كان النصف الثانى من عام 1974 على وعد مع احتدام الصراع السياسى والثقافى والاقتصادى والفنى فى مصر، صراع طال كل المجالات المتنوعة، وكذلك المستويات الاجتماعية العديدة، وكان المهندس محمود القاضى أحد صقور المعارضة فى ذلك الوقت يتقدم بالاستجواب تلو الاستجواب فى البرلمان، ومن أبرز تلك الاستجوابات الشهيرة كان بخصوص الارتفاع المذهل والرهيب للأسعار، للدرجة التى تنذر بالانفجار يوما بعد يوم، الأسعار كانت ترتفع فى جنون، أسعار اللحوم، البقول، معظم السلع الأساسية، وفى جلسة مجلس الشعب المنعقدة فى شهر ديسمبر من ذلك العام كان رأى كل أعضاء المجلس “أن مستوى الدخول لم يعد يتناسب مع معدل ارتفاع الأسعار الكبير”، وتساءل المهندس محمود القاضى فى استجوابه: “هل يمكن زيادة الإنتاج والأجور؟، ثم استطرد: لا يمكن أن ننتج بهذا المستوى من الدخول، إن هناك مستويات لا تكفى أجورها العيش الحاف والجبنة القريش، أنا أتحدث عن العامل الذى لا يكفى دخله حد الكفاف”، لم تكن تلك الكلمات التى أطلقها نجم المعارضة فى البرلمان، إلا مقدمة لمعارك مكثفة فى الصحف والمجلات لترفع من وتيرة الاحتدام والصدام بين الحكومة والمعارضة.
وعلى المستوى الثقافى، كانت هناك معركة أخرى ساخنة بين وزير الثقافة يوسف السباعى، وهيئة تحرير مجلة الكاتب التى كان يرأس تحريرها الناقد والمفكر أحمد عباس صالح، وتبعا لذلك انقسمت الحياة الثقافة والصحافية إلى فريقين، فريق يؤيد يوسف السباعى، منهم ابراهيم الوردانى ومحمد الحيوان وغيرهم، وفريق آخر يؤيد هيئة تحرير المجلة، وتم قبول استقالة هيئة تحرير المجلة، وتنصيب الشاعر صلاح عبد الصبور كرئيس تحرير للمجلة، وفى تلك الأثناء استضافت مجلة “الطليعة” اليسارية، والتى كان يرأس تحريرها الكاتب لطفى الخولى، وفى عدد ديسمبر 1974 نشرت المجلة بعض مواد هاجمت وزير الثقافة، وكذلك نشرت بيانا شديد اللهجة يهاجم الشاعر صلاح عبد الصبوربضراوة لقبوله منصب رئيس التحرير، ووقّع على البيان ثلاثة شعراء هم: محمد يوسف، محمد محمد الشهاوى، حسن النجار، وجدير بالذكر أن الكاتب الصحفى خيرى عزيز كتب ونشر ردا فى العدد الصادر فى يناير 1975 من مجلة الطليعة لكى يدافع فيه عن صلاح عبد الصبور بعيدا عن المعركة الدائرة، وكان المقال لا يقل عنفا عن البيان الذى وقع عليه الشعراء الثلاثة، وحول هذه المعركة تشكلت دوائر ثقافية مع أو ضد، والأمر لم يكن يخلو من مصالح قديمة وجديدة.
وعلى المستوى المسرحى، كانت مسرحية “مدرسة المشاغبين” بطولة عادل إمام وسعيد صالح وسهير البابلى وغيرهم تواصل نجاحاتها الجماهيرية الواسعة على مدى ثلاث سنوات، رغم أنها لم تنل قبول نقاد المسرح الجادين، خاصة بعدما تعرضت المسرحية لكثير من الخروج عن النص الأصلى الذى وضعه الكاتب على سالم، ورأوا أن المسرحية تشكل خطورة على المسرح المصرى وإنجازاته التى أحرزها فى عقد الستينات، وفى تلك الأثناء تفجرت فى شهر ديسمبر معركة ضارية حول “من المؤلف الحقيقى للمسرحية” بعدما أعلن الفنان جورج سيدهم أن “مدرسة المشاغبين” من تأليف عبد الله فرغلى، وليس على سالم، وأكد عبد الله فرغلى كلام جورج، ولم يسكت على سالم بالطبع، وصرّح فى الصحف قائلا: “..ليس هناك أى مؤلف لمسرحية “مدرسة المشاغبين”، لأنها فى الأصل مسرحية فرنسية، والمسرحيات الأجنبية (تعد)، أو (تمصر) ولا تؤلف، وهناك ثلاثة إعدادات للأصل الأجنبى المأخوذة عنه المسرحية”، وذكر سالم أن الإعداد الأول لعبدالله فرغلى، وفشل تقديم ذلك الإعداد بكل الطرق، والإعداد الثانى للكاتب المسرحى ناهر ميلاد، ولحق بالإعداد السابق، أما إعداد على سالم هو الذى فاز، ومن المدهش، وقبل إسدال الستار على ذلك الفاصل من المعركة، نشرت أخبار بأن الكاتب المسرحى عبد الرحمن شوقى رفع دعوى قضائية ضد فرقة الفنانين المتحدين، وضد على سالم شخصيا.
مؤلفات أبو العلا السلاموني
هذا ما كان يجرى فى ساحة المسرح الذى بدأ يغازل ويشكّل ذائقة جديدة بعد أن تهيأ المناخ لذلك تماما، ولا ننسى فى ذلك السياق أن حادثا مروعا قد حدث فى 6 أغسطس 1974، إذ حدث أن شاعرا ومترجما وكاتبا طليعيا قد لقى حتفه منتحرا جرّاء عمليات تعذيب عنيفة تمت ضده، مما أضفى جوا كئيبا على المناخ الثقافى، وعلى رفاقه الذين يعرفونه ويقدرون إبداعاته الشعرية التى كان يقرأها عبيدة فى الإذاعة، وأصدرت جمعية كتاب الغد فى شهر سبتمبر نشرة ضمت بعضا من أشعاره، ومقدمة تسرد بعض وقائع حياته، ونشرت فى الغلاف الأخير من النشرة بعضا من النقاط البرنامجية التى تقوم عليها تلك الجمعية، ومما جاء فى ذلك: “تسعى هذه الجمعية إلى إقامة حوار حقيقى بين جميع الاتجاهات الوطنية الديمقراطية فى الحياة الثقافية، وهى تؤمن أنه عن طريق الحوار المثمر، ستتأكد كافة الملامح الحقيقية لحركة الأدب الجديد فى مصر، والذى تبدأ إرهاصاته وملامحه فى التشكل لتعطى التعبير الحقيقى عن الالتزام بالموقف الديمقراطى تجاه الصراعات القائمة فى الواقع المصرى…”.
هذه إشارات عامة وشبه عابرة لواقع راسخ وواسع، محاولة منى لرسم بعض الملامح التى كانت سائدة فى تلك الفترة، وولدت فيها واحدة من أهم مسرحيات الكاتب المسرحى الكبير محمد أبو العلا السلامونى، الذى رحل مؤخرا فى التاسع عشر من شهر يونيو 2023، وكان قد ولد فى 3 يناير 1941 فى محافظة دمياط، وحصل على ليسانس الآدابدراسات فلسفية ونفسية من جامعة القاهرة عام 1968 وعمل بالتدريس بالتربية والتعليم منذ عام 1959، حتى انتقل للعمل بوزارة الثقافة عام 1983 بالهيئة العامة لقصور الثقافة إدارة المسرح، وكان قد انخرط فى الكتابة المسرحية منذ المنتصف الثانى فى عقد الستينات، وتشكلت ذائقته الفكرية والجمالية على إيقاع الأحداث السياسية الكبرى، وكان قد سجّل بعضا من تجربته فى مجلة فصول النقدية، العدد الصادر فى خريف 1992، كتب: “قبل نكسة السابع والستين، لم يكن يعنينى كثيرا الكتابة للآخرين قدر ما كان يعنينى أن أكتب لنفسى، لذلك كنت أشعر بلذة الحرية المطلقة فى الكتابة دون قيود أو حدود، كتبت شعرا رومانسيا عن الحب والموت، كتبت عن هيروشيما ومحنة الطيارين الذين ألقوا عليها قنبلة الدمار فى مسرحية (رحلة الموت)، كتبت مسرحية تجمع بين فلسفة شوبنهور عن إرادة الحياة والليبيدو عند فرويد فى مسرحية (الملكة)، كتبت عن الجدل بين حياة اللذة الحسية وحياة التصوف الروحية فى مسرحية (الجدب)”، ويسترسل السلامونى فى رصد رحلته من الكتابات التأملية ذات الطابع الفلسفى والنفسى والذاتى إذا صحّ ذلك التعبير فى عالم المسرح، حتى يصل إلى المسرحيات التى كتبت من أجل أبعاد ثورية أو توعوية لدرجة أنها تصبح مسرحيات تحريضية دون أن تخلّ بشروط الفن، ولم ينزو تحت التجارب التى لا تواجه الأزمات التى تقع فى المجتمع، فكتب مسرحية “الأرض والمغول”، والتى تعالج الهزيمة القومية بعد قاصمة الظهر 1967، ويستطرد السلامونى فى سرد وقائع وكتابات المرحلة التى تلت المرحلة التأملية، حتى يصل حديثه إلى المسرحية التى أردنا التعرض لها، وهنا يفتح قوسا واسعا ليلقى ضوءا ساطعا حول مرحلة ثرية من حياته فيقول: “كنّا فى ذلك الوقت فى مدينة دمياط كما كان الجميع من أدباء الأقاليمنطالب بإقامة اتحاد مستقل للكتاب، وانتشرت الفكرة فى أنحاء التجمعات الثقافية فى الجامعات والمدارس والنوادى والجماعات الأدبية، وكان لجمعيتنا التى أنشأناها فى دمياط فى ذلك الوقت فضل المبادرة لنشر فكرة هذا الاتحاد المستقل بعيدا عن الأجهزة الرسمية، خصوصا الاتحاد الاشتراكى الذى كان يريد احتواء هذا الاتحاد، فى ذلك الوقت كانت مدينة بورسعيد تستعد للاحتفال بعيد النصر ليلة الثالث والعشرين من ديسمبر 1974، وكان من ضمن برنامج الاحتفال عرض مسرحى (رواية النديم عن هوجة الزعيم)، من إخراج عباس أحمد، وتضامنا من أدباء الأقاليم مع أدباء بورسعيد فى قضية الاتحاد المستقل يجتمع الأدباء فى مؤتمر قبل افتتاح المسرحية ويصدرون بيانا ثقافيا يعبر عن رأيهم فى هذه القضية، ويعلق البيان أمام باب المسرح بقصر ثقافة بورسعيد، ويدور حوار حول القضية بين الأدباء والجمهور، مالبث أن تحول الحوار إلى مظاهرة ثقافية وسياسية صاخبة، وحينئذ شعر مدير الثقافة بالرعب الشديد، ولم يملك إلا أن رفع سماعة التليفون مستغيثا بأجهزة أمن الجدولة والأمن المركزى، الذى مالبث أن حاصر قصر الثقافة بالمدافع الرشاشة، وأخذ العاطل بالباطل، وقبض على الجميع بعد علقة ساخنة، ورحلوا بنا فى اليوم الثانى إلى سجن الزقازيق العمومى، وألقى بنا فى غيابات هذا السجن ما يقرب من ثلاثة شهور طبقا لقانون الطوارئ بتهم أهونها إحراز منشورات معادية وأكبرها العمل على قلب نظام الحكم، وكان من ضمن رفقاء المحنة فى عنبر السجناء السياسيين شاعر المنصورة محمد يوسف، وقصاص بورسعيد قاسم مسعد عليوة، والمخرج المسرحى مراد منير، ونائب بورسعيد فى مجلس الشعب الحالى البدرى فرغلى، إلى مايزيد عن عشرين أديب وممثل من بور سعيد..”.
شعبانيوسف
هنا ينتهى حديث أو إشارات أبو العلا السلامونى عن ما حدث فى ذلك اليوم، وأظن أن مثقفى وفنانى ومبدعى بورسعيد يعرفون الكثير عن تلك الوقائع المهمة التى صاحبت عرض مسرحية “رواية النديم عن هوجة الزعيم”، والتى كتبها السلامونى فى مواجهة الإسفاف الفنى الذى بدأ يزحف على الحياة المسرحية خصوصا، وعلى الحياة الفنية عموما، وكان قد تقرر أن تعرض المسرحية فى يوم الاثنين الموافق 23 ديسمبر 1974، واحتشد البورسعيدية لمشاهدة العرض، وكان مدججين بحماس منقطع النظير فى مواجهة ما يحدث، وكان البيان الذى ذكره السلامونى، وتم تعليقه على الحائط قد تضمن مطالب عديدة، منها الدعوة إلى إنشاء اتحاد وطنى ديمقراطى مستقل للأدباء والفنانين، كما أن البيان تضمن احتجاجا على الثقافة المهترئة من نوع “سها هانم، نامت على السلالم”، و”شنبو فى المصيدة”، ثم الدعوة إلى إنشاء فروع لجمعية كتاب الغد ببور سعيد والمحافظات، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين بسجن الحضرة بالأسكندرية (خليل كلفت ورفاقه).
وبعدما حدث ما حدث من استدعاء الأمن، وحدوث معركة تكسير عظام، تم القبض على ثلاثة وعشرين فردا من الرجال، وثلاث فتيات، وتم تحرير القضية (60_1974) حصر المناخ، بورسعيد، مقيدة تحت رقم 738|1974، ومن الرجال الذين تم القبض عليهم كان:
(1)محمد يوسف شاعر المنصورة
(2)البدرى فرغلى.. أديب، وعامل شحن وتفريغ عضو مجلس الشعب فيما بعد.
(3)قاسم مسعد عليوة أديب .. بور سعيد
(4)محمد عبده الكتاتنى..ممثل مسرحى بور سعيد
(5)رضا زكى الوكيل أديب سيناريست بور سعيد
(6)محمد أبو العلا السلامونى .. مؤلف مسرحى دمياط
(7)منير مراد مخرج مسرحى بور سعيد
(8)سامى أحمد البلعوطى صحفى المحلة الكبرى
(9)صلاح المنسى أديب . بورسعيد
(10)مجيد رزق سكرانة،،أديب بورسعيد
(11)مرسى سلطان.. أديب.. بورسعيد
(12)زكريا ابراهيم.. أديب..مؤسس فرقة الطنبورة فيما بعدبور سعيد
(13)سمير حسنى طالب بور سعيد.. سفير بالجامعة العربية فيما بعد
(14)صالح حسنى.. طالب.. شقيق سمير حسنى بورسعيد
(15)السيد على السيد..طالب ومن هواة السمسمية..بورسعيد
(16)وفاء عبد الرحمن أديب، وشقيق المخرج المسرحى عباس أحمد
(17)أحمد زحام.. أديب..طالب، بورسعيد، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة فيما بعد
(18)حميد أبو المعاطى مجاهد، طالب، وصحفى فيما بعد، بورسعيد
(19)سمير كراوية، أديب، بورسعيد
(20)أحمد أبوزيد، طالب، بورسعيد
(21)محمد عبد الفتاح أبودراع، أديب، بورسعيد
(22)راغب كراوية، طالب، شقيق سمير كراوية، بورسعيد
(23)يحيي..طالب بورسعيد
الفتيات:
(1)ماجدة رزق سكرانة، طالبة جامعية، بورسعيد
(2)رضا رزق سكرانة، طالبة ثانوى، بورسعيد
مكان السجن:
سجن الزقازيق العمومى
كان من بين المقبوض عليهم ولم يتم ترحيلهم:
فؤاد حجازى، أديب المنصورة، محسن الخياط الشاعر والصحفى البارز فيما بعد بجريدة الجمهورية، أحمد سخسوخ، فنان مسرحى، وعميد معهد الفنون المسرحية فيما بعد، بورسعيد، الشاعر محمد محمد الشهاوى، كفر الشيخ، عباس أحمد، المخرج المسرحى، بورسعيد، كامل الدابى، أديب، دمياط، محمد سعيد، أديب، باحث فى الفلكلور فيما بعد، المنصورة.
كان القاص الراحل قاسم مسعد عليوة فى الأسبوع الأول من زواجه وفى شهر العسل، عندما تم القبض عليه من منزله، ومعه محمد أبو العلا السلامونى، والشاعر محمد يوسف والأديب محمد سعيد، وتم اقتيادهم بالملابس المنزلية، ولا تفوتنا ملاحظة أن اثنين من المقبوض عليهم، كانا من الذين هاجموا يوسف السباعى فى البيان الخاص بالهجوم صلاح عبد الصبور، وهما الشاعر محمد يوسف، والشاعر محمد محمد الشهاوى، وإن كانا اعتذرا عن هذا البيان، وأبديا استنكارهما له، ليس تنصلا من القضية، ولكنهما قالا بأنهما يحترمان صلاح عبد الصبور ودوره الرائد والعظيم فى حركة الشعر العريى، وبعد ما يقرب من خمسة وأربعين عاما يدلى الشاعر محمد الشهاوى بشهادة لحسن عبد الموجود فى كتابه “1117 كورنيش النيل، زمن المعارك والسقطات الكبرى”، ويقول بأن البيان الذى تم تدبيجه فى منزل الشاعر محمد عفيفى مطر، والذى ظهر فيه توقيعه، لم يكن هو صائغه، فقط طلب منه التوقيع.
وفى ذلك السياق لا بد من ذكر المسرحية التى مازالت مخطوطة فى حوزتى بخط اليد مسرحية “محاكمة طائر الحب”، وهى من مائتى صفحة، ومن أبدع ما كتب فى أدب السجن، والتى كتبها الشاعر محمد يوسف أثناء وجوده فى السجن من 23 ديسمبر 1974 حتى خروجه فى الدفعة قبل الأخيرة فى 2 أبريل 1975يكتب محمد يوسف فى مستهل المسرحية:
“جلست فى مقعدى أمام خشبة المسرح فى انتظار رفع الستار عن مسرحية (النديم)، أو كما أسماها صديقى مؤلف المسرحية (رواية النديم عن هوجة الزعيم)، صافحت صديقى مؤلف المسرحية، وعانقته ، وشددنا حبل الثرثرة.
قال لى:
_ما رأيك فى النماذج الشعرية المحملة بالرموز المنغلقة؟
قلت له وأنا أحاول استدراجه إلى توضيح عبارته:
_إن كتابة الشعر الحديث، عملية معقدة، متشابكة، تعتمد على طرفين: المبدع والمتلقى.
قال: تقصد أن القارئ شريك للكاتب فى هذه العملية؟
قلت: شريك له دور إيجابى، وبالتحديد أقصد أن يكون المتلقى أو “المستقبل” للعطاء الشعرى على درجة كبيرة من الفهم والحساسية، والثقافة الشعرية، بحيث يكون متتبعا لمسار تطور الشعر الحديث
قال: هذا إرهاق، وإرهاق للقارئ
قلت: أضرب لك مثلا حتى تقتنع، ألا يحتاج المتذوق للموسيقى_ على سبيل المثال_ إلى التعرف على أبجديات الإبداع الموسيقى حتى يتشرب الإيقاعات والتنويعات، ويستغرق فى لامحدودية العطاء الموسيقى؟
قال: نعم
قلت: التذوق الشعرى أيضا يحتاج إلى أبجدية..
قال: كيف
قلت: اللغة ممارسة لحالة من العشق على الأقلية، والأغلبية هى الجماهير الكادحة، التى تعانى من خشونة الحياة، وفظاظتها مثلما تعانى من الأميّة.
قال السلامونى: الشعر فى هذه الحالة لا يجدى_لأن القضية ليست قضية السهولة فى التركيبة اللغوية، القضية ياصديقى هى أن تقتنع الجماهير الجماهير بأن الشعر يساوى الفعل.)
ولا ينتهى الحوار بين محمد يوسف، ومحمد أبو العلا السلامونى، بين الشاعر والكاتب المسرحى، وسوف ننشر المسرحية كاملة إن شاء الله قريبا، ولنا عودة لإعداد قراءة تفصيلية فى المسرحية التى كانت محورا لمناقشات كثيرة، لما فيها من إسقاطات رمزية على الواقع الفكرى والسياسيى والفنى الذى كان سائدا فى تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر، والتى استطاع الكاتب العظيم أبو العلا السلامونى أن يكتب ما يليق بتفسيرها وتحليها وإعادة إنتاجها بشكل جدلى وفنى لا مثيل له.