طواف الإفاضة ركن من أركان الحج المجمع عليها، ولا يتحلل الحاج التحلل الأكبر من دون أن يفعله، ولا ينوب عن طواف الإفاضة شيء البتة، ويؤديه الحاج بعد أن يفيض من عرفة، ويبيت بالمزدلفة، فيأتي منًى يوم العيد، فيرمي وينحر ويحلق، ويأتي مكة، ليطوف بالبيت الحرام طواف الإفاضة.
واتفق الفقهاء أن طواف الإفاضة من أركان الحج ولا يصح إلا به، لقوله سبحانه وتعالى: «وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» (سورة الحج:29»، وللحج أربعة أركان، هي: أولًا الإحرام، ثانيًا: الوقوف بعرفة، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «الحج عرفة»، ثالثًا طواف الإفاضة حوال الكعبة بعد الوقوف بعرفة، رابعًا السعي بين الصفا والمروة لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ فَاسْعَوْا».
ما هو طواف الإفاضة
طواف الإفاضة له خمسة أسماء؛ هي: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وطواف الفرض، وطواف الركن، وطواف الصدر، وذكر الإمام النووي في “المجموع شرح المهذب” (8/ 12) فقال: وأمَّا طواف الإفاضة فله أيضًا خمسة أسماء: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وطواف الفرض، وطواف الركن، وطواف الصدَر، -بفتح الصاد والدال- (وأما) طواف الوداع فيقال له أيضًا: طواف الصدر.
طواف الإفاضة في الحج
طواف الإفاضة يبدأ بعد طلوع الشمس يوم العيد عند أهل العلم، وأما الضعفاء من الشيوخ والنساء فيبدأ بعد نصف الليل ليلة عيد الأضحى عند جمعٍ من أهل العلم؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رخَّص للضّعفاء، فلهم أن يرموا في النصف الأخير من ليلة النحر، ولأتباعهم ومَن معهم كذلك على الصَّحيح.
واختلف أهل العلم في آخر موعد لطواف الإفاضة، فعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله أن من أخَّره عن أيام التشريق فعليه دم، وعند الإمام مالك إلى نهاية الشهر، لقوله عزَّ وجلَّ: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ» [البقرة:197] قال: الأشهر المعلومات هي شوال وذي القعدة وشهر ذي الحجة هذا عند الإمام مالك، وعند الإمام أبي حنيفة والشافعي أنه وقته موسع حتى ولو بعد خروج وقت شهر ذي الحجة، ويجوز جمعه مع طواف الوداع وليس على الحج دم.
طواف الإفاضة قبل رمي الجمرات
من المقرر شرعًا أن وظائف يوم النحر -أول أيام عيد الأضحى- للحاج المتمتع والقارن بالاتفاق، أربعة أشياء: رمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي أو ذبحه، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة، اتفق الفقهاء على أن مخالفة هذا الترتيب بأداء أي واحد من هذه الأربعة قبل الآخر لا يفسد الحج، ثم منهم من ذهب إلى صحة الحج مع عدم وجوب الدم -الذبح-؛ وهم الجمهور، ومنهم من ذهب إلى وجوب الدم مع صحة الحج.
وتقديم طواف الإفاضة على رمي جمرة العقبة هو جائز شرعًا عند الجمهور، وصححه المالكية مع إلزامه بدم، واستدل الجمهور بما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: زُرتُ قبل أن أرميَ؟ قال: «لا حَرَجَ»، قال: حلقتُ قبل أن أذبح؟ قال: «لا حَرَجَ»، قال: ذبحتُ قبل أن أرمي؟ قال: «لا حَرَجَ».
وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتاه رجلٌ يومَ النَّحرِ وهو واقف عند الجمرة فقال: يا رسول الله، حلقتُ قبل أنْ أرميَ؟ قال: «ارمِ، ولا حَرَجَ»، وأَتاه آخر، فقال: إني ذبَحتُ قبلَ أن أرْميَ؟ قال: «ارمِ ولا حرج»، وأتاه آخر، فقال: إني أفضْتُ إلى البيتِ قبل أَنْ أرميَ؟ قال: «ارْمِ ولا حَرَجَ»، قال: فما رأيتُه سُئِلَ يومئذٍ عن شيء إلا قال: «افعلُوا ولا حَرَجَ».
طواف الإفاضة للحائض
إذا حاضت المرأة قبل طواف العمرة أو طواف الإفاضة فإن لها أن تنتظر وقت انقطاع دمها خلال الحيض، أو تأخذ دواءً يمنع نزول الدم بما يسع زمن الطواف، ثم تغتسل وتطوف في فترة النقاء، ولا شيء عليها، فإن لم تفعل ولم ينقطع دمها ولم يمكنها الانتظار حتى تطهر فلها أن تطوف بعد أن تشد على نفسها ما تأمن به مِن تلويث الحرم، ولا إثم عليها؛ لأنها معذورة، ولحديث عطاء قال: «حاضت امرأةٌ وهي تطوف مع عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فأتمَّت بها عائشةُ بقيةَ طوافِها» ذكره ابن حزم في “المحلَّى”.
ويستحبُّ لها في هذه الحالة -الثانية- أن تذبح بدنة، ويجوز الاكتفاء بذبح شاة، فإن شقَّ عليها ذلك فلا حرج عليها ألَّا تذبح أصلًا؛ أخذًا بما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها وجماعة من السلف، واختار هذا الرأي مَن قال مِن الفقهاء إن الطهارة للطواف سُنَّةٌ أو واجبٌ تسقط المؤاخذة به عند العذر.
طواف الإفاضة مع طواف الوداع
يجوز جمع طواف الإفاضة مع طواف الوداع بنية واحدة بشرط عدم المكوث في مكة بعد الطواف إلا لجلب أغراضه من الفندق ويغادر مباشرة فلا يبيت فيها، طواف الوداع لا يكون إلا بعد إتمام أعمال الحج أو العمرة ومنها السعي فيكون آخر ما يفعله الحج، مشيرًا إلى أن الفقهاء اختلفوا في حكم طواف الوداع، فرأى جمهور العلماء أنه واجب، وقال المالكية وداود وابن المنذر وقول للإمام أحمد رضي الله عنهما: “إنه سنة؛ لأنه خُفِّفَ عن الحائض”.
والمالكية والحنابلة أجازوا الجمعَ بين طوافي الإفاضة والوداع في طواف واحد؛ بناءً على أن المقصود هو أن يكون آخر عهدِ الحاج هو الطواف بالبيت الحرام، وهذا حاصل بطواف الإفاضة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أُمِرَ الناسُ أن يكون آخرُ عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن الحائض» متفق عليه.
ويجب على من أدى طواف الوداع أن يغادر مكة مباشرة، ولا يجوز للحاج أن يذهب للشراء من المحال إلا للأكل أو الشرب أو بنزين السيارة، وهو ما يسمى «علف الدابة».
طواف الإفاضة فرض أم سنة
طواف الإفاضة من أركان الحج، ومن نسيه، وطاف طواف الوداع فهذا يقع بدلًا من طواف الإفاضة كما نص على ذلك الشافعية، وعلى من يؤدي الحج أن يعلم أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتحلل المحرم التحلل الأكبر إلا بفعله.
يعد الطواف أحد مناسك الحج والعمرة، التي يجب القيام بها، وحدد الفقهاء شروط الطواف الصحيح، وأنواعه، وحددت الشريعة الإسلامية أن يكون الطواف 7 أشواط حول الكعبة وله 3 أنواع.
وهناك للطواف ثلاثة أنواع، النوع الأول: طواف القدوم، ويسمَّى طواف القادم، وطواف الورود، وطواف الوارد، وطواف التحية، وطواف اللقاء، واختلف الفقهاء في حكمه على قولين: الأول: يرى أصحابه أنه سنة للقارن والمفرد القادمين من خارج مكة، وهو مذهب الجمهور من الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
أما الثاني: يرى أصحابه أنه واجب، فإذا لم يطف لزمه دم، وهو مذهب المالكية، والقول المختار هو قول الجمهور القائل بأن طواف القدوم سنة من فعله أثيب، ومن تركه لا شيء عليه؛ لقوله –تعالى-: «وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» (سورة النساء : 29) فالأمر في الآية مطلق وهو لا يقتضي التكرار.
والنوع الثاني: طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به باتفاق الفقهاء، ولا ينوب عنه شيء على القول المختار من أقوال الفقهاء.
أما النوع الثالث، فهو طواف الوداع، ويسمى طواف الصدر، لأنه يودع به البيت، ويصدر به عن البيت، ويسمى أيضًا طواف آخر العهد، فحين ينوي مغادرة مكة المكرمة، عليه أن يؤديه، وليس على من يؤدي العُمرة طواف الوداع على الصحيح من أقوال العلماء، ويجوز جمع طواف الوداع مع طواف الإفاضة، وحدد الفقهاء 6 شروط لـ طواف الوداع، ويجب على من أدى طواف الوداع أن يغادر مكة مباشرة، ولا يجوز للحاج أن يذهب للشراء من المحال إلا للأكل أو الشرب أو بنزين السيارة.
فضل الطواف حول الكعبة البيت الحرام
وردت أحاديث عن فضل الطواف بالبيت الحرام ومنها ما رواه الإمام أحمد (4462) -واللفظ له-، والترمذي (959)، والنسائي (866) عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال عن استلام الحجر الأسود والركن اليماني في الطواف: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اسْتِلَامَهُمَا يَحُطُّ الْخَطَايَا» وقَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ طَافَ أُسْبُوعًا، يُحْصِيهِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ: كَانَ لَهُ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ».
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَدَمًا وَلَا وَضَعَهَا: إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ» حسنه أحمد شاكر والأرناؤؤط في تحقيق المسند، ولفظ الترمذي: «لا يَضَعُ قَدَمًا وَلَا يَرْفَعُ أُخْرَى : إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطِيئَةً، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً»، وقال السندي (فَهُوَ) أَيْ الطَّوَاف «كَعَدْلِ رَقَبَة» أَيْ مِثْل إِعْتَاق رَقَبَة فِي الثَّوَاب.
كيفية الطواف حول الكعبة
شروط الطواف
الطواف يكون 7 أشواط حول الكعبة ويشترط له 6 شروط وهي: أولًا: الطَّهَارَة مِنْ الْحَدَثِ الأكبر والأصغر، فلا يجوز من الحائض، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ، إلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ». رواه الترمذي (960)، وثبت في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة لما حاضت: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي».
الشرط الثاني: أن يبدأ الطواف من الحجر الأسود وينتهي إليه، والثالث: أن تكون الكعبة على يسار مَن يطوف حولها، والرابع: أن يكون الطواف حول الكعبة، فمن طاف داخل حجر إسماعيل، لم يصح طوافه، لأن حجر إسماعيل من الكعبة، والشرط الخامس أن يكون الطواف سبعة أشواط كاملة، وعند الشك في عدد الأشواط، يُبنى على العدد الأقل.
الشرط السادس: الموالاة بين الأشواط السبعة -في طواف الوداع – شرط عند الإمامين مالك وأحمد فإن فرق بين أجزائه استأنف إلا أن يكون يسيرًا ولو لغير عذر أو كثيرًا لعذر، ويرى الحنفية والشافعية أن الموالاة بين أشواط طواف الوداع سنة فلو فرق تفريقًا كثيرًا بغير عذر لا يبطل طوافه ويبنى على ما مضى منه، والأرحج أنه يجوز الاستراحة بين الأشواط.
الطواف في غير الحج والعمرة
يجوز شرعًا لمن أراد التطوع بالطواف أن يطوف أيَّ عددٍ شاء من الأشواط، ويستحب له أن يكون العدد وترًا؛ سواء زاد على السبعة أشواطٍ أو نقص عنها، ولا يشترط أن يتم طوافه سبعًا، وإن كان الأوْلى إتمام السبعة خروجًا من خلاف السادة المالكية الذين اشترطوا في صحة الطواف أن يكون سبعة أشواط تامة.
ويُباح قطع طواف التطوع وليس الفرض -الإفاضة- وعدم استكماله بسبب شدة الازدحام، لأنه نافلٌة وليس واجبًا على الحاج، هذا هو مذهب الشافعي وأحمد وهو الراجح، بينما يرى الأحناف والمالكية وجوب إكمال الطواف بعد الشروع فيه.
طواف الإفاضة من أركان الحج، وهو التعبدُ لله تعالى بالدوران حول الكعبة المشرفة على صفةٍ مخصوصةٍ، وهو عبادةٌ مشروعةٌ، قال الله تعالى: «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» [الحج: 29]، وقال سبحانه: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» [البقرة: 125].
حكم الموالاة في الطواف
يشترط في الطواف الطهارةُ من الحدث الأصغر والأكبر عند جمهور الفقهاء، وطهارة الثوب والبدن من النجاسة، وستر العورة؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَطوفُ بالبيت عُريَان» [أخرجه: مسلم]، وأن يطوفَ سبعة أشواط مبتدأ من الحجر الأسود جاعلًا البيت عن يساره.تشترط الموالاةُ بين الأشواط عند المالكية والحنابلة، فإن حصل فاصلٌ طويلٌ أثناء الطواف فعليه أن يعيد طوافه من بدايته مرةً أخرى عندهم، فإن لم يُعِد وبنى على ما مضى من أشواط فطوافه صحيح عند الحنفية والشافعية.
سنن الطواف
الاضطباع: وهو أن يجعل المحرم وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، ليكون منكبه الأيمن مكشوفًا، والرَّمَل: في الأشواط الثلاثة الأولى والمشي في الأربعة الباقية، وهو خاص بالرجال. (والرمل هو الإسراع في المشي مع تقارب الخُطى).
واستلام الحجرِ الأسود وتقبيله: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال له: «يَا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ، فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» [أخرجه أحمد] واستلام الركن اليماني بيده إن استطاع، والدعاء في الطواف بما يشاء من الأدعية.
طواف الوداع للحائض
طواف الوداع يشترط فيه الطهارة كالصلاة، إلا أنه أبيح في الطواف الكلام، فالطهارة شرط لصحة الطواف، فلا يصح من الحائض طواف الوداع حتى تطهر ثم تغتسل، فقد ثبت في الصحيحين: أن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، حتى جئنا سَرِف فطمِثت، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: “مالك؟ لعلك نفست”، فقلت: نعم، قال: “هذا شيء كتبه الله عز وجل على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري”، وفي رواية لمسلم: “فاقضي ما يقضي الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي».
وإذا حاضت المرأة قبل طواف العمرة أو طواف الإفاضة فإن لها أن تنتظر وقت انقطاع دمها خلال الحيض، أو تأخذ دواءً يمنع نزول الدم بما يسع زمن الطواف، ثم تغتسل وتطوف في فترة النقاء، ولا شيء عليها، فإن لم تفعل ولم ينقطع دمها ولم يمكنها الانتظار حتى تطهر فلها أن تطوف بعد أن تشد على نفسها ما تأمن به مِن تلويث الحرم، ولا إثم عليها؛ لأنها معذورة، ولحديث عطاء قال: «حاضت امرأةٌ وهي تطوف مع عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فأتمَّت بها عائشةُ بقيةَ طوافِها» ذكره ابن حزم في “المحلَّى”.
ويستحبُّ لها في هذه الحالة -الثانية- أن تذبح بدنة، ويجوز الاكتفاء بذبح شاة، فإن شقَّ عليها ذلك فلا حرج عليها ألَّا تذبح أصلًا؛ أخذًا بما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها وجماعة من السلف، واختار هذا الرأي مَن قال مِن الفقهاء إن الطهارة للطواف سُنَّةٌ أو واجبٌ تسقط المؤاخذة به عند العذر.
حكم الشك في عدد أشواط طواف الوداع
الشك في عدد أشواط الطواف إما أن يكون قبل الفراغ من الطواف أو بعد الفراغ منه، أولًا: الشك في عدد أشواط الطواف قبل الفراغ منه: لو شك الطائف في عدد أشواط السعي وهو في أثناء السعي بنى على اليقين؛ وهو الأقل عند جمهور الفقهاء، وهذا ما عليه الفتوى، فلو شك أنه في الشوط الخامس أو الرابع يبني على الأقل هو الرابع ويكمل بقية أشواط الطواف.
وقال الإمام النووي الشافعي في “المجموع شرح المهذب” (8/ 21): «وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الطَّوَافِ أَوْ السَّعْيِ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ، وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الأكثر لزمه الأخذ بالأقل المتيقن» وعرضت قول الإمام ابن قدامة الحنبلي في “المغني” (3/ 344): «وَإِنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الطَّوَافِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَمَتَى شَكَّ فِيهَا وَهُوَ فِيهَا، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ كَالصَّلَاةِ».
ثانيًا الشك في عدد أشواط الطواف بعد الفراغ منه: الشك في عدد أشواط الطواف بعد الفراغ من الطواف لا يلتفت إليه عند الجمهور، وسوَّى المالكية بينه وبين ما إذا كان الشك في أثناء الطواف، وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي (3/ 378): [وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ -أي عدد أشواط الطواف- بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلاةِ].
طواف الوداع سنة ام فرض
هناك رأيان فقهيان في هل طواف الوداع فرض ام سنة الأول: أن طواف الوداع واجب، ومن يترك طواف الوداع عليه دم أقلّه ذبح شاة تذبح في الحرم، وتوزع على الفقراء من أهله، وبإمكان الشخص توكيل من يقوم بذلك نيابة عنه، والقول الثاني: أنه سنة، وهو قول الإمام مالك، وداود، وابن المنذر، وأحد قولي الشافعي، وهو ما عليه الفتوى بدار الإفتاء المصرية؛ تيسيرًا على الحجاج ورفعًا للحرج عنهم.
ويجوز جمع طواف الإفاضة مع طواف الوداع بنية واحدة بشرط عدم المكوث في مكة بعد الطواف إلا لجلب أغراضه من الفندق ويغادر مباشرة فلا يبت فيها، طواف الوداع لا يكون إلا بعد إتمام أعمال الحج أو العمرة ومنها السعي فيكون آخر ما يفعله الحج، مشيرًا إلى أن الفقهاء اختلفوا في حكم طواف الوداع، فرأى جمهور العلماء أنه واجب، وقال المالكية وداود وابن المنذر وقول للإمام أحمد رضي الله عنهما: “إنه سنة؛ لأنه خُفِّفَ عن الحائض”.
والمالكية والحنابلة أجازوا الجمعَ بين طوافي الإفاضة والوداع في طواف واحد؛ بناءً على أن المقصود هو أن يكون آخر عهدِ الحاج هو الطواف بالبيت الحرام، وهذا حاصل بطواف الإفاضة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أُمِرَ الناسُ أن يكون آخرُ عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن الحائض» متفق عليه.
دعاء الطواف حول الكعبة
ينصح العلماء بأن يأتي الحاج أو المعتمر إلى باب الملتزم بالكعبة المشرفة ويقع ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، ويضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه عليه، ثم يقول: «اللَّهُمَّ البَيْتُ بَيْتُك، وَالعَبْدُ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبدِكَ وابْنُ أمَتِكَ، حَمَلْتَنِي علىٰ ما سَخَّرْتَ لي مِنْ خَلْقِكَ، حتَّىٰ سَيَّرْتَني فِي بِلادِكَ، وَبَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ حتَّىٰ أعَنْتَنِي علىٰ قَضَاءِ مَناسِكِكَ، فإنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فازْدَدْ عني رِضًا، وَإِلاَّ فَمِنَ الآنَ قَبْلَ أنْ يَنأىٰ عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، هَذَا أوَانُ انْصِرَافي، إنْ أذِنْتَ لي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ وَلا بِبَيْتِكَ، وَلا رَاغِبٍ عَنْكَ وَلا عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فأصْحِبْنِي العافِيَةَ في بَدَنِي، وَالعِصْمَةَ في دِينِي، وأحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طاعَتَكَ ما أبْقَيْتَنِي، واجْمَعْ لي خَيْرَي الآخِرةِ والدُّنْيا، إنَّكَ علىٰ كُلّ شَيْءٍ قدِيرٌ» قال ابن علاّن: أخرجه البيهقي بسنده إلى الشافعي.
و«يفتتحُ الحاج هذا الدعاءَ ويختمه بالثناء علىٰ اللّه سبحانه وتعالىٰ، والصلاة علىٰ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-، وإن كانت امرأة حائضًا استحبّ لها أن تقف علىٰ باب المسجد وتدعو بهذا الدعاء ثم تنصرف».