دخل شهر ذي القعدة منذ ساعات بل وانقضى أول أيامه، ولايزال هناك من يتساهلون في الفرائض ويستهينون بالمعاصي، وحيث إن شهر ذي القعدة هو أحد الأشهر الحُرم ، فهذا ما يطرح السؤال عن عقوبة تأخير الصلاة المكتوبة في ذي القعدة ؟، التي تعد ثاني أركان الإسلام الخمسة، ولا ينبغي التفريط فيها بأي حال من الأحوال، وورد الحث بالمحافظة عليها في القرآن الكريم، فقال تعالى: « حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ » الآية 238 من سورة البقرة، ولعل معرفة عقوبة تأخير الصلاة المكتوبة في ذي القعدة ؟ أحد المسائل التي تجعل من يؤخرونها يعيدون حساباتهم.
عقوبة تأخير الصلاة المكتوبة في ذي القعدة
قال الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية ، عن عقوبة تأخير الصلاة المكتوبة في ذي القعدة ، إن تأخير الصلاة المكتوبة يخالف السُنة ، منوهًا بأن ذلك من الأعمال المنكرة المخالفة لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، التي يأثم فاعلها، لذا فإن على من قام بذلك لغير سبب أو علة شرعية المبادرة في طلب المغفرة والعفو من الله تعالى، مع المداومة على أداء الصلاة في وقتها بعد ذلك.
وأوضح في مسألة تأخير الصلاة المكتوبة في ذي القعدة ، أن الصلاة تخرج عن وقتها إذا أذن للصلاة التالية فيكون عليه أن يصلي الفائتة قضاءً قبل أداء الصلاة الحاضرة إلا إذا وجد صلاة الجماعة قائمة فإنه يجوز له أن يدخل معهم في صلاة الحاضر ثم يصلي القضاء بعد الفراغ منها .
وتابع: وعن عقوبة تأخير الصلاة المكتوبة في ذي القعدة ، فقد ورد فيها أنه يحرم تأخير الصلاة المكتوبة عن وقتها إلا من عذر شرعي كالنوم والنسيان ، وينبغي على من فاتته صلاة بعذر صلاها النائم إذا استيقظ والناس إذا تذكر، فإن كان الفوت بغير عذر شرعي كان آثمًا وعليه القضاء والتوبة من ذنب تضييع وقت الصلاة، وتكون التوبة بالندم والعزم على عدم تأخير الصلاة عن وقتها.
وأضاف أنه تأتي الصلاة في وقتها من أحب الأعمال إلى الله تعالى ويزيد فضلها في شهر ذي القعدة باعتباره أحد الأشهر الحُرم، التي هي خير الأيام إلى الله تعالى، والتي يتضاعف فيها ثواب الأعمال، وبناء عليه فإن من عقوبة تأخير الصلاة المكتوبة في شهر ذي القعدة الحرمان من فضلها المضاعف، فإذا كانت للصلاة المكتوبة عشرون فضل فإنها مضاعفة في شهر ذي القعدة كبقية الأشهر الحُرم، وبالتالي فالحرمان من فضلها مضاعف.
فضل الصلاة المكتوبة
ورد من فضل الصلاة المفروضة على حياة العبد، أنها سبب نجاحه وفلاحه، وصلة العبد بربه، فمن تمسّك بها نال رضى الرحمن ورحماته، فالصلاة هي قرّة عيون المحبّين، ولذة أرواح الموحّدين، ومحكّ أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين، ورحمة الله المهداة إلى عبيده، هداهم إليها وعرّفهم إياها رحمة بهم، وإكراماً لهم، لينالوا بها شرف كرامته، والفوز بقربه، لا حاجة منه إليهم، بل منة وفضلاً منه عليهم، وتعبّد بها القلب والجوارح جميعاً.
وقد جعل الله تعالى حظ القلب ونصيبه منها أكمل الحظين وأعظم النصيبين، إقبالا على ربه، وفرحاً وتلذذاً بقربه، وتنعماً بحبه وابتهاجاً بالقيام بين يديه، قال تعالى « وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ، وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ، الَّذين يظنّون أَنَّهم ملاقو ربّهم وأَنَّهم إلَيه راجعون»، والرسول صلى الله عليه وسلم، قال : وجعلت قرة عيني في الصلاة. فكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، ولما امتحن سبحانه عبده بالشهوات وأسبابها، اقتضت تمام رحمته به وإحسانه إليه أن هيأ له مأدبة قد جمعت من الألوان والأحوال تحفاً وِخِلَعاً وعطايا، ودعاه إليها كل يوم خمس مرات، وجعل في كل لون وحال لذة ومنفعة لتكمل عبوديته، وتعظم كرامته، وتكفَّر خطيئته، فلكل لون نوره، ولكل حال سروره، يجده المصلي قوة في قلبه، وعونا في جوارحه، وثوابا يخص كل فعل يوم لقاء ربه.
فضل الصلاة في وقتها
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «أَرأَيتْم لو أَّن نَهرا بَباب أَحِدكْم َيْغتَسل منه كَّل يَوم َخْمس مَّرات، هْل َيْبقَى ِمن دَرِنِه شيء؟ قالوا : لا َيْبقَى من دَرِنِه شيء، قاَل: فَذلَك َمثَلا للصلَوات الَخْمِس ، يْمحو اللَه بِهَّن الَخَطاَيا»، وقال صلى الله عليه وسلم الصلاةَ يوماً فقاَل: «من حافَظ علَيها كانت لَه نوراً وبرهاناً ونَجاة يوم القيامة»، ولما كان جدب الأرواح متتابعاً، وقحط النفوس متوالياً جدّد الله الدعوة إلى هذه المأدبة حيناً بعد حين، رحمة منه وفضلاً فلا يزال العبد مستسقياً من بيده غيث القلوب وسقيها، مستمطراً سحائب رحمته وريها، لأن لا ييبس ما أنبتته له من كلأ الإيمان وثمار الإيقان “، و َالله عز وجَّل أمَر يَحَيى بن زكِريا بَخمس كِلمات أن يعَمَلِ بها و يأمَرَ بني إسرائيَل أنَ يعملوا ِبها الحديث، وكان من ذلك أن قال: وإ َّن َالله أمركم بالصلاة فإذا َصلَّيتم فلا تَلتَفتوا فإن َالله ينِصب وجَهه لَوجِه َعبِدِه في َصلاِتِه ما لَمَ يلتَفْت.
كما جاء عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إنما يُكتب للعبد من صلاته ما عقل منها، فسرّ الصلاة وروحها ولبّها إقبال العبد على الله بكلِّيّته، فكما أنه لا ينبغي له أن يصرف وجهه عن قبلة الصلاة، فكذلك لا ينبغي له أن يصرف قلبه عن سيده ومولاه، فبيت الله قبلة وجهه، ورب البيت قبلة قلبه، فإذا أقبل على الله أقبل الله عليه، وإذا أعرض أعرض الله عنه.