أكد الشيخ صفوت محمد عمارة، من علماء الأزهر الشريف، أنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ ميَّز الثلث الأخير من شهر رمضان وجعل فيه الأجر مُضاعف أضعافًا كثيرةً، وهذا يستدعي من المسلم أن يحسن استقبالها واغتنامها، وأن يجتهد ويكثر فيها من الأعمال الصالحة، ولقد فرق العلماء في الأفضلية بين ليالي العشر الأواخر من رمضان وأيام العشر من ذي الحجة؛ فقالوا إن ليل رمضان أفضل من ليل ذي الحجة بسبب القرآن والقيام، ونهار ذي الحجة أفضل من نهار رمضان بسبب مناسك الحج.
وقال «عمارة»، خلال خطبة الجمعة اليوم، إنَّ النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، كان يجتهد في العشر الأواخر من شهر رمضان ما لا يجتهد في غيرها، ويخصها عن بقية الشهر بمزيدٍ من الطاعة والعبادة؛ فقد وصفت السيدة عائشة رضي اللَّه عنها، حال النبي في العشر الأواخر قائلةً: «كان يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» [رواه مسلم]، وفي الصحيحين عن عائشة رضي اللَّه عنها، أنها قالت: «كان النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» [رواه البخاري]، وزاد [مسلم]: «وجدّ وشدّ المئزر»، وفيه كناية عن الاستعداد للعبادة، وإشارة للجد والاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان، ولا يشغله شيء عنها من أمور الحياة، وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء، وترك الجماع.
وأشار صفوت عمارة، إلى إتفاق جمهور العلماء على وقوع ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان؛ لكثرة الأحاديث الواردة في التماسها في الثلث الأخير من رمضان، واختلف العلماء في تعيينها؛ فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر، والصحيح أنها في العشر الأواخر دون تعيين، لحديث عائشة رضي اللَّه عنها، أنّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر» [رواه البخاري ومسلم]، وفي رواية: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر» [رواه البخاري]، أي: ابذلوا جهدكم وحرصكم في طلب ليلة القدر وهي في الوتر، وأكثرهم على أنها ليلة السابع والعشرين، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تطلب في جميع ليالي العشر أشفاعه وأوتاره، فإن كان الشهر ناقص كانت ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر، وإن كان الشهر تام كانت ليلة القدر في أشفاع العشر الأواخر، وهذا يوجب علينا الاجتهاد في جميع ليالي العشر.
وأوضح «عمارة»، أنّ الحكمة من إخفاء ليلة القدر عن الناس حتى يعظموا جميع ليالي العشر الأواخر في نفوسهم، كما أخفى اللَّه سبحانه اسمه الأعظم حتى يعظم المسلم كل أسمائه؛ فكان إخفاء موعد ليلة القدر حتى يكون تعظيمها في النفس أبلغ وأشد تأثيرًا؛ فمن قام ليلة القدر غفر اللَّه له ذنوبه السابقة، ومن حرم خيرها فقد حرم الخير كله؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم].