًّا لهم، يَحْنُو عَلَيْهِمْ، يَلِينُ فِي مُعَامَلَتِهِمْ، وَيُشْعِرُهُمْ بِحُبِّهِ، وَيُعَبِّرُ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ، ففي الصحيحين: جَلَسَ النبي صلى الله عليه وسلم بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ، فَقَالَ (أَثَمَّ لُكَعُ، أَثَمَّ لُكَعُ)، يعني: الحسن، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حَتَّى عَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: (اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبُّهُ).
واستشهد بما ورد في سنن ابن ماجه: خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه إِلَى طَعَام، فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي السِّكَّةِ، فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَامَ الْقَوْمِ، وَبَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَفِرُّ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَيُضَاحِكُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ، وقال صلى الله عليه وسلم، لرجلٍ كان لا يُقبِّل أولاده: (أَوَ أَمْلِكُ لَكَ، أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ)، رواه البخاري.
وأفاد بأنه حتى في لحظات الصلاة، والوقوف بين يدي الله، يتحمل صلى الله عليه وسلم لعب الأطفال ولهوهم، مراعاة لمشاعرهم، ففي مسند الإمام أحمد: خرَج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ إلى الصلاة، وَهُوَ يحَمِل الْحَسَنَ أَوِ الْحُسَيْنَ، فلما صلى أطال في إحدى سجداته، فَلَمَّا قَضَى صَّلَاته، قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ هَذِهِ، سَجْدَةً قَدْ أَطَلْتَهَا، فَظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ، قَالَ: (كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ).
وتابع: والحديث مع الأطفال فيما يخصهم، وإدخال السرور عليهم، مِنْ هدي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففي الصحيحين: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ)، قال أنس: “مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ، مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”، ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالصغار، أنه كان يزور الأنصار، ويسلم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم، ويدعو لهم بالرزق والبركة.
ولفت إلى أن الإحسان إلى الصغار، ومراعاة مشاعرهم، والصدق في التعامل معهم، من أسباب صلاحهم ومما كان يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ففي سنن أبي داود: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟)، قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ).
وواصل: بل سلك صلى الله عليه وسلم في تقديره للصغار مذهبًا بعيدًا، ففي مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، جلس ابن عباس رضي الله عنهما عن يمينه، وكبار الصحابة عن يساره، فأُتِي بشراب فشرب منه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى منه ثم قَالَ: (يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الأَشْيَاخَ)، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. رواه البخاري.
وشدد على أن الْعدل بين الْأَبناء، حق من حقوقهم، وسبب لصلاح قلوبهم، وغرْس الْمحبّة بيْنَهم، فلذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، يحث على العدل بين الأبناء، ولو كان ذلك في أدق الأشياء، ففي صحيح مسلم: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي، فَقَالَ: (أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟)، قَالَ: لاَ. قَالَ: (فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي)، ثُمَّ قَالَ: (أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟)، قَالَ: بَلَى، قَالَ: (فَلاَ إِذًا).
نربي أبناءنا على الصلاح
وقال: أمة الإسلام، مَا أَجْمَلَ أَنْ نربي أبناءنا على الصلاح، والسير معهم في طريق الفلاح، بكل حلم ورحمة ورفق، فالصغير لا يدرك الواجبات والحقوق، والقيم والمعاني، والأصول والمبادئ، وإنما يتلقى ذلك شيئاً فشيئاً عبر سنين حياته، ولا يعني ذلك، عدم الاهتمام بتصحيح الأخطاء، ولكن يجب أن يكون التصحيح بأسلوبٍ يبني ولا يهدِم، ويؤدِّبُ ولا يُثرِّب، ومن نظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وجد حرصه على تعديل السلوك، بأحسن أسلوب، بلا إهانةٍ ولا تجريح، ولا لومٍ ولا توبيخ.
واستند إلى ما ورد بأن عُمَر بْنَ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنه، يذكر موقفاً له مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيَقُولُ: “كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ)، قال: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ” رواه البخاري، وشواهد السيرة العطرة، في هذا الباب كثيرة، فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: هذا هو هدي رسولنا فاستنُّوا به، وهذا هو نبينا صلى الله عليه وسلم فاقتدوا به، فقد قال الله تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
وبين أن من عظيمِ فضلِ الله تعالى ورحمته بعبادِه، أن جعل الدعاءَ، من أفضلِ العبادات نفعا، وأعظمها أثرًا، فأمر عباده بدعائِه، ووعدَهم سبحانه بالإجابة، فضلاً منه وكرما، ومنَّة وجودا، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، فلدعاء الوالدين أثرُ كبيرُ في صلاح الأبناء والبنات، وهو أحد ثلاث دعوات مستجابات، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ)، رواه ابن ماجه.
وتابع: فدعاء الآباء للأبناء، منهج الرسل والأنبياء، والصالحين من عباد الله، فهذا خليل رب العالمين، يسأل ربه الولد الصالح فيقول: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾، فيأتيه الجواب: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾، وبعد أن رزق بالولد الصالح، مع أخذه بأسباب حسن التربية والإصلاح، لم ينقطع دعاؤه لأبنائه، فيسأل ربَّه لنفسه ولولده أن يُجنِّبهم عبادة الأوثان، وأن يجعله وذريته من مقيمي الصلاة؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾، وقال: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾.
الدعاء لأبنائه وأحفاده
واستطرد: ومن شفقة الخليل عليه السلام، على ابنه إسماعيل وذريته، أن دعا الله عز وجل فقال: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، فاستجاب الله دعاءهما، فكان من ذريته سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: (أنا دعوة أبي إبراهيم)، رواه أحمد، ودعاء الوالدة لولدها، لا شك أنه أحرى بالقبول وأولى، فهذه امرأة عمران قالت: ﴿ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾، فلما وضعتها أنثى قالت: ﴿ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾، فاستجاب الله دعاءها، وبارك في ابنتها، واصطفاها ، وجعلها آية من آياته الكبرى، فوهبها عيسى عليه السلام، وأعاذها وابنها من الشيطان الرجيم، كل ذلك ببركة دعاء الأم الصالحة.
وأشار إلى أن نبينا صلى الله عليه وسلم، كان من هديه، الدعاء لأبنائه وأحفاده، وأبناء أصحابه، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ)، رواه البخاري، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)، فأصبح ابن عباس رضي الله عنهما، حَبْرِ الأُمَّةِ وتُرجُمانِ القُرآنِ، وفي الصحيحين: قَالَتْ أُمِّ أنس رضي الله عنها: يا رَسولَ اللَّهِ، خُوَيْدِمُكَ أنَسٌ، ادْعُ اللَّهَ له، قَالَ فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ، وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا لِي بِهِ أَنْ قَالَ: (اللَّهُمَّ أكْثِرْ مَالَهُ، ووَلَدَهُ، وبَارِكْ له فِيما أعْطَيْتَهُ)، قال أنس رضي الله عنه: “فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالًا، وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ: أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ البَصْرَةَ، بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ”، رواه البخاري، ودعاء الصالحين الأخيار، وصفوة عباد الله الأبرار: ﴿رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً﴾.
وحذر الوالدين، من الدعاء على أولادهم، ولو أغضبوهم، قائلًا بل يدعون لهم بالصلاح والاستقامة، ويسألون الله لهم الرشد والهداية، ففي صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ))، فكم من دعوة خرجت من أب أو أمٍّ، على أحد أبنائهم، فوافقت ساعة إجابة؛ فلربما كانت سببًا في فساده وهلاكه، نعوذ بالله من مقته وغضبه، مستشهداً بقوله تعالى ﴿رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً﴾، والأسرة هي أساس بناء المجتمع وهي اللبنة الأولى في كيانه.