يربك حكومة الاحتلال الإسرائيلي تصاعد الخسائر الناجمة عن استمرار الحرب على قطاع غزة يوما بعد يوما خاصة في ظل تخارج واسع للمستثمرين الأجانب، حيث ألقت الحرب بظلالها على الاقتصاد الإسرائيلي في جميع القطاعات وسط تلويح وكالات التصنيف الائتماني بخفض تصنيف إسرائيل للمرة الأولى وأصبحت تواجه أزمة اقتصادية.
أسوأ أداء للعملة الإسرائيلية
وتسببت الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية حماس بتراجع غالبية المؤشرات التي تتألف منها بورصة تل أبيب، بصدارة قطاعات البنوك، والتأمين، والتكنولوجيا، والعقارات والإنشاءات.
المؤشر الرئيسي لبورصة تل أبيب (TASE 35)، تراجع 10.7% خلال شهر أكتوبر، مسجلاً أكبر خسائر منذ مارس 2020، وسط تصاعد حدة الصراع بين إسرائيل وغزة.
وذكرت وكالة بلومبرج الأمريكية، أن العملة الإسرائيلية سجلت أمام نظيرتها الأمريكية، نحو 4.08 شيكل للدولار، وهو أدنى مستوى للعملة الإسرائيلية في أكثر من عقد.
وباتت العملة الإسرائيلية من أسوأ العملات أداء هذا العام في ظل المواجهة في منطقة الشرق الأوسط وهروب المستثمرين من الأصول الإسرائيلية، وبحسب بيانات “بلومبرج” تراجع الشيكل أمام الدولار بنسبة 14% خلال العام الجاري.
وأدى استدعاء الحكومة الإسرائيلية لـ 350 ألف من جنود الاحتياط، إلى تخفيض 8% من قوة العمل، ويكبد الإغلاق الجزئي لاقتصاد إسرائيل نحو 2.5 مليار دولار شهريا.
وحذرت وكالات التصنيف الائتماني من خفض تصنيف إسرائيل لأول مرة على الإطلاق، ومنذ 7 أكتوبر الماضي والأسهم الإسرائيلية هي الأسوأ أداء بالعالم، حيث هبطت بورصة “تل أبيب” بنسبة 16% بما يعادل 25 مليار دولار.
تل أبيب تخسر 40 مليار دولار
حيث بلغت خسائر بورصة تل أبيب نحو 40 مليار دولار منذ آخر جلسة تداول في 5 أكتوبرالماضي قبل اندلاع “طوفان الأقصى”، وحتى إغلاق جلسة 23 أكتوبر، بحسب بيانات “بلومبرغ”.
ومنذ 7 أكتوبر سجل الشيكل الإسرائيلي أدنى مستوى له أمام الدولار منذ مارس 2009، وأعلن المركزي الإسرائيلي عن حزمة مساعدات لدعم عملته بقيمة 45 مليار دولار.
وتوقع بنك جي بي مورغان انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% هذا الربع على أساس سنوي، وتشير توقعات إلى أن تصل تكلفة الحرب على غزة 27 مليار شيكل بما يعادل 1.5% من اقتصاد إسرائيل.
ومنذ بداية الحرب بين قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وحركة المقاومة الفلسطينية حماس وفاتورة خسائر الاحتلال الاقتصادية تتصاعد يوماً بعد آخر.
وتستمر تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية داخل “إسرائيل” وهذا التردي نتج عنه نقص في السلع الغذائية داخل الأسواق مع استمرار هروب المستثمرين والسياح وحتى العمال الأجانب، وتهاوي عملة الشيكل والبورصة وأسواق المال.
وقدر وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، التكلفة المباشرة للحرب بنحو مليار شيكل (246 مليون دولار) يومياً لـ”إسرائيل“، أي ما يعادل 5 مليارات و412 مليون دولار، منذ بداية ملحمة “طوفان الأقصى” حتى اليوم.
فوضى اقتصادية شاملة في إسرائيل
وبحسب المحلل الاقتصادي الإسرائيلي، جوزيف زعيرا، فإن الاقتصاد مقبل على ركود لا محالة، مع تراجع الإنتاجية المتوقع وكلفة الحرب الكبيرة على اقتصاد البلاد.
وهذا ما أكده موقع “ذي ماركر” الاقتصادي الإسرائيلي الملحق الاقتصادي لصحيفة “هآرتس”، عن معلومات تفيد بأن “إسرائيل دخلت الحرب، وهي في حالة ركود، والتجارة صفر حالياً”.
فيما تفيد صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، بأن احتمال نشوب حرب طويلة الأمد، من الممكن أن يؤدي إلى فوضى اقتصادية شاملة في إسرائيل إضافة إلى وقوع خسائر بشرية مُدمرة.
وقالت الصحيفة إن “تل أبيب” تواجه ضربة جديدة لاقتصادها ومع استدعاء نحو 360 ألف جندي احتياط، ازدادت الحاجة إلى تجهيزات وغذاء ومأوى، إضافةً إلى أنهم تركوا وظائفهم في الشركات من أجل التعبئة العسكرية، الأمر الذي أدّى إلى تعطيل الأعمال التي كانت تقوم عليها، وتوقفت أجزاء كبيرة في الاقتصاد لدى الاحتلال الإسرائيلي.
وحذر تحليل أجرته وكالة “بلومبيرغ”، من أن التراجعات التي يشهدها الشيكل، قد تستمر لفترة أطول مع غياب أي حلول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويأتي ذلك فيما يسجل سعر صرف الشيكل الإسرائيلي أطول سلسلة خسائر منذ 39 عاماً أمام الدولار.
ووسط ظروف الحرب الشرسة على قطاع غزة، تتوقع تقارير أن تضطر البنوك الإسرائيلية إلى زيادة مخصصاتها لتغطية الديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها والخسائر في سوق المال، بسبب هروب المستثمرين الأجانب وسحب الودائع والإقبال على شراء الدولار وتخزينه.
وتهدد ملحمة طوفان الأقصى الواردات التي يستقبلها الاحتلال الإسرائيلي عبر الموانئ على سواحل فلسطين المحتلة لم تكن الموانئ بمنأى عما يحصل، ففي 9 أكتوبر، أغلق ميناء عسقلان ومنشأة النفط التابعة له في “إسرائيل” بشكلٍ كامل.
خسائر إسرائيل في كافة القطاعات
فيما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية في 22 من الشهر أكتوبر الماضي عن فراغ مرفأ حيفا من السفن الأجنبية، بالتزامن مع إخلاء المستوطنات في شمالي فلسطين المحتلة.
وتتوالى الخسائر في القطاعات الرئيسية لدى “إسرائيل”، حيث شهدت صناعة التكنولوجيا، التي تفتخر بها إسرائيل خسائر فادحة.
ويشكّل قطاع تكنولوجيا المعلومات، أكثر من نصف قيمة الصادرات الإسرائيلية البالغة 165 مليار دولار وأقدمت الشركات الكبرى على وقف أعمالها بسبب هروب بعض موظفيها واستدعاء بعضهم الآخر للجيش ما يعادل 10% من العاملين، وسط انخفاض قوتها العاملة من المديرين التنفيذيين المؤهلين بنسبة 10% إلى 15%.
وقالت شركة “إنفيديا” أكبر شركة مصنعة للرقائق المستخدمة في الذكاء الاصطناعي والرسومات الحاسوبية في العالم، إنها ألغت قمة الذكاء الاصطناعي التي كان من المقرر عقدها في “تل أبيب”.
ووصلت السياحة في إسرائيل إلى طريقٍ مسدود، وتجاوزت خسائر هذا القطاع الــ 6 مليارات دولار، حيث تتجنب السفن السياحية شواطئ “إسرائيل” ويلغي الناس زياراتهم.
في حين أوقفت شركات الطيران الكبرى رحلاتها من وإلى “إسرائيل”، وعلقت نحو 42 شركة طيران أميركية وكندية وأوروبية رحلاتها إلى الكيان، بما في ذلك رحلات الشحن.
أما القطاع الزراعي في إسرائيل فتزايدت الضغوط أيضا عليه خاصة وأن أكثر من 75% من الخضراوات المستهلكة لدى كيان الاحتلال تأتي من غلاف غزة، بحسب رئيس اتحاد المزارعين لدى الاحتلال، عميت يفراح.
وتأتي هذه التطورات في وقت سجل الاحتلال هروب الآلاف من العمال الأجانب بشكل فوري منذ 7 أكتوبر الماضي، وكشف تقرير بثه راديو “كان” التابع لهيئة البث والإذاعة الإسرائيلية، الجمعة الماضية، أن نحو 4 آلاف عامل أجنبي غادروا “إسرائيل” بسبب الحرب الدائرة الآن.
8805 شهيدا في فلسطين
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة إلى 8805 شهيدا.
وكشفت وزارة الصحة الفلسطينية، عن وصول عدد الجرحى الى 22240 أغلبهم من الاطفال والنساء.
هذا وكشف رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن مجازر الاحتلال خلفت أكثر من 10 آلاف بين شهيد ومفقود حتى الآن.
وأوضح ذات المتحدث، ان 2510 طلاب من مختلف المراحل التعليمية استشهدوا في قصف الاحتلال، كما شهدوا لأول مرة، منذ بداية العدوان خروج 70 جريحا للعلاج بالخارج.
من جانب اخر، افاد رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن الاحتلال الصهيوني دمر 82 مقرا حكومي. وعشرات المؤسسات الخدمية.
ووفق السلطات الإسرائيلية، سقط أكثر من 1400 قتيل في إسرائيل، في هجوم حركة المقاومة الفلسطينية حماس.
والجدير بالذكر أن استمرار الحرب ينذر بمزيد من الخسائر الاقتصادية للجانب الإسرائيلي الذي يعاني بالفعل من صراعات داخلية واسعة بين أحزابه السياسية منذ إعلان حكومة نتنياهو عن التشريع القضائي المثير للجدل، والذي يرى الكثيرون أنه يهدف لإضعاف السلطة القضائية.
وفقاً لبيانات الجيش الإسرائيلي، تم تعبئة 360 ألف جندي احتياطي وإجلاء 250 ألف إسرائيلي من منازلهم، ما أثر بشكل مباشر على حجم القوى العاملة المتاحة بالدولة لتكشف العديد من المزارع عن تضررها الشديد من نقص العمالة، هذا في الوقت الذي ألغت فيه العديد من شركات الطيران معظم رحلاتها إلى إسرائيل، ومنحت الشركات إجازة لعشرات الآلاف من موظفيها، بينما خلت المطاعم والمتاجر من العملاء، وتم إغلاق حقل رئيسي للغاز الطبيعي.
فجوة بالقوة العاملة في إسرائيل
وخفض البنك المركزي الإسرائيلي توقعاته لنمو الاقتصاد الذي يقدر حجمه بنحو 500 مليار دولار من 3 في المئة إلى 2.3 في المئة.
وتوقع عدد من خبراء الاقتصاد أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي للدولة العبرية بنحو 15 في المئة مقارنة بانخفاض بنحو 0.4 في المئة فقط خلال الحرب على غزة في عام 2014، و0.5 في المئة خلال الحرب مع لبنان عام 2006.
وفي ظل تصاعد الهجمات ودوي أجراس إنذار الاجتياح البري التي استدعت له إسرائيل مئات الآلاف من المجندين، حدثت فجوة بالقوة العاملة بين المطلوب والمتوفر، إضافة إلى اختلال سلاسل الإمداد بأسواق المواد الغذائية، كما تراجعت المعاملات النقدية بكروت الائتمان بنحو 12 في المئة على أساس سنوي خلال الأسبوع الماضي بجميع القطاعات ما عدا قطاع الغذاء.
وتخوض إسرائيل بالفعل قتالاً على مستوى منخفض على ثلاث جبهات إضافية لبنان والضفة الغربية وسوريا ومن شأن هذا الصراع الطويل متعدد الجبهات أن يجعل تعافي الاقتصاد الإسرائيلي أكثر صعوبة.
وعرضت وزارة المالية الإسرائيلية خطة مساعدات اقتصادية تتضمن منحا بقيمة مليار دولار للشركات المتضررة من الحرب، لكن الخبراء يرون أن تلك الخطوة ليست كافية في ظل الخسائر الهائلة المتوقعة من جراء الصراع.
وكانت وكالات التصنيف الائتماني الشهيرة، فيتش وموديز وستاندرد آند بورز، قد حذرت في الأيام الأخيرة من أن تصعيد النزاع قد يؤدي إلى خفض تصنيف الديون السيادية لإسرائيل، وتزامن ذلك مع هبوط الشيكل إلى أدنى مستوى له منذ 14 عاماً، ما دفع البنك المركزي الإسرائيلي لتخصيص 30 مليار دولار لدعم العملة المحلية.
وفي سوق الأسهم، بلغت خسائر مؤشر الأسهم القياسي نحو 10 في المئة منذ بداية العام.
أدى تلاحُق الرشقات الصاروخية المتكررة من جانب حركة حماس على تل أبيب إلى توقف أعمال البناء والتشييد بالكامل في المدينة، مع التزام عمال البناء بإجراءات أمان أشد حزماً، لكن توقف هذا القطاع الحيوي عن العمل يكبد الحكومة الإسرائيلية خسائر تصل إلى 37 مليون دولار (ما يعادل 150 مليون شيكل) يومياً.