أثار التحرك السياسي الذي حدث في النيجر منتصف يوليو 2023، وأطاح بالرئيس محمد بازوم ردودَ أفعال كبيرة وغاضبة خاصة من قبل فرنسا، التي دخلت في صدام موسع مع قادة التحرك، الذين رفعوا راية العصيان في وجه باريس، وسط دعم قوي من قبل مجموعة من دول غرب القارة الأفريقية الرافضين للتواجد الفرنسي والتدخل بشؤونهم مما زاد الوضع اشتعالا، وحذر العديد من المراقبين مما يعرف بأثر “أحجار الدومينو” حيث تنتقل عدوى الانقلابات من بلد إلى آخر.
آخر تطورات انقلاب النيجر
ومن جانبها، أعلنت وزارة الخارجية في حكومة النيجر الانتقالية يوم الخميس، عن إلغاء التأشيرات الدبلوماسية لسفير فرنسا في البلاد وأفراد عائلته. وقالت إن الشرطة تلقّت تعليمات بطرده من السفارة.
ويأتي هذا خلال ساعات بعد نهاية مهلة 48 ساعة، التي منحها المجلس العسكري لمغادرة السفير الفرنسي، عقب الانقلاب على سلطات الرئيس المنتخب محمد بازوم.
ونقلت وكالة الأنباء النيجرية الرسمية، عن خارجية النيجر قولها إن “السفير الفرنسي لم يعد يتمتع بالامتيازات والحصانات المرتبطة بوضعه كعضو في الطاقم الدبلوماسي للسفارة”.
وقال المصدر إن الوزارة أبلغت وزير الخارجية الفرنسي بأن “أجهزة الشرطة قد تلقت بالفعل تعليمات بتنفيذ طرده (من مبنى السفارة في نيامي)”.
ويوم الإثنين، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن سفير فرنسا لدى النيجر، لا يزال في منصبه، على الرغم من انتهاء المهلة التي منحها له المجلس العسكري الحاكم، لمغادرة البلاد.
وقال ماكرون في المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا في الخارج:”لقد واجه الدبلوماسيون الفرنسيون في الأشهر الأخيرة مواقف صعبة في بعض البلدان”.
قبل أن يضيف:”سواء في السودان، أو في النيجر في هذه اللحظة بالذات. وأحيي زميلكم وزملائكم الذين يتابعون هذا اللقاء من أماكن عملهم”. في إشارة إلى السفير الفرنسي في نيامي.
وانتهت مساء الأحد، المهلة التي منحتها السلطات الحاكمة في النيجر لسفير فرنسا سيلفان إيتي من أجل مغادرة البلاد.
وكانت وزارة الخارجية في الحكومة الانتقالية المعيّنة عقب انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب محمد بازوم، قد أمهلت السفير الفرنسي في 25 أوت الجاري، 48 ساعة لمغادرة البلاد.
ووفقا لما ذكرته وسائل إعلام محلية، فقد تم تشديد الإجراءات الأمنية حول السفارة الفرنسية في نيامي، بعد نهاية المهلة، ورفض فرنسا الاعتراف بقرار قادة الانقلاب في النيجر.
ونفى المجلس العسكري يوم السبت، ما تداولته وسائل إعلام حول إمهال سفراء ألمانيا والولايات المتحدة ونيجيريا 48 ساعة لمغادرة البلاد. وذكر المجلس في بيان أن ما تمّ تداوله عن اعتبار السفراء المذكورين أشخاصا غير مرغوب فيهم بالنيجر “لا يعكس الحقيقة”. مؤكدا في نفس الوقت اتخاذ نفس الإجراء تجاه سفير فرنسا سيفلان إيتي.
ويتعهّد المجلس العسكري في النيجر بالانتقال إلى الحكم المدني في البلاد في مدة أقصاها 3 سنوات. وهو ما ترفضه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس”، وتصرّ “إيكواس” التي تضمّ 15 بلدا بينها النيجر، على استمرار الرئيس المنتخب محمد بازوم في منصبه، كرئيس دستوري للبلاد. اقترح رئيس نيجيريا بولا تينوبو أمس الخميس، مرحلة انتقالية من تسعة أشهر تمهد لـ”عودة الديموقراطية” في النيجر.
ويأتي مقترح تينوبو – الذي يتولى الرئاسة الدورية لمجموعة إيكواس – على غرار ما فعلت نيجيريا في تسعينات القرن الماضي بعد الحكم العسكري.
مرحلة انتقالية في النيجر
وبحسب بيان للرئاسة النيجيرية فإن تينوبو “لا يرى سببا لعدم تكرار ذلك في النيجر، إذا كانت السلطات العسكرية في النيجر صادقة”. وأضاف أن نيجيريا عادت إلى الحكم المدني في عام 1999، بعد فترة انتقالية استمرت تسعة أشهر، حددها آنذاك الرئيس العسكري السابق للدولة الجنرال عبد السلام أبو بكر- الذي ترأس أيضا وفد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) للتفاوض مع المجلس العسكري في النيجر قبل أيام.
وفي الوقت نفسه، أكد تينوبو أن إيكواس لن ترفع العقوبات التي فرضتها على النيجر حتى يقوم العسكريون بـ “تعديلات إيجابية”.
ومن جانب آخر، أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، اليوم الخميس، أن رئيس النيجر المعزول محمد بازوم يرفض الاستقالة رغم الضغوط التي يتعرض لها.
كما عبر بوريل في مؤتمر صحافي بعد اجتماع لوزراء خارجية الدول الأوروبية من أجل بحث الانقلابات في إفريقيا سواء بالجابون أو النيجر، عن تضامنه مع باريس وبعثتها الدبلوماسية في نيامي.
وقال “وزراء الاتحاد الأوروبي اتخذوا قرارا بشأن عملية لوضع نظام عقوبات على قادة الانقلاب في النيجر”، متابعاً “نفضل الخيار الدبلوماسي لحل أزمة النيجر”.
من جانبه، قال وزير خارجية النيجر، حسومي مسعود، “نطلب من الاتحاد الأوروبي والدول الديمقراطية دعم رئيس النيجر المنتخب محمد بازوم”.
وتابع في اجتماع وزراء الخارجية في توليدو – غرب إسبانيا- أن الاتحاد الأوروبي يتمسك بشرعية رئيسنا المنتخب، فيما قال بوريل إن الحوار الشامل هو السبيل الوحيد لاحترام إرادة شعب الجابون، متابعاً إن “راودتنا شكوك كثيرة إزاء مصداقية انتخابات الجابون”.
ومن جانبه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والخبير الاستراتيجي، الدكتور طارق فهمي، إن السيناريوهات التي تحدث في النيجر والجابون هناك مسافات متشابهة وقواسم مشتركة بينهما وما تكرر في مالي وتشاد يتكرر في بوركينا فاسو والنيجر والجابون وبالتالي فإن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الخميس لمناقشة كيفية الرد على الانقلاب الذي وقع في النيجر والجابون لم يسفر عن شيء وسيكون هناك عقوبات وطرح لبعض الأفكار للتعامل مع أزمة الدولتين.
وأضاف فهمي في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن هناك خلاف بين فرنسا والاتحاد الأوروبي بشأن التعامل مع أزمة النيجر خاصة وأن الرد لن يكون مباشراً فضلا عن وجود تسويف بشأن النيجر وسعي قادة الانقلاب لترتيب الأوضاع وتشكيل مجلس انتقالي، متابعاً أن الأزمة ليست في العقوبات التي يمكن أن يفرضها الاتحاد الأوروبي وإنما فيما هو قادم، إذ أصبح الوضع في النيجر عبارة عن صراع دولي بين فرنسا وأمريكا ومجموعة فاجنر وبالفعل عجزت الولايات المتحدة الأمريكية عن اتخاذ أي إجراء وبالتالي عسكرة الأزمة في النيجر والجابون حول تساؤلات كثيرة.
واختتم أستاذ العلاقات الدولية قائلاً إنه لن تكون هناك حلول مباشرة وما جرى في تشاد ومالي نموذج يحتذى به فى استمرارية الحكم العسكرى والمجالس العسكرية فى البلدين ومن هنا لن يتخذ الاتحاد الأوروبي موقف حاسم بشأن أزمتي النيجر والجابون.