شكل الجن الحقيقي، يعتبر الجن طائفة من الموجودات الخفية وهي –بطبيعتها- مستورة عن حواسنا؛ فلا نراها ولا نسمعها، ولها شعور وإدراك وتصرفات تخصها، ومعظم أحوال الجن وأفعالهم لا نعرف عنها شيئًا، وينطبق عليه ما ينطبق على الإيمان بالغيبيات.
شكل الجن الحقيقي
وتحدث فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، عن عالم الجن ، منوها أنه قد ورد ذكرهم في القرآن الكريم، ومن هنا وجب الإيمان بوجودهم حسب القدر الذي بينه القرآن وأوضحته السنة النبوية الصحيحة، وفيما وراء هذين المصدرين تصبح معلوماتنا عن الجن عارية عن أي دليل من أنواع الأدلة الحسية أو العقلية، وقد تحدث عنه كذلك الكتب السماوية فقد ذكر فى الإنجيل أن الشيطان تعرّض لسيدنا عيسى عليه السلام فى أكثر من موضع.
عالم الجن وأسراره
وأضاف شيخ الأزهر في تصريح سابق، أن القرآن أفرد للجن سورة سُمّيت باسمهم؛ وهي «سورة الجن»، وقد وقع الإجماع بين المسلمين على أن عالم الجن حقيقة موجودة؛ فإنكاره يعارض ظواهر الكتاب والسنة، ويقرر إمام الحرمين الجويني أن: «التمسك بالظواهر والآحاد تكلف منا مع إجماع كافة العلماء في عصر الصحابة والتابعين على وجود الجن والشياطين والاستعاذة بالله من شرورهم، ولا يراغم مثل هذا الاتفاق متدين متشبث بمسكة من الدين»، وإذا كان الإنسان مخلوقا من طين، والملائكة من نور، فالجن مخلوق من النار: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون * والجان خلقناه من قبل من نار السموم}.
من الذي يرى الجن ؟
وأوضح الإمام الأكبر، أن الإنسان لا يرى الجن في حالته الطبيعية؛ لأن الجن مخلوق من نار ولا يمكن أن نراه في هيئته الحقيقية مطلقًا، ومهمته الإغواء والتضليل والتلبيس، ويجعل الإنسان يشعر بنزاعات في نفسه، وهنا نتكلم عن أن الجن أو الشيطان فريق واحد، ولكن هناك الجن الصالح والجن الفاسق، مشيرا إلى أن الماديين أو الملحدين يغفلون عن هذه الغيبيات ويؤمنون فقط بما يلمسونه أو يرونه أو يسمعونه، لكن الوجود في الحقيقة أكبر من ذلك بكثير، فهناك الوجود المادي الحسي وهناك الوجود الغيبي، والإيمان بالغيب هو محور الإيمان، والمؤمن بالغيب أقوى وأقدر على التصور من الملحد لأن الملحد ينتهي به المطاف في منتصف الطريق ولا يقوى على الاستمرار، أما المؤمن فيكمل المشوار ليعرف ما هنالك.
إنكار الجن
وشدّد على أن إنكار وجود الجن يعد تكذيبا لما جاء في القرآن عن الجن، ورغم كثرة ما تحدث به القرآن عن الجن لم يجعل الإيمان بهم عقيدة من عقائد الإسلام كما جعل الملائكة، وإنما تحدث عنهم فقط كما يتحدث عن الإنسان وعن كل شيء، وإذا فالتصديق بوجودهم من مقتضيات التصديق بالقرآن في كل ما حدث عنهم، مضيفا أن القرآن الكريم تحدث عن الجن وصفاته، وأن الجن يعيش ويموت ويبعث؛ كالإنسان سواء بسواء: {أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس}، والجن مثل الإنسان؛ يتزوج ويتناسل، ومنهم الذكور ومنهم الإناث: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا}.
صفات الجن
وأكد الإمام الأكبر أن خلق الجن من النار لا يعني أن ذوات الجن وأجسامهم نيران ملتهبة، بل المقصود أن أصل الجن من النار، مثله في ذلك مثل الإنسان؛ فإن أصله من طين، لكن ذات الإنسان بعد صيرورتها إنسانا لم تعد طينا أو ترابا، لافتا إلى أن حديث القرآن عن الملائكة يختلف عن حديثه عن الجن؛ فبينما يصف القرآن الملائكة بأنهم: {عباد مكرمون}، وأنهم ذوات كلها خير وطاعة، يصف الجن بأنه قد يكون صالحا وقد يكون فاسدا، وفي بعض المواضع أضاف إلى الجن مهمة الوسوسة بالشر وتزيينه للناس، شأنهم في ذلك شأن المنحرفين من بني آدم.
وبين الإمام الأكبر أن للجن شعورًا وإرادة، ولهم قدرات خارقة على الأفعال العجيبة والحركات السريعة والأفعال الشاقة، كما ورد في قصص سليمان عليه السلام وقصة ملكة سبأ، والجن مكلف بالأوامر والنواهي الشرعية، ومكلف بالعبادة كالإنسان: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، ومنهم المسلم ومنهم الكافر، ومنهم الصالح ومنهم الفاسق: {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون}، {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك}.. والذي يظهر من كلامه تعالى أن «إبليس» من الجن وأن له ذرية وقبيلا: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا}.
من الذي يرى الجن ؟
قال الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، إن الإمام الشافعي قال “من ادّعى رؤية الجن على هيئتهم الخلقية ردت عليه شهادته” لقوله تعالى “إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم” فالجن لا يرى.
وأضاف جمعة فى برنامج “والله أعلم” على فضائية “سى بى سى”، أن سيدنا أبو هريرة رأى الجن فى هيئة رجل يسرق من الصدقة، فهنا من الممكن رؤية الجن على هيئة أخرى متمثلة في صورته وليست هيئته الحقيقية.
هل الجن يسرق الأموال ؟
أكد الدكتور عبد الفتاح خضر، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالمنوفية، أن الجن لا يمكنه سرقة الأموال ولا سرقة المنزل، لأن هذا الأمر ليس في مقدوره.
وقال عبد الفتاح خضر، لصدى البلد، إن حديث أبي هريرة لما وكل إليه مهمة حفظ الزكاة ، هو حديث صحيح ولكن لا يستشهد عليه بسرقة الجن من المنزل، فهو ليس قاعدة يبنى عليها وإنما هي من باب الوقائع أو الحوادث الفردية.
وروى عن أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم وكل إليه مهمة حفظ زكاة الفطر، فجاءه رجل يسرق منها فانتبه له واخذ به وقال له: لأرَفَعَنَّك إِلى رسُول اللَّه ﷺ، فقال الرجل : إِنِّي مُحتَاجٌ، وعليَّ عَيالٌ، وَبِي حاجةٌ شديدَةٌ، فتركه ابو هريرة يمضي إلى سبيله، لكنه لما أصبح أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بحكاية السارق، فسأله قائلًا: يَا أَبا هُريرة، مَا فَعلَ أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟ قُلْتُ: يَا رسُول اللَّهِ شَكَا حَاجَةً وعِيَالًا، فَرحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سبِيلَهُ. فَقَالَ: أَما إِنَّهُ قَدْ كَذَبك وسيعُودُ، يقول أبو هريرة: “فَعرفْتُ أَنَّهُ سيعُودُ لِقَوْلِ رسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرصدْتُهُ”.
وبالفعل جاء الرجل في اليوم التالي ليأخذ من طعام الزكاة، فامسكه أبو هريرة للمرة الثانية وهدده برفع أمره للرسول صلى الله عليه وسلم، وترجاه الرجل أن يتركه بالحجة ذاتها، أنه محتاج وله عيال فتركه مرة أخرى أبا هريرة، فلما اصبح قال له الرسول ﷺ: يَا أَبا هُريْرةَ، مَا فَعل أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟ قُلْتُ: يَا رسُول اللَّهِ شَكَا حَاجَةً وَعِيالًا فَرحِمْتُهُ، فَخَلَّيتُ سبِيلَهُ، فَقَال: إِنَّهُ قَدْ كَذَبكَ وسيَعُودُ.
وفي اليوم الثالث جاء الرجل مرة أخرى، فقال له أبو هريرة: لأَرْفَعنَّك إِلى رسولِ اللَّهِ ﷺ، وهذا آخِرُ ثَلاثٍ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ لاَ تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ، فقال له الرجل: دعْني فَإِنِّي أُعلِّمُكَ كَلِماتٍ ينْفَعُكَ اللَّه بهَا، فسأله أبو هريرة قائلًا: مَا هُنَّ؟ قَالَ: إِذا أَويْتَ إِلى فِراشِكَ فَاقْرأْ آيةَ الْكُرسِيِّ، فَإِنَّهُ لَن يزَالَ عليْكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، وَلاَ يقْربُكَ شيْطَانٌ حتَّى تُصْبِحِ، وهكذا تركه أبو هريرة ليمضي في سبيله، لكن وفي صباح اليوم التالي، سأله النبي صلى الله عليه وسلم عما فعله الرجل بالأمس، فروى له أبو هريرة ما حدث وما علمه أياه ليقول كل ليلة حين يأوي إلى فراشه، فقال له النبي ﷺ: أَمَا إِنَّه قَدْ صَدقكَ وَهُو كَذوبٌ، تَعْلَم مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذ ثَلاثٍ يَا أَبا هُريْرَة؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ.