قال الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إنه خلال الفترة من عام 1096م إلى عام 1291م قامت عدة مستوطنات صليبية على التراب العربي في فلسطين وأعالي بلاد الشام والجزيرة، وتعين على سكان هذه المنطقة العربية أن يدفعوا ثمنا فادحا لكي يقضوا على الكيان الصليبي من جهة، ويتصدوا للمشروعات والغارات الصليبية المتأخرة من جهة أخرى.
وأضاف جمعة عبر الفيسبوك : لم يدم الأمر لهؤلاء كثيرا; فقد دارت بينهم وبين المسلمين المعارك العنيفة; حتى قاد صلاح الدين الأيوبي ضدهم معركة حطين في 4 يوليو1187 م قرب قرية المجاودة، بين الناصرة وطبرية; حيث كان النصر حليف المسلمين فيها، وأبلى القائد صلاح الدين الأيوبي فيها بلاء حسنا، ووضع فيها الفرنجة أنفسهم في وضع غير مريح استراتيجيا في داخل طوق من قوات صلاح الدين أسفرت عن سقوط مملكة القدس وتحرير معظم الأراضي التي احتلها الصليبيون [النوادر السلطانية لابن شداد 1/131].
وتابعت: لما فتح صلاح الدين البيت المقدس أقام بظاهره إلى الخامس والعشرين من شعبان يرتب أمور البلد وأحواله، وتقدم بعمل الربط والمدارس، وأمر بإعادة الأبنية إلى حالها القديم، فإن من كان فيها من الفرنجة قد بنوا غربي الأقصى أبنية ليسكنوها، وعملوا فيها ما يحتاجون إليه من بناء ومستراح وغير ذلك، وأدخلوا بعض الأقصى في أبنيتهم فأعيد إلى الأول، وأمر بتطهير المسجد والصخرة من الأقذار والأنجاس، ففعل ذلك أجمع.
واكملت: عمر صلاح الدين المسجد الأقصى واستنفد الوسع في تحسينه وترصيفه وتدقيق نقوشه، وأحضر له من الرخام الذي لا يوجد مثله، ومن الفص المذهب القسطنطيني وغير ذلك مما يحتاج إليه، ومحا ما كان في تلك الأبنية من الصور، وكان الفرنجة قد فرشوا الرخام فوق الصخرة وغيبوها; فأمر بكشفها، ونقل إليها صلاح الدين المصاحف الحسنة، والربعات الجيدة، ورتب القراءة، وأدر عليهم الوظائف الكثيرة; فعاد الإسلام هناك غضا طريا، وهذه المكرمة من فتح البيت المقدس لم يفعلها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه غير صلاح الدين رحمه الله وكفاه ذلك فخرا وشرفا [انظر: الكامل لابن الأثير 5/178].
لقد كانت ما يسمى بالحروب الصليبية من أهم الأسباب التي عطلت قوى الإبداع والنمو في الحضارة الإسلامية، وبعد نهاية النضال ضد الفرنجة دخلت المنطقة العربية في منحنى التدهور والأفول.
كانت الحملات الصليبية ضد الشرق العربي أول المشروعات الاستعمارية الأوروبية، وأيضا كانت المرحلة التي سبقت مرحلة الاستعمار الحديث، وكانت من ناحية ثالثة إلهاما للتجربة الصهيونية ذات الأهداف الاستيطانية.