السيدة نفسية، جدها الأكبر الحسن بن علي بن أبي طالب ولقبت بنفيسة العلوم ونفيسة الدارين، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤية إلى زوجها قائلاًً له “اترك نفيسة لـ أهل مصر فإن البركات تتنزل عليهم ببركتها”.
أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بأهل بيته، وأحب المصريون أهل البيت، ويعتبر حبهم وسطيا وحقيقيا بعيدا عن المغالاة والتشدد، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم “قل لا أسالكم عليه أجراً إلا المودة في القربى”.
جاءت السيدة نفسية إلى مصر عام 193 هجرية، وأمدت الأمام الشافعي بعلمها وعاونته في مواجهة ما تعرض له من اضطهاد ومحن، كما حفرت قبرها بيدها وختمت فيه القرآن 190 مرة باكية، وحجت 30 مرة.
عندما شح نهر النيل اشتكى لها المصريون فطلبت منهم أن يلقوا بردائها فيه ففاض النيل ببركة الله سبحانه وتعالى وببركة السيدة نفسية الطاهرة، ورؤيا للرسول صلى الله عليه وسلم وراء بقائها ودفنها في مصر بدلا من نقلها إلى البقيع.
السيدة نفسية، هي بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبى طالب، فهي حسينية بمعنى أن جدها الأكبر هو الإمام الحسن ولقبت بنفيسة العلوم لكثرة علومها ومعارفها ولأنها أمدت الإمام الشافعي بعلمها ونفيسة الدارين لأنها عملت للدنيا والآخرة بعلومها ومعارفها والنفيسة الطاهرة الفريدة العفيفة الزاهدة العابدة الساجدة الراكعة، ونفيسة المصريين لأنها كانت تحب أهل مصر، وكانوا يحبونها كل هذه ألقاب للسيدة نفيسة رضى الله عنها، والعلوم التي اكتسبتها السيدة نفيسة هي العلوم التي لا تكتسب عن طريق الاطلاع وإنما التي تكتسب من الله عز وجل كفيض وهبة ومنحة.
كيف جاءت السيدة نفيسة إلى مصر؟
السيدة نفيسة ولدت في مكة المكرمة عام 145هـ وجاءت مع عائلتها عام 193 هـ إلى مصر، وقضت السيدة نفيسة في مصر 15 عاما، وجاء الإمام الشافعي إلى مصر عام 198 هجرية، والتقت به في مصر، وعندما جاء الشافعي إلى مصر تعرض إلى محنة مع العلماء فقالوا عليه هذا فقيه جاء من العراق وجاء إلى مصر ويقول إنه فقيه وتعلم العلم ومن تلاميذ الإمام مالك وحدث (وقتها) بينه وبين العلماء مشادات ومناظرات والبعض لجأ إلى اضطهاده، لكن السيدة نفيسة كانت وقتها العون والسند له وكان لها الفضل عليه لأنه تعلم منها كثيرًا.
ما قصة السيدة نفيسة مع نيل مصر؟
كان وجود السيدة نفيسة في مصر إيجابيا، فأهل مصر عندما شح عليهم نهر النيل وجف منسوبه جاءوا إليها وقالوا لها إن منسوب النيل انخفض، وما لبثت أن أظهرت كرامة من كراماتها، فخلعت حجابها وطلبت من أهل مصر أن يلقوا به في ماء النيل ففاض النيل ببركة ربنا وببركة نفيسة العلوم، وهذه إضافة إلى أهل مصر الذين تعلقوا تعلقا شديدا بها.
يقصده العوام والخواص والأولياء العلماء والمثقفون ورجال الأعمال مسجد السيدة نفيسة، ويسألون الله ويبتغون الوسيلة ببركة السيدة نفيسة، لأنه ورد أن هذا المكان يستجاب فيه الدعاء.
هل حفرت السيدة نفيسة قبرها بيدها؟
عُرف عن السيدة نفيسة حسن عبادتها وعدلها، فيروى أنها لما كانت بالمدينة كانت تمضي أكثر وقتها في المسجد النبوي تتعبد، وتروي زينب ابنة أخيها يحيى المتوج “خدمتُ عمّتي السيدة نفيسة أربعينَ عامًا، فما رأيتها نامت بليل، ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق، فقلت لها: أما ترفقين بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبات لا يقطعهن إلا الفائزون؟ وكانت تقول: كانت عمتي تحفظ القرآن وتفسره، وكانت تقرأ القرآن وتَبكي”، وقيل أنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها، وكانت تنزل فيه وتصلي كثيرًا، وقرأت فيه المصحف 190 مرة وهي تبكي بكاء شديدا.
منزلة آل البيت
لكل آل البيت منزلة كبيرة عند المصريين، لكن تظل السيدة نفيسة في مكانة مختلفة؛ لأنها عاشت 15 عاما بمصر، كما دفنت بها بناء على رغبة المصريين أنفسهم، وهو أمر ليس محل شك على عكس مسجد الحسين، الذي ما زالت الآراء مختلفة حول حقيقة دفن رأس الحسين في المسجد الذي يحمل اسمه.
كانت السيدة نفيسة عالمة وفقيهة وقريبة من المصريين، ولها مواقف كثيرة دعمتهم فيها ضد حكامهم، إضافة لمكانتها التي تحدث عنها الإمام الشافعي، الذي كان يعتبر نفسه أحد تلاميذها، وهي الأسباب التي اجتمعت لتجعل ارتباط المصريين بالمسجد، هو في الأساس لارتباطهم بحفيدة النبي صلى الله عليه وسلم.
سبب دفن السيدة نفيسة في مصر
وهناك رواية محققة في سبب دفن السيدة نفيسة في مصر، فبعد وفاتها عام 208هجرية، أراد زوجها دفنها بالبقيع في المدينة المنورة، لكن المصريين رفضوا وتجمعوا حول منزلها، ووسطوا الوالي لإقناع زوجها بدفنها في مصر، وجمعوا له أموالا، إلا أن زوجها أصر على نقلها للمدينة، وهو ما قابله المصريون بإصرار أشد على بقائها بينهم، وفي اليوم التالي للوفاة فاجأهم بموافقته على دفنها بمصر، وعندما سُئل عن سبب عدوله عن موقفه، أخبرهم بأنه “رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه وطلب منه أن يرد على المصريين أموالهم وأن يدفنها بينهم”.