“قيادة شجاعة ومتبصرة، والتطور الأبرز في العلاقات المغربية الإسرائيلية، يعود فيه الفضل إلى القيادة الشجاعة والمتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، عندما أعلن انضمام المملكة إلى اتفاقيات أبراهام” .. هكذا تحدث رئيس الكنيست الإسرائيلي، أمير أوحانا، عن ملك المغرب، وهو المسؤول الإسرائيلي ذو الأصول المغربية، والذي كان حديثه جزءا من مقاله نشره بجريدة “الأحداث المغربية“، بمناسبة زيارته للمغرب، ومن هنا بدأ الحديث عن عودة الجنسية المغربية لليهود الذين هاجروها منذ 80 عاما.
وكشف المسئول الإسرائيلي رفيع المستوى، أن هندسة الاتفاق التاريخي “اتفاقيات أبراهام”، والذي وسع دائرة السلام وقرب شعوب المنطقة، كانت ثمرة مجهود ثلاثي تمثلت أضلاعه في المملكة المغربية تحت قيادة الملك محمد السادس ورئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب والوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهنا نطرح القصة الكاملة لمقترح تجنيس إسرائيليين بجنسية دولة عربية.
مبادرة تشريعية .. هكذا كان بداية الحديث
وفقا لما نشرته الصحف المغربية، فقد أطلق عدد من النشطاء مبادرة في صيغة ملتمس في المجال التشريعي يسعى إلى منح أبناء وأحفاد اليهود المغاربة الجنسية المغربية، طبقاً لمقتضيات القانون رقم 64.14 بتحديد شروط وكيفيات تقديم الملتمسات في مجال التشريع كما تم تعديله، وجرى إطلاق هذا الملتمس عبر البوابة الوطنية للمشاركة المواطنة، ووضع نسخة منه لدى رئيس مجلس النواب المغربي، رشيد الطالبي العلمي، حيث يتطلب الملتمس جمع 20 ألف توقيع من أجل دراسته والبت فيه من طرف البرلمان داخل أجل ستين يوماً.
وقال الحسين بنمسعود، وكيل الملتمس، إن المبادرة تسعى إلى الحفاظ على الرابطة بين اليهود من أصل مغربي والملك المغربي ووطن آبائهم وأجدادهم من خلال إعادة الجنسية المغربية للأجيال التي فقدتها، وأضاف بنمسعود، في تصريح لصحيفة هسبريس المغربية، أنه بعد مغادرة الآباء والأجداد لم يتمكن الأبناء والأحفاد من الحفاظ على الجنسية المغربية، إما بسبب بعدهم الجغرافي أو للظروف السياسية أو الأمنية أو القانونية في بلد إقامتهم، والاقتراح التشريعي يجد أساسه الدستوري في الفقرة الثانية من تصدير الدستور، كما الفصلين 14 و71 منه.
هكذا جاء نص التشريع المقترح .. واهتمام إعلامي به
وحظى هذا المقترح باهتمام إعلامي مغربي، حيث نشرته العديد من صحف المغرب، وجاء نص الملتمس، على منح الجنسية المغربية لجميع اليهود المغاربة الذين سبق لهم أن تنازلوا عنها، ولجميع أولادهم وأحفادهم، على أن تتلقى المصالح الخارجية لوزارة الداخلية طلبات في هذا الصدد من المعنيين بالأمر داخل المغرب، ولدى المصالح القنصلية بالنسبة للمقيمين خارج البلاد.
كما يقترح الملتمس أن تنظر المحاكم الابتدائية في طلبات الحصول على الجنسية حسب آخر موطن للأب أو الجد؛ وتكون القرارات الصادرة عنها في هذا الشأن قابلة للطعن أمام محاكم أعلى درجة وأمام اللجنة الوزارية المقترح إحداثها لتتبع وتدبير طلبات الحصول على الجنسية، ويقترح أصحاب المبادرة أن تعمل الدولة على توفير مختلف التسهيلات والإمكانيات والموارد لإدماج أبناء وأحفاد اليهود المغاربة في الحياة الاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية والاجتماعية.
ليس الجنسية فقط … البحث عن حقوق مالية وثقافية
ويسعى أصحاب الملتمس أيضاً إلى إحداث هيئة وطنية مستقلة متمتعة بالشخصية المعنوية تعنى بالشؤون الدينية لليهود المغاربة، والعمل على استرجاع الحقوق الاقتصادية والمالية والثقافية للجالية اليهودية المغربية التي تم الإضرار بها عند مغادرتهم المغرب جماعةً.
وجرى وضع الملتمس التشريعي لدى مكتب مجلس النواب، ويأتي تزامناً مع زيارة بدأها رئيس البرلمان الإسرائيلي الكنيست أمير أوحنا، إلى المغرب، أمس الأربعاء، وذلك بناءا على دعوة من قبل رئيس البرلمان المغربي.
أول زيارة لرئيس الكنيست لدولة عربية
وكان واضحا أن تلك التحركات الخاصة بفكرة عودة بتجنيس إسرائليين بجنسية عربية، قد تزامنت مع وصول رئيس الكنيست الإسرائيلي، أمير أوحانا، إلى المغرب، أمس الأربعاء، في أول زيارة لمسؤول إسرائيلي بمنصبه تلبية لدعوة وجهها له رئيس مجلس النواب المغربي رشيد الطالبي العلمي، وهى الزيارة التي تهتم بها إسرائيل بشكل كبير، إذ صرح أمير أوحانا في تعليقه على زيارته بأن التاريخ يتشكل أمام أعيننا وهو يزف بشرى تعزيز وتوطيد العلاقات بين البلدين والتقارب بين الشعبين وتوسيع دائرة السلام.
فيما قال الكنيست في بيان إن “هذه الزيارة بالغة الأهمية هي الأولى من نوعها، وهي أول دعوة رسمية لزيارة ثنائية تم توجيهها لرئيس الكنيست من قبل رئيس مجلس نواب دولة إسلامية بشكل عام والمملكة المغربية بشكل خاص، وأشار البيان إلى أنه كجزء من الزيارة، من المتوقع أن يلتقي رئيس الكنيست مع نظيره المغربي، مع رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية المغربية الإسرائيلية ومع أعضاء آخرين في مجلس النواب.
المغرب ضمن الموقعين على اتفاقية أبراهام في 2020
في 2020، وتحت رعاية الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وقعت الإمارات والبحرين والمغرب اتفاقيات تطبيع العلاقات مع الدولة الإسرائيلية، في اتفاقية روجت لها إسرائيل وأمريكا على أنها “اتفاقية أبراهام”، وهو ما أعلنه الرئيس الأمريكي ترامب عنها في أغسطس، وجاءت التسمية وفق الإعلام الأمريكي والإسرائيلي، تيمنا بالنبي إبراهيم الذي يُعتبر أبو الديانات الثلاثة، أي اليهودية والمسيحية والإسلام.
وجاءت تلك الاتفاقية، بعد تحركات كبيرة قامت بها الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس ترامب، من أجل فرض التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، وكانت حصيلة تلك الجهود انضمام 3 دول عربية دفعة واحدة للتطيع مع الكيان الإسرائيلي، والملفت في تلك الدول، أنها جميعا ليس لها حدود مع إسرائيل، بل وأنها من الدول المتطرفة في جناحي الدول العربية.
10% من المغاربة وقت هجرتهم إلى إسرائيل
وبالعودة لليهود المغاربة، والذي تسعى جهة ما لتجنيسهم داخل دولة عربية بجانب جنسيتهم الإسرائيلية، فتلك الشريحة هم المغاربة الذين يعتنقون الديانة اليهودية، وعلى الرغم أن العديد منهم قد هاجروا، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون بمعابدهم الدينية الأثرية، بالإضافة إلى الأحياء القديمة التي كانوا يعيشون فيها المعروف بالملاح.
وكان عدد المغاربة اليهود في حدود 250 ألف عام 1940، وكان ذلك الرقم يمثل نسبة 10% من مجموع سكان البلاد، ثم بدأت بعد ذلك هجراتهم إلى مختلف بقاع العالم ككندا والولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية بما في ذلك إسرائيل، إلا أنه ظل لديهم ارتباط بثقافة بلدهم الأصلي حتى بين أفراد الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين، وظل العديد منهم يحتفظ إلى جانب الجنسية بالجواز السفر المغربي.
ويوجد نحو 36 معبدا يهوديا في المغرب وعدد هام من الأضرحة والمزارات اليهودية في مختلف المناطق المغربية أشهرها في فاس (كنيس دنان)، الصويرة، وزان، مراكش، تارودانت، صفرو، وجدة وتطوان، والتقديرات الحالية حول عدد المغاربة اليهود المقيمين حاليا داخل المغرب، غير معروفة بدقة، تشير بعض الدراسات إلى حوالي 70 ألف، منهم 10 آلاف يهودي يتوزعون في المدن المغربية الرئيسية وبالذات في الدار البيضاء نصفهم فقط هو المقيم بشكل دائم في المغرب أما النصف الثاني فلديه إقامة ثانوية فقط في المغرب.
ولليهود في المغرب نشاط كبير سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي، فقد كان يشارك في السلطة المغربية عدد من اليهود نذكر منهم سيرج بيرديغو الذي كان وزيرا للسياحة، وكان للملك الحسن الثاني مستشار لشؤون الاقتصادية يهودي يدعى أندريه أزولاي والذي ما زال يشغل نفس المنصب في فترة حكم الملك محمد السادس، وفي عام 1986 تم تعيين النائب اليهودي في البرلمان (جو أوحنا) في البرلمان المغربي عن منطقة الصويرة وأمينا لصندوق رئاسة البرلمان.