يعول الاقتصاد المغربي على إنفاق المغاربة العاملين في الخارج، سواء عبر التحويلات أو المصروفات التي يدفعونها خلال إجازاتهم السنوية في دولتهم الأم، في إعطاء دفعة مهمة للبلاد، بحسب خبراء اقتصاديين.
وتوقع خبراء في مقابلات أجرتها وكالة أنباء العالم العربي (AWP) زيادة أعداد المغاربة المقيمين في الخارج الزائرين للبلاد خلال العام الجاري مقارنة بالسنوات السابقة، كما من المنتظر ارتفاع تحويلاتهم مقارنة مع الرقم المسجل العام الماضي.
ووفقا لبيانات من مكتب الصرف المغربي، بلغت تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج 109.155 مليار درهم في 2022 مقابل 93.673 مليار درهم في السنة السابقة، بزيادة 16.5%.
وكان مكتب الصرف قد أعلن أن تحويلات مغاربة العالم ارتفعت إلى 55.3 مليار درهم بنهاية يونيو/حزيران، مقابل 48.57 مليار درهم في نفس الفترة قبل عام.
عودة لما قبل الجائحة
وقال الخبير الاقتصادي مهدي لحلو إن السنتين الأخيرتين شهدتا عودة للتدفق الكبير للمغاربة المقيمين في الخارج إلى البلاد لقضاء إجازاتهم الصيفية بنفس الوتيرة التي كانت عليها قبل جائحة فيروس كورونا، التي تسببت في إحجام عدد كبير من المغاربة عن زيارة منوعاتهم الأم خلال عامي 2020 و2021.
وتوقع لحلو أن يرتفع عدد المغاربة الوافدين على البلاد خلال موسم العطلات الحالي مقارنة مع الأعداد المسجلة في 2018 و2019،وذكر أن توافد المغاربة المقيمين بالخارج يؤثر بشكل إيجابي على نشاط الموانئ المغربية، خصوصا ميناء طنجة المتوسط وميناء الناظور، والأمر نفسه بالنسبة للمطارات، وعلى الأخص مطارات مراكش وأغادير وفاس والحسيمة بالإضافة إلى الدار البيضاء والرباط منوعاتجة، بما يساهم في تحسن النشاط الاقتصادي بمختلف مناطق المغرب.
ويسهم المغاربة المغتربون في زيادة الإيرادات السياحية للبلاد، كما أن النقل بين المدن يشهد طلبا كبيرا في ظل زيارة المواطنين العائدين لأسرهم في مختلف مناطق المملكة بحسب لحلو.
وأشار إلى أن إنفاق مغاربة الخارج خلال عطلتهم يعطي دفعة مطلوبة للكثير من المناطق مثل سوس والمناطق المحاذية لمدينة ورزازات وكذلك إقليم الرشيدية ومدينة بودنيب في جنوب البلاد، فضلا عن مناطق شمال البلاد مثل الحسيمة والناظور المعروفة بكونها وجهات سياحية.
جرعة أوكسجين
وقال المحلل الاقتصادي مهدي فقير إن توافد مغاربة الخارج على البلاد في هذه الفترة من العام له ثقل اقتصادي واجتماعي كبير، واصفها إياها “بجرعة أوكسجين يتم ضخها في الأنسجة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد”.
وأضاف فقير أن المغتربين يضطلعون بدور مهم في الاقتصاد فضلا عما يقومون به في تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال ما يقدمونه من مساعدات مالية لأسرهم في المغرب.
وتابع: “معظم الأسر بالمغرب بها فرد أو اثنان يقطنان بالخارج، وبالتالي مساهمتهم الاجتماعية كبيرة جدا”.
وأوضح فقير أن مغاربة العالم يساهمون في الاستهلاك الداخلي والاستثمار، خاصة في قطاع العقارات، كما أن تحويلاتهم تعزز احتياطات البلاد من النقد الأجنبي “ما يشكل دعامة للاقتصاد المنوعاتي”.
وأكد أن قضاء مغاربة الخارج لإجازاتهم داخل البلاد يسهم في تنشيط السياحة الداخلية والمجالات المرتبطة بها، فضلا عن تأثيره الإيجابي على عدد من القطاعات مثل الترفيه والنقل.
الذروة في أغسطس
وتوقع فقير تدفق عشرات الآلاف من المغتربين على البلاد هذا العام “خاصة أن فصل الصيف ما زال في بدايته وفترة الذروة تبدأ في أغسطس/آب مشيرا إلى الدور المهم لعملية (مرحبا) في تيسير زيارة المغتربين للبلاد.
وعملية (مرحبا) هي مبادرة لتيسير استقبال المغاربة في الخارج العائدين إلى البلاد من خلال تقديم خدمات مختلفة في موانئ أوروبية، وخاصة في إسبانيا، أطلقتها مؤسسة محمد الخامس للتضامن. وبدأت نسخة عام 2023 في الخامس من يونيو/حزيران وتستمر إلى 15 سبتمبر أيلول.
وتقوم المؤسسة في كل نسخة بتشغيل 24 مركزا داخل المغرب وخارجه لاستقبال المغاربة المقيمين بالخارج خلال السفر إلى البلاد والرجوع منها طيلة فترة العملية الممتدة لثلاثة أشهر ونصف الشهر.
وقال محمد رفاوي، القنصل العام للمغرب في الجزيرة الخضراء بجنوب إسبانيا، إن عملية (مرحبا) لها دور مهم للمغتربين المغاربة البالغ عددهم نحو 6 ملايين، حيث تمثل بداية فصل العطلة الصيفية بالنسبة لهم.
مسارات العودة
وحول مسارات عودة المغاربة من الخارج، قال رفاوي إن ميناءي الجزيرة الخضراء وطريفة بالجنوب الإسباني يستقبلان وحدهما أكثر من 60% من عدد المسافرين والمركبات العابرة نحو الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، في اتجاه ميناءي طنجة المدينة منوعاتجة المتوسط.
وأضاف أن الإحصائيات المغربية التي بدأ تسجيلها اعتبارا من الخامس من يونيو/حزيران تزامنا مع انطلاق مبادرة (مرحبا) تظهر أن عدد المسافرين القادمين عبر ميناءي الجزيرة الخضراء وطريفة بلغ 700 ألف مسافر تقريبا و180 ألف عربة حتى الآن.
وأشار رفاوي إلى أن مطار ملقة في إسبانيا أيضا من أنشط المطارات التي يستخدمها المسافرون المغاربة في السفر، نظرا لأنه يسير رحلات جوية منتظمة إلى مطارات المملكة.
ووفقا لتقديرات رفاوي، يتدفق على موانئ المغرب ما يزيد على 3.7 مليون مسافر من المغتربين العائدين من الخارج سنويا ما يشكل “تحديا لوجستيا” كبيرا تسخر له الدولة إمكانات ضخمة.
وأضاف رفاوي “تتعاون مؤسسة محمد الخامس للتضامن مع قنصليات وسفارات المغرب المنتشرة عبر قارات العالم لتيسير عملية العبور، ومصاحبة أفراد الجالية حتى يتمكنوا من الالتحاق بأرض المنوعات في أحسن الظروف”، مشيرا إلى أن موانئ المملكة تعمل على مدار الساعة لاستيعاب هذه الأعداد من المسافرين والمركبات.