شهدت الأيام الماضية زخماً إعلامياً كبيراً منذ زيارة رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد إلى مصر، الأربعاء 12 يوليو 2023؛ لحضور قمة دول الجوار لبحث الأزمة السودانية، وبعد لقاء ثتائي بين مصر وإثيوبيا صدر بيان مشترك بعودة مفاوضات سد النهضة والوصول إلى اتفاق خلال أربعة أشهر، وتلتزم إثيوبيا بعدم إلحاق ضرر ذى شأن بمصر والسودان، بما يوفر الاحتياجات المائية لهما.
جاء ذلك في منشور مهم للغالية للدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، يقدم فيه قراءة دقيقة في تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا حول سد النهضة، وجاءت تحت عنوان “التصريحات الإثيوبية بين التجمل والحقيقة”.
التصريحات الإثيوبية بين التجمل والحقيقة
وتابع عباس شراقي في منشوره، ثم بيان رئيس وزراء إثيوبيا بعد عودته إلى أديس أبابا، السبت 15 يوليو 2023، تحت عنوان إثيوبيا تحفظ الأمانة والوفاء بالعهود، ولا تنوى الإضرار بدول الحوض، وأشاد ومدح فى الأخلاق والأمانة والعدل فى إثيوبيا، وأن سد النهضة له فوائد كبيرة للجميع وأنه أفضل ضمان للجميع فى حالة الجفاف.
تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا
وأشار عباس شراقي إلى أن تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا ناعمة ودبلوماسية، وقابلها البعض بالرفض والآخر بالترحيب مع الحذر الشديد لأنها غير واقعية حيث أن إثيوبيا لم تبد أي مرونة طوال الإثنى عشر عاما الماضية، وتغيبت عن توقيع صيغة اتفاق واشنطن فى 29 فبراير 2020 بينا وقعته مصر بالأحرف الأولى.
اقرأ أيضا:
سد النهضة.. خبير يكشف مفاجأة تنقذ مصر من مخاطر الملء الرابع
وقال الدكتور عباس شراقي إن التصريحات الإثيوبية تتجمل ونتمنى أن تصبح حقيقة، وهناك أسباب عديدة للحذر الشديد عند قبول تلك التصريحات للأسباب الآتية:
– اتفقنا من قبل على عمل مجموعة دراسات من خلال المكتب الفرنسى لمدة عام ولم يتم أى منها حتى الآن.
– اتفقنا على التوقيع فى واشنطن وتغيبت إثيوبيا فى اللحظة الأخيرة.
– كيف تلتزم إثيوبيا بعدم إلحاق أى ضرر وهى التى اتخذت 6 قرارات إحادية فى 4 تخزينات وتشغيل توربينين، وتخزين 17 مليار م3، وفي طريقها لحجز 24 مليار م3 أخرى بإجمالي 41 مليار م3 التي تشكل 74% من حصة مصر السنوية، وما حدث في السودان في ارتباك فى تشغيل السدود وخروج محطات مياه الشرب عن الخدمة فى التخزين الأول، وفى مصر اتخاذ تدابير لحماية المواطن من إنشاء محطات لمعالجة مياه الصرف الزراعي، والصوب الزراعية وتحديد مساحة الأرز، وترشيد الاستهلاك وتطوير الرى الحقلي وحفر آلاف الآبار الجوفية وغيرها التى تكلفت مئات المليارات من الجنيهات.
– الضرر ذي شأن غير متفق على تعريفه، إثيوبيا ترى أن تخزين 24 مليار م3 حاليا لا يشكل ضرراً على مصر، كما ذكرت ذلك على التخزينات الثلاثة الماضية بمقدار 17 مليار م3، بل أن امتلاء السد فيما بعد بحوالى 74 مليار م3 كانت فى طريقها إلى السد العالى ليس ضرراً أيضا.
– التخزين الرابع بدأ 14 يوليو الجاري ومستمر حتى منتصف سبتمبر أي أنه يسغرق معظم الموسم إلا أسابيع قليلة.
– توفير الاحتياجات المائية لمصر والسودان للعام المائي 2023/2024 كلام غير واقعي لأن سد النهضة مغلق ولايمكن إمرار أكثر من بوابتى التصريف المفتوحتين منذ نهاية يونيو، وهما يصرفان أقل من 10% من الايراد اليومى فى شهر أغسطس.
– التصريح بأن إثيوبيا لا تنوي الإضرار بجيرانها، التاريخ القديم والحديث يقول إن التوتر والصراع يسود ليس فقط مع دول الجوار بل فى الداخل الإثيوبى، حيث قتل وتشريد مئات الآلاف من الشعب الاثيوبى نفسه فى الحرب مع التيجراى 2020-2022، والصراعات العرقية مع الأورومو، والحروب المتعددة مع الصومال والسيطرة على إقليم أوجادين 1954، وبناء سد جينالى داوا وتخزين حوالى 3 مليارات م3 عام 2019 على نهر جوبا الذى يعتمد عليه ملايين الصوماليين، وبناء سد جيبا 3 وتخزين 12 مليار م3 2016 على نهر أومو، وهو المصدر الرئيسي لبحيرة توركانا فى كينيا، والحرب مع إريتريا وعدم تسليم الأرض لها رغم حكم محكمة العدل الدولية في 2002 بأن بلدة بادمة تقع في الأراضي الإرترية وقرار لجنة الحدود الإرترية الإثيوبية بذلك بدء من 2015، ولا تزال إثيوبيا تحتلها، وأخيراً الاعتداء على أراضى الفشقة السودانية.
– إثيوبيا ترى أن التخزين فى سد النهضة أفضل لمصر من التخزين فى السد العالى.
– إثيوبيا لم تف بالاتفاقيات السابقة مع مصر وعددها 6 وهى: 1891، 1902، 1906، 1925، 1993، 2015، وتنكرها على أنها تمت أيام الاستعمار رغم أن إثيوبيا لم تستعمر عدا سنوات قليلة فى الاربعينات ولم تعقد فيها أى اتفاقيات، وأن بموجبها تم ترسيم الحدود الاثيوبية السودانية.
– سد النهضة يمثل قنبلة مائية تهدد بفناء 50% من الشعب السوداني في حالة الانهيار بعد المبالغة في زيادة سعته من 11.1 مليار م3 فى التصميم الأصلى إلى 74 مليار م3، رغم المخاطر الهيدروجيولوجية فى المنطقة طبقاً لتقرير لجنة الخبراء الدولية 2013، أليس هذا تهديداً للسودان ومصر؟.
رغم كل ذلك فاننا بعد صبر أكثر من 12 عاما، نرحب بموافقة إثيوبيا على الوصول إلى إتفاق ينظم قواعد الملء (الأول والمتعدد) والتشغيل خلال أربعة أشهر على أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية للوصول إلى حل لقضية سد النهضة ليكون أساساً للعلاقات المائية فى المستقبل، والتعاون المشترك فى كافة المجالات خاصة الاقتصادية لمصلحة الشعبين.