تضغط مؤسسات ووكالات التصنيف الائتماني الدولية على اقتصاديات الدول النامية للاستجابة لعدد من الإملاءات الخاصة بوضع العملة المحلية مقابل الدولار، ويظهر ذلك جليا من خلال ما تصدره من بيانات حول رؤيتها المستقبلية لاقتصاديات تلك الدول والتي تهدف منها سواء كانت إيجابية أو سلبية لاخضاع هذه الاقتصادات لرغبات وشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حتى وإن كانت على حساب المواطن البسيط.
وكالة موديز للتصنيف الائتماني
كشف مصدر مسؤول عن الأسباب وراء قرار وكالة موديز للتصنيف الائتماني، خفض تصنيف مصر السيادي من ((B3 إلى (Caa1) مع نظرة مستقبلية مستقرة، وفق بيان مساء الخميس.
وقال المصدر، قررت إحدى الوكالات تخفيض التصنيف الإئتماني لمصر؛ في خطوة تفسيرها الوحيد هو معاقبة القاهرة على عدم الالتزام بقرار تحرير سعر الصرف مجددا، وفي صفقة واضحة وانحياز أعمى، مبينا: “يأتي قرار خفض التصنيف الائتماني لمصر ليضع الإدارة المصرية في تحدي جديد، يمكن أن نسميه (الفقراء في مقابل التصنيف، بمن نضحي وعلى من نجور؟)، معقبا: “لكن الإدارة المصرية اختارت انحيازها، فضحت بالتصنيف وتوقفت عن إجراء كان من الممكن أن يحسن كثيرا من موقف مصر الاقتصادي دوليا”.
ولفت: “كان لدى مصر فرصة عظيمة للحصول على سمعة اقتصادية كبيرة، تضعها في تقارير تشيد وتؤكد تحسن الوضع الاقتصادي، خاصة أن تقديرات المنظمات الاقتصادية الدولية تشير إلى أن قرار تحرير سعر الصرف مجددا، سيعيد رفع احتياطيات النقد الأجنبي، ويخفف الضغوط عن الدولة، وهو أمر تسعى له كل الدول التي تعاني مثل مصر ، إلا أن الإدارة المصرية رفضت وتحفظت ورتبت الأولويات، المواطن أولا، ثم يأتي بعد هذا أي تحسن”.
وأشار المصدر: “وللحق فإن الرفض المصري ليس رفضا عنتريا ولا ممهورا بصبغة دفاع عن المواطن فحسب، بل هو يستند على حقائق اقتصادية وتحديات استطاعت الإدارة المصرية تجاوزها، فمن ثم أصبح لديها ما تتكئ عليه في رفض تحرير سعر الصرف مجددا، إذ حققت مصر ارتفاعا في الاحتياطي النقدي للشهر العاشر على التوالي، ليصل إلى 34 مليار دولار، دون أن تفرط في برامج الحماية الاجتماعية المقدمة للمواطن، بل على العكس تتوسع في شرائح الحماية الاجتماعية وفي المقدم لهم من خدمات”.
رفع الاحتياطي النقدي المصري
وقال: “تحافظ مصر أيضا على استمرار ارتفاع في الاحتياطي النقدي، في معادلة صعبة اجتازتها بنجاح، ما شجع الادارة المصرية على التمسك بموقفها، ولسان حالها يقول: (ما الذي يضيركم إذا حافظنا على النمو الاقتصادي والتزمنا بواجباتنا تجاه المواطن في كل فئات الدعم؟)”، موضحا: “حتى الآن لم تقدم المنظمات الاقتصادية الداعية لتحرير سعر الصرف في مصر مقابل عدم خفض تصنيفها الائتماني ما يبرر هذا الاصرار، يرون أن المواطن المصري لا يزال لديه القدرة على تحمل مزيد من الضغوط الاقتصادية في ظل وضع اقتصادي مضطرب في العالم كله”،
وأكد: “يقف الرئيس السيسي على رأس الإدارة المصرية مدافعا عن المواطن مؤكدا أن مزيد من تحرير سعر الصرف سيضر بالمواطن ولن ينفع أي إضرار بالمواطن في تنمية أي اقتصاد، لأن المواطنين هم وقود الدولة الحقيقي وثروتها التي لا تنضب، وهو ما ظهر جليا في خفض التصنيف الائتماني لمصر من قبل مؤسسة ستاندر أند بورز، والذي صدر في مارس الماضي، فلم تتأثر سندات الحكومة المصرية سلبا، وتم بيع طروحات للبنك المركزي المصري في 5 يونيو وأذون خزانة بلغت قيمتها 554 مليون دولار، بمتوسط عائد 5.14%”.
وأشار المصدر: “رغم أن قرار خفض التصنيف الإئتماني لمصر يرفع من أسعار فوائد القروض التي حصلت عليها بالفعل، أو ربما تحصل عليها مستقبلا، لكن ثمة أمل في الاقتصاد يظهر في تأكيد الإدارة المصرية أنها لن تستسلم لما هو مفروض عليها، وأنها ستظل تعمل على توفير الحماية للمواطن، وأيضا دعم الاقتصاد بحيث تستمر أسهمه في الصعود والحفاظ على ما حققه بالفعل في الفترة الأخيرة، خاصة أن تجارب كل الدول التي تم تخفيض تصنيفها الائتماني خلال العامين الماضيين من قبل موديز والتي وصلت إلى 14 دولة من عينة الارجنتين؛ البحرين؛ بنجلاديش؛ السيلفادور؛ غانا؛ هندروس؛ المجر؛ لبنان؛ الجبل الأسود؛ موزمبيق؛ نيجيريا؛ باكستان؛ سريلانكاو سورينام؛ تشير إلى أن ثمة متحكم في اقتصاديات هذه الدول”.
واختتم المصدر: “يظل خفض التصنيف الائتماني لمصر من قبل وكالة موديز وغيرها من وكالات التصنيف الائتماني؛ مؤشرا سلبيا في كل تعليقات الخبراء والاقتصاديين، لكنه مقارنة بوضع الصعود الاقتصادي في الاحتياطي النقدي المصري، ومقارنة بالمقابل الذي تعلي فيه الدولة مصلحة المواطن على مصلحتها القريبة، يظل القرار هو الأشجع والأقرب إلى قلوب المصريين، فلا صوت يعلو فوق صوت (المصريين)”.
خفص التصنيف الإئتماني لمصر
وأعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تخفيض تصنيف مصر من (B3) إلى (CAA1)، مع نظرة مستقبلية مستقرة، فيما تعد هذه المرة الثانية التي تخفض فيها موديز تصنيف مصر الائتماني خلال العام الحالي، إذ سبق في فبراير الماضي أن خفضته إلى (B3) من (B2).
وسبق أن قال الدكتور محمد معيط وزير المالية، إن قرار مؤسسة موديز باستمرار وضع التصنيف الائتماني السيادي لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية والنظرة المستقبلية تحت المراجعة السلبية لمدة ثلاثة أشهر إضافية، يعكس نظرتها المتوازنة للخطوات والإجراءات الإصلاحية الأخيرة المتخذة خلال الأشهر الماضية، ويُبدى تفهمها لما يواجه الاقتصاد المصري من صعوبات وتحديات خارجية وداخلية، تؤثر سلبًا على المؤشرات الاقتصادية الكلية، موضحًا أن الوزارة تعمل على تحقيق المزيد من الإصلاحات والإجراءات الهيكلية خلال الأشهر المقبلة للتعامل مع التحديات الراهنة، التي تواجه الاقتصاد المصري بصفة عامة وتلك التي أشار إليها تقرير “موديز”.
وأضاف الوزير معيط، أن مؤسسة “موديز”، التي وضعت التصنيف الائتماني السيادي لمصر قيد المراجعة السلبية خلال شهر مايو 2023، استندت في قرارها الأخير باستمرار المراجعة لثلاثة أشهر إضافية، على ما استطاعت أن تتخذه الحكومة المصرية مؤخرًا من إصلاحات هيكلية مهمة ومحفزة للاستثمار وداعمة لتحسين بيئة الأعمال وتمكين القطاع الخاص، لتعزيز دوره وزيادة مساهماته في النمو الاقتصادي.