أصدرت “دار سما للنشر” مؤخرا، كتابًا جديدًا، للكاتب الصحفي مصطفى بكري، بعنوان “3 يوليو.. لماذا انتصر الجيش لثورة الشعب؟”، ويتميز الكتاب بحجمه الكبير حيث يضم 23 فصلاً، ويمتد على 550 صفحة.
يتناول الكتاب أسباب ثورة 30 يونيو من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ويكشف دور الفئات الشعبية والقوى الطليعية في مواجهة حكم الجماعة الإرهابية، وإجهاض مخطط أخونة الدولة، وطمس هويتها.
كما يحتوي الكتاب على تفاصيل الساعات الحاسمة التي دفعت الجيش بقيادة القائد العام إلى حسم الأمر ودعوة القوى الوطنية لوضع خارطة المستقبل بعد رفض الرئيس المعزول الاستجابة لمطالب الشعب المصري.
وينشر موقع “صدى البلاد” خلال الأيام المقبلة، فصول من كتاب “3 يوليو.. لماذا انتصر الجيش لثورة الشعب؟”.
بدايات صادمة
لم يكن أحد يسعى إلى إفشال جماعة الإخوان التى وصلت إلى السلطة، وسيطرت على مفاصلها الرئيسية، صحيح أن فوز الإخوان بمنصب الرئيس أحدث صدمه واسعة فى الشارع، إلا أن القوات المسلحة لم تبد اعتراضًا، بل احترمت نتائج الانتخابات الرئاسية التى أعلن عنها.. ومع تولى د. محمد مرسى رئاسة البلاد فى ٣٠ يونيو ٢٠١٢ بدأ فى تنفيذ مخطط مكتب الإرشاد للسيطرة على مقاليد الأمور وأخونة الدولة والتخلى عن كافة الشعارات التى رفعها الرئيس الإخوانى خلال فترة ترشحه.
كانت البداية الانقلاب على أحكام القضاء والإعلان الدستورى الصادر فى ١٧ يونيه ٢٠١٢، خاصة أن محمد مرسى كان يرفض منذ البداية أداء القسم أمام المحكمة الدستورية العليا بسبب كونها أصدرت حكمًا بحل مجلس الشعب، ومع إصرار قضاة المحكمة على مواقفهم الدستورية اضطر لأداء القسم عنوة أمام هيئة المحكمة.
بعد حلِّ مجلس الشعب فى 14 يونية 2012، تسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة من جديد السلطة التشريعية وأصبح هو وحده صاحب سلطة التشريع فى غياب البرلمان باعتباره الهيئة التأسيسية التى تسلمت السلطة من الرئيس السابق بمقتضى الشرعية الثورية.
لقد تضمن الإعلان المكمل المادة (30) منه فقرة ثالثة التى تنص على أنه «إذا كان مجلس الشعب منحلًا، أدى الرئيس اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا«، وكان ذلك ضروريًا للبحث عن مخرج لأداء الرئيس لليمين الدستورية بعد حل مجلس الشعب».
وتضمنت المادة (53 مكرر) نصًا يمنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان الدستورى سلطةَ تقرير كل ما يتعلق بشئون القوات المسلحة وتعيين قادتها ومد خدمتهم، ويكون لرئيسه حتى إقرار الدستور الجديد جميع السلطات المقررة فى القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع.
وكان هناك نص تضمنته المادة (60 مكرر) من هذا الإعلان هدفه تشكيل جمعية تأسيسية تضم كل أطياف المجتمع حال صدور حكم من محكمة القضاء الإدارى بحل الجمعية التأسيسية المشكَّلة لوجود شبهة بطلان فى تشكيلها؛ حيث نصَّت المادة على أنه «إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية عملها شكَّل المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال أسبوع جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويُعرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه فى شأنه خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ الانتهاء من إعداده، وتبدأ إجراءات الانتخابات التشريعية خلال شهر من تاريخ إعلان موافقة الشعب على الدستور الجديد».
أما المادة (60 مكرر أ) فقد نصت على أنه «إذا رأى رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو رئيس الوزراء أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية أو خُمس عدد أعضاء الجمعية التأسيسية أن مشروع الدستور يتضمن نصًا أو أكثر يتعارض مع أهداف الثورة ومبادئها الأساسية التى تتحقق بها المصالح العليا للبلاد أو مع ما تواتر من مبادئ فى الدساتير المصرية السابقة، فلأى منهم أن يطلب من الجمعية التأسيسية إعادة النظر فى هذه النصوص خلال فترة أقصاها خمسة عشر يومًا، فإذا أصرت الجمعية على رأيها، كان لأى منهم عرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا، وتُصدر المحكمة قرارها خلال سبعة أيام من تاريخ عرض الأمر عليها.
ويكون القرار الصادر من المحكمة الدستورية العليا مُلزمًا للكافة، ويُنشر القرار بغير مصروفات فى الجريدة الرسمية خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، وفى جميع الأحوال يوقف الميعاد المحدد لعرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه فى شأنه والمنصوص عليه فى المادة (60) من هذا الإعلان الدستورى، حتى الانتهاء من إعداد مشروع الدستور فى صياغته النهائية وفقًا لأحكام هذه المادة».
هذا هو مضمون الإعلان الدستورى المكمل، والمواد التى حواها، وهى كما نرى تحوى ضمانة لإصدار دستور توافقى تكون مرجعية الخلاف فيه للمحكمة الدستورية العليا، وكذلك الأمر بالنسبة للجمعية التأسيسية فى حال إعادة تشكيلها، ولكن للأسف جرى تشويه مضمون هذا الإعلان الدستورى المكمل عن عمد، وقيل إن الهدف من ورائه هو سلب اختصاصات رئيس الجمهورية، وتجاهل هؤلاء عن عمد الأهداف الحقيقية لإصدار هذا الإعلان الدستورى المكمل، ومن بينها ضمان وضع دستور لكل المصريين.
وفى يوم السبت 14 يوليو 2012 اجتمع مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين وإلى جانب أعضاء المكتب حضر أيضًا د.سعد الكتاتنى (رئيس مجلس الشعب السابق) ود.أحمد فهمى (رئيس جلس الشورى) ود.عصام العريان (نائب رئيس حزب الحرية والعدالة) ومحسن راضى وأسامة سليمان وأسامة ياسين من قيادات الجماعة.
وقد صرح محسن راضى (عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة) «بأن الرئيس محمد مرسى يدرس إلغاء الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره المجلس العسكرى، وإصدار إعلان دستورى جديد فى حال صدور حكم بحل الجمعية التأسيسية وطرحه للاستفتاء على الشعب».
وقال راضى: «إن الرئيس ناقش مع القوى السياسية وقيادات بالجماعة هذه الفكرة، وإن اجتماع مكتب الإرشاد كان مخصصًا لمناقشة هذه القضية».
فى هذا الوقت أعطى مكتب إرشاد جماعة الإخوان أعضاء الجماعة والحزب، إشارة البدء فى تدشين حملة تمهد لإصدار الرئيس قرارًا بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل، وبالفعل طالب أحمد أبو بركة (القيادى بالحرية والعدالة) الرئيس بإلغاء جميع الإعلانات الدستورية السابقة التى صدرت عقب الثورة، بوصفه السبيل الوحيد للخروج من الأزمة السياسية وحماية الجمعية التأسيسية من الحل.
لقد لعب د.محمد محسوب (القيادى بحزب الوسط) دورًا تحريضيًا واضحًا عندما طالب الرئيس مرسى بالإسراع إلى إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، حيث قال على حسابه الشخصى فى (تويتر): «دكتور مرسى.. تحرك قبل أن يكملوا حصارك، أتوقع صدور حكم قريب بعدم دستورية أو بطلان انتخاب الرئيس، فالقضاء يحكم مصر، قبل أن تحكم عليه بالتطهير».
وكتب مطالبًا الرئيس بضرورة الإلغاء الفورى للإعلان الدستورى المكمل: «أخشى أن ما اتخذه مرسى من قرارات حتى الآن إنما تتناول مظاهر المرض، وعليه الانتقال لمواجهة بيت الداء بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل».
فى هذا الوقت دعا الشيخ حازم أبو إسماعيل إلى مليونية يوم الجمعة 14 يوليو 2012 ضد الإعلان الدستورى المكمل مطالبًا المواطنين من جميع المحافظات بالنزول إلى ميدان التحرير وعودة الاعتصام به مرة أخرى، حتى يسحب المجلس العسكرى الإعلان الدستورى المكمل، ويتولى الرئيس محمد مرسى صلاحياته الكاملة.
وقال بلغة حاسمة: «لابد أن يترك المجلس العسكرى السلطة فورًا ويعود مرة أخرى إلى ثكناته«، وتساءل: »كيف نقبل أن تكون كرامتنا مرهونة بين يدى 19 شخصًا من العسكرى»، وأكد على أهمية المليونية القادمة فى التصدى لـ«هيمنة العسكرى على الحكم كى لا تدفع ثمنه الأجيال القادمة»...ولم يكن الإخوان بعيدين عن تحرك الشيخ حازم أبو إسماعيل، فقد صرح كارم رضوان (عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة) بأنه «سيتم الدخول فى اعتصام مفتوح، فى ميدان التحرير وذلك فيما يخص عودة البرلمان.. مؤكدًا أن أهم المطالب إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، ورفض تسييس القضاء، وتأييد قرار الدكتور محمد مرسى بعودة البرلمان، ورفض حكم المحكمة الدستورية».
وقال: «سوف نطالب من خلال المليونية بعودة الجيش إلى ثكناته، وتوقع الخروج فى مسيرات عقب صلاة الجمعة إلى ميدان التحرير».
وقد تضامنت الجبهة السلفية مع مطلب الإخوان بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل، حيث أكد خالد سعيد (المتحدث الإعلامى باسم الجبهة) قائلًا: «إن الجبهة لن تترك أى فعالية لتأييد ودعم محمد مرسى»، لافتًا إلى أن هناك تنسيقًا تامًا مع جماعة الإخوان المسلمين بخصوص الفعاليات المشتركة فى كل الميادين.
وأعلن حزب الأصالة السلفى مشاركته فى تلك المليونية، وقال: د.عادل عفيفى (رئيس الحزب): «إن حزب الأصالة سيحشد أنصاره للمشاركة فى تلك المليونية من أجل إلغاء الإعلان الدستورى المكمل وانتزاع صلاحيات الرئيس».
وفى هذا الوقت صرح د. عبدالمنعم أبو الفتوح (المرشح الرئاسى السابق) بعيدًا عن هذا الاتجاه؛ بالقول: «إن الإعلان الدستورى المكمل هو الذى فتح الباب لكسر دولة القانون».!!
لم يتوقف الأمر فى هذا الوقت عند حد الإسلاميين، بل إن د.حسن نافعة (أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة) صرح فى الأول من يوليو أى بعد أداء الرئيس للقسم بيوم واحد بقوله: «إن الرئيس المنتخب د.محمد مرسى يحق له تعديل وإلغاء الإعلان الدستورى المكمل الذى يشلُّ قدرات الرئيس بعد أدائه اليمين الدستورية، ولكن هناك حاجة للمواءمة السياسية مع المجلس العسكرى الذى يستطيع أن يقلب الدنيا رأسًا على عقب وينقلب وينشر الدبابات فى الشارع».
فى هذا الوقت ثار جدل داخل أوساط المجلس العسكرى، حيث طالب العديد من أعضاء المجلس المشير طنطاوى بضرورة اتخاذ إجراءات فاعلة تحدُّ من هذا الاعتداء السافر على سلطة المجلس العسكرى الممثلة فى الإعلان الدستورى المكمل.
وقد حاول المشير تهدئة حالة الغضب التى سادت أوساط المجلس العسكرى، مؤكدًا أنه لن يسمح بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل إلا بعد الانتهاء من إعداد الدستور وانتخاب مجلس الشعب الجديد.
قبل ذلك وتحديدًا فى 27 يونية 2012 صرح اللواء ممدوح شاهين (عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة للشئون القانونية) لـ«جريدة الشروق» بأن المجلس العسكرى لن يتراجع عن الإعلان الدستورى المكمل الذى تنادى بإلغائه بعض القوى السياسية، وقال بلهجة حادة: «لا تراجع عن الإعلان الدستورى، فالإعلان يعنى دستورًا والمجلس العسكرى لن يخضع لأى ضغوط سواء من الميدان أو غيره، فالمجلس أوفى بما تعهد به بتسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب».
فى هذا الوقت كانت العيون تتجه إلى محكمة القضاء الإدارى والتى كانت تنظر دعوى تطالب بحل الجمعية التأسيسية وأخرى تطالب ببطلان الإعلان الدستورى المكمل.
وفى 19 يوليو 2012 أصدرت المحكمة حكمها الذى يقضى بعدم اختصاصها فى نظر بطلان الإعلان الدستورى المكمل، وقالت فى حيثيات الحكم: «إن الإعلان الدستورى المكمل باقٍ وصحيح، دون حاجة لاستفتاء الشعب عليه وإنه قائم وصادر وفقًا للصلاحيات المخولة للمجلس العسكرى ولا يجوز إلغاؤه؛ ذلك أنه صدر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بوصفة سلطة حكم وليس سلطة إدارة، وذلك بموجب الشرعية الثورية التى كانت معقودة عليه منذ نجاح الثورة حتى تاريخ مباشرة رئيس الجمهورية ولايته، ولا رقابة للمحكمة على هذا الإعلان، باعتباره عملًا من أعمال السيادة».
وقد أشارت المحكمة فى حيثيات حكمها «إلى أنه لا يجوز إجبار المجلس العسكرى على إجراء استفتاء على هذا الإعلان الدستورى، بحسبان أن الشعب كان قد ارتضى هذه الشرعية منذ الإعلان الدستورى السابق الصادر فى 30 مارس من العام السابق؛ حيث إن ذلك الأمر من صميم أعمال السيادة التى لا يختص القضاء الإدارى بنظرها».
فى هذا الوقت استقبل الرئيس محمد مرسى فى 19 يوليو 2012 عددًا من رجال القانون والقضاة الحاليين والسابقين بهدف استكمال المشاورات القانونية التى يجريها الرئيس لاستطلاع آرائهم فى الوضع الدستورى الحالى ومدى إمكانية إصدار إعلان دستورى مكمل، وكيفية التصرف إذا صدر حكم ببطلان الجمعية التأسيسية.
وقد حضر الاجتماع فى هذا الوقت كل من: المستشار حسام الغريانى (رئيس محكمة النقض السابق)، والمستشار أحمد شمس الدين خفاجى (النائب الأول لرئيس مجلس الدولة)، والمستشار أحمد مكى ود.عاطف البنا (أستاذ القانون الدستورى)، والمحامى المقرب من الإخوان محمد طوسون (رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشورى)، إضافة إلى المستشار محمد فؤاد جاد الله (المستشار القانونى لرئيس الجمهورية).
وفى هذا اللقاء جرى التباحث حول قانونية إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، وإصدار إعلان بديل، فوافق على ذلك عدد من الشخصيات المشاركة، بينما رفضه آخرون وحذروا من خطورة ذلك.
كانت المعلومات تصل إلى المجلس العسكرى تباعًا، وكانت النيات تؤكد أن الرئيس مرسى عازم بالفعل على إلغاء الإعلان المكمل، وأن جماعة الإخوان أعدت إعلانًا بديلًا وأن الوقت قد أزف للانتهاء من ذلك.
وفى 17 يوليو 2012 كتب المستشار الدكتور عبدالفتاح مراد (رئيس محكمة الاستئناف العالى بالإسكندرية، أستاذ القانون الإدارى والدستورى) مقالًا مهمًا فى صحيفة »المصرى اليوم« يؤكد فيه بطلان أى إجراء يقوم الرئيس محمد مرسى بمقتضاه بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل الصادر فى 17 يونية 2012، وشرح المستشار مراد عشرة أسباب وراء عدم دستورية أى إجراء يمكن أن يُتخذ بهذا الصدد جميعها لا تعطى للرئيس مرسى صلاحية إلغائه.
كنت أتابع هذه الأحداث عن قرب، وكنت أدرك أن الصدام قادم بلا جدال، وكان المشير طنطاوى يقول لى دومًا: الجماعة دول مش هيجيبوها لبر مواقفهم تجاه الدولة والجيش لم تتغير.