لا يزال التوتر قائما داخل روسيا على خلفية الانشقاق الذي وقع السبت بين صفوف مقاتليها داخل الأراضي الأوكرانية، بعد ما أعلن يفغيني بريغوجين قائد مجموعة فاجنر العسكرية الخاصة، التمرد والعصيان المسلح على الجيش الروسي بعد اتهامات باستهداف عناصر مجموعته وقتل الكثير منهم.
خيانة فاجنر وطعنة بوتين
ونجح رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو في احتواء الموقف وإعادة اللحمة للجبهة الروسية التي تقاتل في أوكرانيا من خلال لعب دور الوساطة ببن الجيش الروسي وفاجنر، وذلك بعد أن تسللت إليها الخلافات ودبت الفرقة بينها، لكن الحذر لا يزال قائما بعد تصرف يفغيني بريغوجين بالأمس وخروجه عن الجماعة بل وشرع في محاربة القوات الروسية، قبل أن يعود لصوابه.
وظهر يفغيني بريغوجين في مقاطع مصورة من داخل أحد مقار الجيش الروسي في مدينة روستوف جنوب روسيا، الذي يشكل مركزا أساسيا للهجوم على أوكرانيا، وهدد بالزحف نحو العاصمة موسكو وسط خلاف متصاعد تعود جذوره لشهور مضت بينه وبين القيادة العسكرية الروسية.
وطالب بريغوجين بحضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري جيراسيموف إلى روستوف، وإن اكتنف الغموض السبب وراء طلبه، معلناً السيطرة على جميع المواقع والمنشآت العسكرية والمطار بالمدينة.
ومع توالي البيانات والتصريحات من قبل قائد “فاجنر“، خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخطاب متلفز، ليكيل الاتهامات للرجل الذي طالما اعتمد عليه في كثير من العمليات العسكرية، سواء في داخل روسيا أو خارجها، وتوطدت علاقاتهما منذ مساعدته على ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014.
ووصف بوتين ما قام به بريغوجين بأنه “طعنة في الظهر” وخيانة لبلاده، متوعداً بسحق حركة التمرد ودعا الروس إلى الالتفاف حوله والوحدة في مواجهة العصيان المسلح.
وأعلن قائد فاجنر ترك مواقعه في باخموت شرق أوكرانيا، باللحظات الحاسمة قبل السيطرة على المدينة الاستراتيجية، بسبب ما وصفه بتقاعس الجيش الروسي عن تلبية طلباته بإمداده بالأسلحة والذخيرة، كما رفض مؤخراً دعوة بوتين للجماعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب صفوف بلاده للتوقيع على عقود تلزم عناصرها بالعمل تحت إمرة وزير الدفاع مع منحهم امتيازات العسكريين في صفوف الجيش الروسي.
ما يحدث هدية مجانية
وبينما ازدادت الأوضاع سخونة مع بدء القوات الروسية عملية لمكافحة الإرهاب، دخل الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، وهو حليف آخر لبوتين، على الخط وعرض إرسال قوات له للتصدي لتمرد فاجنر، مع ترقب كثير من دول لعالم لما سيتمخض عنه الصراع الذي انتقل من الحدود الروسية -الأوكرانية إلى داخل الأراضي الروسية، وهو ما وصفه مراقبون بأنه هدية مجانية لكييف التي استغلت الموقف، وأعلنت التقدم على عدة محاور على الجبهة الشرقية.
إلا أن رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، وهو حليف مقرب هو الآخر من بوتين، لعب دور الوساطة واستطاع إقناع بريغوجين بإنهاء العصيان المسلح عبر تسوية يغادر بموجبها إلى بيلاروس، مع ضمان عدم ملاحقته قضائياً وإتاحة إمكانية انضمام بعض مقاتلي مجموعته ممن لم يشاركوا في التمرد لصفوف القوات المسلحة الروسية والتعاقد مع وزارة الدفاع، وعودة قوات فاجنر إلى معسكراتها.
وبدوره، علق المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف على الأمر بأن جهود لوكاشينكو جاءت من منطلق تجنب إراقة الدماء والمواجهة الداخلية، علماً بأن قائد فاجنر أوضح أنه قبل بالعرض البيلاروسي حقناً للدماء في وقت كانت قواته على بعد 200 كم من موسكو.
وحرص بيسكوف على التأكيد على أن ما حدث خلال تمرد الساعات الـ 24 لن يؤثر بأي حال من الأحوال على مسار العملية العسكرية الخاصة، مشدداً على أن القوات الروسية تواصل بنجاح صد الهجوم الأوكراني المضاد.
وبعيداً عن احتواء الموقف وما سيتركه من انعكاسات؛ سواء على الحرب الروسية ضد أوكرانيا أو السياسات الروسية بشكل عام فيما يتعلق بالاستعانة بمجموعات عسكرية خاصة، يرى باحثون أن التحرك المفاجئ الذي قام به قائد فاجنر والصداع المستمر الذي سببه لبوتين على مدار الأشهر الماضية يوضح خطورة اعتماد الدول على المرتزقة.
فمن الممكن أن ينقلب السحر على الساحر فجأة، وتصبح هذه الجماعات المسلحة الخاصة شوكة في خاصرة الدول التي اختارت اللعب بورقتها، وتباغتها بسيناريوهات ربما تدخل تلك الدول في دوامات من العنف والاقتتال، ما يكبدها خسائر فادحة يعجز أعداؤها عن إلحاقها بها.
خطوة لإضعاف صورة بوتين
وفي هذا الصدد، قال الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، إن الخطوة التي اتخذتها مجموعة فاجنر بإعلان التمرد والعصيان العسكري ضد الجيش الروسي وإعلانها بأنها ستقوم بهجوم مسلح ضد موسكو هي خطوة من شانها اهتزاز صورة الرئيس بوتين بشكل كبير في روسيا.
وأوضح فارس ـ في تصريحات خاصة لـ “صدى البلد”، أن هذ الخطوة ستؤثر بشكل مباشر على مجمل الأوضاع في الحرب الروسية الأوكرانية على اعتبار أن هذه الخطوة ستؤدي إلي إضعاف الموقف الروسي وإظهاره بموقف الضعف في العملية العسكرية على اعتبار أن قوات فاجنر كانت رأس الحربة في العملية العسكرية الخاصة التي تتم في أوكرانيا.
وتابع: وهذه الخطوة من شأنها إظهار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الغرب والإدارة الأمريكية بموقف ضعيف وبأن هناك انقساما داخليا حادا في المؤسسة العسكرية الروسية.
وشهدت روسيا السبت محاولة تمرد مسلح أعلنه بريغوجين قائد فاجنر ضد القيادة العسكرية لبلاده، بعد أن اتهمها الجمعة بقصف معسكرات لقواته في أوكرانيا، ما أدى لمقتل عدد “هائل” من عناصر مجموعته شبه العسكرية.
وتعد تلك أكبر أزمة داخلية واجهها بوتين منذ بداية الحرب الأوكرانية في 24 فبراير 2022، ووصفها بوتين بـ”طعنة في الظهر” وخيانة نستوجب “عقابًا صارمًا”.
هذا ويمثل تمرد فاجنر أخطر تحد حتى الآن لحكم بوتين الطويل ويمهد لأكبر أزمة أمنية منذ توليه السلطة في أواخر عام 1999.
ماذا تعرف عن قوات فاجنر؟
هي قوات روسية منظمة شبه عسكرية، ظهرت في عام 2014، للمشاركة في الحرب في دونباس بأوكرانيا لمساعدة القوات الانفصالية التابعة للجمهوريات الشعبية دونيتسك ولوهانسك المعلن عنها ذاتيا، وهي مملوكة لرجل الأعمال يفغيني بريغوجين والذي كان صديقًا مقربا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وظهرت قوات فاجنر الروسية في سوريا عام 2015، حيث شاركت في الصراع السوري خلال السنوات الماضية، وتوسعت داخل سوريا حتى الآن.
قائد قوات (فاجنر) يفغيني بريغوجين أحد المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي عام 2014 أسَّس مجموعة (فاجنر) وهي شركة عسكرية روسية خاصة، وعلى خلفية الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022 الماضي، أصبح بريغوجين قائد المجموعة العسكرية الخاصة أكثر نفوذا كما زادت قة (فاجنر) حيثُ نما العدد التقديري للمقاتلين في صفوفِ المجموعة من عدة آلاف من المقاتلين في 2018 إلى نحو 50.000 مقاتل بحلول يناير 2023.