.
يبلغ مجموع الجمرات في أيام التشريق سبعون؛ منها: سبع ترمى بها جمرة العقبة يوم العيد، وإحدى وعشرون تُرمى بها الجمار الثلاث ثاني أيام العيد، وإحدى وعشرون تُرمى بها ثالث أيام العيد، وإحدى وعشرون تُرمى بها رابع أيام العيد.
وقالت دار الإفتاء في بيانها حكم من ترك رمي الجمرات، إن هذا العدد في حقِّ مَن يُتِمُّ ولم يتعجل، أما مَن تعجل وأراد الخروج مِن منى إلى مكة في اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو ثالث أيام العيد؛ فإنه يرمي جمرة العقبة سبعًا يوم النحر، وإحدى وعشرين لليوم الثاني، وإحدى وعشرين لليوم الثالث، فحينئذٍ يكون مجموعها في حقِّ مَن تعجل تسعًا وأربعين حصاة.
المراد بأيام التشريق
وأيام التشريق: هي الأيام الثلاثة التي تلي يوم النحر -العاشر من ذي الحجة-، فهي: يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة، ويطلق عليها “أيام منى”، وهي الواردة في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» رواه الإمام مسلم من رواية أبي المليح عن نُبَيْشَةَ الهذلي رضي الله عنه.
وهذه الأيام يقع فيها جملة من مناسك أعمال الحج، ومنها: رمي الجمرات الثلاث، وهي: الجمرة الصغرى أو الدُّنيا، وهي أقرب جمرة من مسجد الخيف، والجمرة الوسطى، وجمرة العقبة الكبرى، وتوجد في آخِر مِنى.
عدد الجمرات أيام التشريق
قالت الإفتاء إن المطلوب فعله في أيام مِنى: هو رمي الجمرات، حيث ترمى جمرة العقبة يوم العيد بسبعِ حصيات، أمَّا الجمرات الثلاث -الصغرى والوسطى والكبرى- فتُرمى في أيام التشريق الثلاث، كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات، يُكبِّر مع كلِّ حصاةٍ، فيبدأ بالأُولَى، ويقف بعد رمي الجمرة الأولى والوسطى يدعو الله مستقبل القبلة، ولا يقف بعد رمي الأخيرة.
ويَرمِي كل جمرة بسبع حصيات، فيكون المجموع إحدى وعشرين حصاة في كلِّ يومٍ من أيام التشريق، ويكون مجموع ما يرميه الحاج من الجمرات سبعين حصاةً، وذلك في حقِّ مَن لم يتعجَّل.
قال العلامة الخرشي المالكي في “شرح مختصر خليل” (2/ 339، ط. دار الفكر): [تقدم أنَّ يوم النحر يختص برمي جمرة العقبة فقط يرميها بسبع حصيات، وأشار بهذا إلى أنَّ أيام منى، وهي الأيام المعدودات أي: ثاني النحر وثالثه ورابعه، يرمي في كلِّ يومٍ منها الثلاث جمرات: يرمي كلَّ جمرةٍ بسبع حصيات، وذلك ثلاث وستون حصاة إن لم يتعجل، وتقدم أنه يرمي العقبة بسبع حصيات، فالجملة سبعون حصاة] اهـ.
أمَّا مَن تعجَّل وخرج مِن منًى في ثاني أيام التشريق فلا حرج عليه، ويكون عددُ ما يرميه حينئذٍ مِن حصيات تسعًا وأربعين حصاة، حيث يرمي جمرة العقبة يوم العيد بسبع حصيات، ويرمي أول أيام التشريق إحدى وعشرين حصاة، وكذلك اليوم الثاني.
قال الإمام ابن رشد في “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” (2/ 118، ط. دار الحديث): [وأنه يرمي في كلِّ يومٍ من أيام التشريق ثلاث جمار بواحد وعشرين حصاة، كل جمرة منها بسبع. وأنه يجوز أن يرمي منها يومين وينفر في الثالث؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 203]] اهـ.
وقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: “ثمَّ سَلَكَ الطَّريقَ الوُسْطى التي تَخْرُجُ على الجَمْرةِ الكُبْرى، حتى أتى الجَمْرةَ التي عند الشَّجَرةِ، فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ -يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مِثْلَ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِن بطْنِ الوادي، ثم انصَرَفَ إلى المَنْحَر” رواه الإمام مسلم.
وروى البخاري ومسلم في “صحيحيهما” عن ابن عمر رضي الله عنهما: “أنَّه كان يرمي الجَمْرةَ الدُّنْيا بسَبْعِ حَصَياتٍ، يُكَبِّرُ على إِثْرِ كلِّ حصاةٍ، ثم يتقَدَّمُ حتى يُسْهِلَ، فيقوم مُسْتَقبِلَ القبلةِ، فيقوم طويلًا، ويدعو ويَرْفَعُ يديه، ثم يَرْمي الوُسْطى، ثم يأخذُ ذاتَ الشِّمالِ فيَسْتَهِلُ، ويقوم مستقبِلَ القبلةِ، فيقوم طويلًا، ويدعو ويرفَعُ يديه، ويقوم طويلًا، ثم يرمي جَمْرةَ ذاتِ العَقَبةِ مِن بَطْنِ الوادي، ولا يقِفُ عندها، ثم ينصَرِفُ، فيقول: هكذا رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم يفعَلُه”.
فالحديثان نصان صريحان في صفة الرمي، وعلى هذا فقهاء المذاهب الأربعة. ينظر: “العناية” لأكمل الدين البابرتي (2/ 485، ط. دار الفكر)، و”الفواكه الدواني” للعلامة النفراوي (2/ 274، ط. دار الفكر)، و”المجموع” للإمام النووي (2/ 238، ط. دار الفكر)، و”كشاف القناع” للعلامة البهوتي (2/ 509، ط. دار الكتب العلمية).
حكم من ترك رمي الجمرات أيام التشريق
نصَّ جمهور الفقهاء على وجوب استيفاء الحصيات بهذا العدد المذكور، أمَّا إذا تُرك منها شيء، فذهب الحنفية والشافعية إلى أن المتروك إن كان أقلَّ من نصف الجمرات الثلاث فعليه صدقة لكلِّ حصاة، وإن كان المتروك أكثر من النصف فيلزمه دم.
قال العلامة المرغيناني الحنفي في “الهداية” (1/ 163-164، ط. دار إحياء التراث العربي): [“ومَن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث فعليه الصدقة”؛ لأن الكلَّ في هذا اليوم نسك واحد، فكان المتروك أقل، إلا أن يكون المتروك أكثر من النصف، فحينئذ يلزمه الدم لوجود ترك الأكثر] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في “رد المحتار على الدر المختار” (2/ 513، ط. دار الفكر): [إذا ترك أكثر السبع لزمه دم كما لو لم يرمِ أصلًا، وإن ترك أقل منه كثلاثٍ فما دونها فعليه لكلِّ حصاةٍ صدقة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في “المجموع” (8/ 236، ط. دار الفكر): [ومَن ترك رمي الجمار الثلاث في يوم لزمه دم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (مَن ترك نسكًا فعليه دم)، فإن ترك ثلاث حصيات فعليه دمٌ؛ لأنه يقع اسم الجمع المطلق عليه فصار كما لو ترك الجميع، وإن ترك حصاةً ففيه ثلاثة أقوال: (أحدها): يجب عليه ثلث دم، (والثاني): مُدٌّ، (والثالث): درهم، وإن ترك حصاتين لزمه في أحد الأقوال ثُلُثَا دم، وفي الثاني: مدان، وفي الثالث: درهمان] اهـ.
وذهب المالكية إلى أن الحاج إذا رمى بأقل مِن سبع حصيات وفاته التدارك يجبره بدم.
جاء في “المدونة” (1/ 434، ط. دار الكتب العلمية): [وقال مالك: إن ترك حصاة من الجمار أو جمرة فصاعدًا أو الجمار كلها حتى تمضي أيام منى، قال: أما في حصاة فليهرق دمًا، وأما في جمرة أو الجمار كلها فبدنة، فإن لم يجد فبقرة] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في “الذخيرة” (3/ 276، ط. دار الغرب الإسلامي): [ومَن ترك جمرة من هذه حتى غابت الشمس رماها ليلًا، واختلف قول مالك في لزوم الدم، وهو أحب إليَّ، ولو ترك جمرةً أو الجمار كلها حتى مضت أيام منًى فعليه بدنة، فإن لم يجد فبقرةً، فإن لم يجد فشاةً، فإن لم يجد صام، وأما في الحصاة فعليه دم] اهـ.
بينما يرى الإمام أحمد أنَّه لا يجب عليه شيء في ترك حصاة أو حصاتين، وهو ما نقل عن عددٍ من فقهاء السلف كمجاهد وإسحاق بن راهويه، وفي روايةٍ عن الإمام أحمد أيضًا: لو ترك حصاة عمدًا فقد أساء، وعليه أن يتصدَّق بشيء جبرًا لهذا الخلل.
الذي نختاره للفتوى: أنه ينبغي على الحاج ألَّا يتعمد النقص عن عدد الحصيات في الرمي، فإن نَقَص منه في الرمية الواحدة أقل واحدة أو اثنتين من الحصيات سهوًا فلا شيء عليه، ورميه صحيح؛ وذلك لأنَّ الحج مبناه على التيسير، وهو -أي: التيسير- المفهوم من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجته كما يرويها جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، كما أنَّ نَقْص واحدة أو اثنتين من الحصيات قد يقع على سبيل النسيان المغتفر في هذه الحالة، بخلاف النقص عن أكثر من ذلك، فإنَّه يدخل في باب التَّعمُّد الذي يوجب الخلل والجَبْر.