تستمر أزمة سد النهضة لعامها الثاني عشر دون الوصول لاتفاق، رغم حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على التأكيد دوما أن مصر تراعي مواقف مصالح الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، وتجلى ذلك من خلال المقترح الفني العادل الذي قدمته الحكومة مراعية مصالح أديس أبابا واحتياجاتها للكهرباء من السد، رغم تعنتها ومراوغتها، دون الإضرار بالمصالح المائية المصرية، وحصة الدولة من المياه والمقدرة بـ 55,5 مليار متر مكعب سنويا بحسب الاتفاقيات التي وقعت بين مصر وإثيوبيا وما ينوب عنهما (في بروتوكول روما 1891 / أديس ابابا 1902 / لندن 1906 / روما 1925 / القاهرة 1959/ إطار التعاون بين مصر وإثيوبيا 1993)، والتي نصت جميعها على الحفاظ على الموارد المائية لدولتي المصب، والتعهد بعدم الإضرار بالمصالح المائية من خلال إنشاء سدود المشاريع تعرقل تدفق المياه إلى تلك الدول بدون الرجوع إلى قادة الدول الثلاث والاتفاق فيما بينهم.
وأعلن الرئيس السيسي أمام العالم أجمع، خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن انفتاح مصر على كل جهد دولي للوساطة من أجل التوصل إلى الاتفاق المطلوب، مؤكدا أن لمصر ثوابت على مستوى السياسة الخارجية بشأن ملف سد النهضة لا تحيد عنها، كما أكد رغبة القاهرة في تنمية العلاقات الثنائية بين مصر وإثيوبيا، وتوسيع أطر التعاون وتكامل الأهداف والسعي لإيجاد رؤية مشتركة لحل تداعيات الأزمة.
وتجلت توجيهات الرئيس السيسي في اعتماد السياسة المصرية في مشوارها من أجل حل الأزمة على الاعتماد على اتفاق المبادئ الذي وقع عليه رؤساء الثلاث دول مصر والسودان وإثيوبيا في مارس 2015 بوصفه ملمحًا هامًا من ملامح التعاون وبناء الثقة بين الدول الثلاث، معلنة وحدة الهدف والمصير بين دول حوض النيل الشرقي “مصر والسودان وإثيوبيا“، والتركيز في المناقشات على أساس المنفعة المتبادلة بعدم الضرر والعمل على تحقيق المصلحة للجميع.
كما أكد الرئيس السيسى تمسك مصر بحق شعبها المكتسب والتاريخي في مياه النيل وحرصها على استمرار دعم مختلف جوانب التنمية في منطقة حوض النيل.
جولات المفاوضات بين مصر وإثيوبيا
وقد خاضت مصر العديد من جولات المفاوضات منذ عام 2011، والتي اتسمت فيها الجلسات الأولى بتعنت إثيوبيا وعبر مجموعة من الجولات الأخرى التي تلتها حتى عامي 2014-2015 تمكنت مصر من صياغة شروط مرجعية للجنة الفنية الوطنية وقواعدها الإجرائية، والاتفاق على المعايير العامة لتقييم واختيار الشركات الاستشارية الدولية الموكل إليها أعمال الدراسات الفنية.
ثم انتهت إلى الاحتكام لبيت خبرة عالمي لتقييم السد وتحديد آثاره وتداعياته، وهي المرحلة التي انتهت في مارس 2015، حين تم الاتفاق على 7 مكاتب استشارية عالمية واختيار واحد من بينها لتنفيذها.
واستمرت جولات المفاوضات في أعوام 2016 و2017 والتي استضافتها القاهرة والخرطوم حتى اقترحت مصر مشاركة البنك الدولي في أعمال اللجنة الثلاثية، لتمتعه بخبرات فنية واسعة، تمكنه من تيسير عمل اللجنة الثلاثية، وهو الامر الذي رفضته اديس ابابا، كما كما لم تتفاعل الخرطوم مع المبادرة المصرية.
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال جلسة حوارية بالمؤتمر السابع للشباب، الذي عقد في العاصمة الإدارية على مدار يومي 30 و31 يوليو 2019، أنه “لا بد من الاتفاق مع الأشقاء في إثيوبيا على فترة ملء خزان السد، بالشكل الذي نستطيع معه تحمل الأضرار، ويجب أن نقدر حجم المياه الذي نستطيع تحمل فقدانه، والذي من الممكن أن نتوافق عليها”.
وفى فبراير 2019 التقى قادة الدول الثلاث على هامش القمة الأفريقية، المقامة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والرئاسة المصرية تؤكد أنهم توافقوا على عدم الإضرار بمصالح شعوبهم.
وفى أغسطس 2019، مصر تسلمت إثيوبيا رؤيتها بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.
وقد أعلنت وزارة الرى المصرية فى سبتمبر 2019، تعثر مفاوضات وزراء الري بين الدول الثلاث بالقاهرة، والفشل في الوصول إلى اتفاق لـ”عدم تطرق الاجتماع للجوانب الفنية”.
وأكد الرئيس السيسي فى أكتوبر 2019 أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة، بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل.
وفى 6 نوفمبر 2019، استضافت واشنطن الأطراف الثلاثة، بوجود وزير الخزانة الأمريكية، ورئيس البنك الدولي، وصدر بيان مشترك جاء فيه أنه تقرر عقد أربعة اجتماعات عاجلة للدول الثلاث، وانعقدت الجولة الأولى من الاجتماعات فى 15 و16 نوفمبر 2019، والجولة الثانية كانت فى 2 و3 ديسمبر 2019 بالقاهرة، والجولة الثالثة فى 21 و22 ديسمبر 2019 كانت عن المشاورات والمناقشات الفنية حول جميع المسائل الخلافية انعقدت في الخرطوم.
وانعقد فى 8 و9 من يناير 2020 الاجتماع الرابع لوزراء الرى والوفود الفنية من الدول الثلاث ومصر وإثيوبيا تعلنان أنه انتهى دون اتفاق.
واستضافت واشنطن فى 13 و14 و15 يناير 2020 وفود الدول الثلاث، لتقييم نتائج الاجتماعات الأربعة السابقة، وخرجت المفاوضات بتوافق مبدئي على إعداد خارطة طريق، تتضمن 6 بنود أهمها تنظيم ملء السد خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد.
وفى 28 يناير 2020 في واشنطن، استضافت وفود الدول الثلاث مجددا، بحضور ممثلين عن وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولي، في محاولة لحل الأزمة.
وطالبت مصر رسميا بتدخل مجلس الأمن بسبب أزمة سد النهضة فى 20 يونيو 2020، وأعلن الاتحاد الأفريقي رعايته لمفاوضات سد النهضة فى 26 يونيو 2020.
وفى 28 يونيو 2020، أعلن مجلس الأمن الدولي في جلسة لبحث أزمة سد النهضة دعمه لجهود الاتحاد الأفريقي لتسوية النزاع.
وأعلنت إثيوبيا بدء ملء السد فى 15 يوليو 2020، وانتهت منه فى 22 يوليو 2020، ثم فى 4 نوفمبر 2020 تم إعلان فشل مفاوضات سد النهضة.
ورفضت السودان المشاركة في جلسة مفاوضات حول سد النهضة فى 21 نوفمبر 2020، وفى 8 ديسمبر 2020 وزير الخارجية المصري سامح شكري يعلن تعثر مفاوضات سد النهضة.
زعم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن السودان سيستفيد من الملء الثاني الذي سيحدث في يوليو فى 19 أبريل 2021 ، وفى 7 مايو 2021 أعلنت الحكومة السودانية أنها قادرة على منع إثيوبيا من المضي قدما في خطط الملء الثاني للسد.
وقد زار الرئيس السيسى جيبوتى فى 30 مايو 2021، وقال إن الزيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية، والأمنية، والعسكرية، كما أجرت مصر والسودان 3 تدريبات عسكرية مشتركة حملت أسماء: “نسور النيل 1” و”نسور النيل 2″، وآخرها استمر حتى نهاية مايو باسم “حماة النيل”.
وفى 9 يونيو 2021، اجتماع وزراء الخارجية والري في مصر والسودان حول سد النهضة، وأعلنوا أن المفاوضات وصلت “إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإثيوبي”، وقد أعلنت الجامعة العربية دعم موقف مصر والسودان وتدعو مجلس الأمن لبحث أزمة سد النهضة فى 15 يونيو 2021.
وفى 3 يوليو 2021، ألقى الرئيس السيسي كلمته الشهيرة أثناء افتتاح قاعدة عسكرية بالقرب من الحدود الليبية، قال فيها إن “الدولة المصرية تتفهم متطلبات التنمية الإثيوبية، ولكن يجب ألا تكون تلك التنمية على حساب الآخرين”، وفى 8 يوليو 2021 عقد مجلس الأمن الدولي جلسة لبحث أزمة سد النهضة بناءً على طلب مصر وأحال المفاوضات إلى الاتحاد الأفريقى.
وقد زعم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن سد النهضة مفيد لمصر والسودان ودول شرق أفريقيا بوجه عام، داعيا إلى تبني “خطاب تعاون وتعايش” بين شعوب المنطقة دون إضرار بعضها ببعض، وقال في بيانه الذي أصدره 20 يناير، إنه من الأكثر إفادة لمصر الحفاظ على مياه نهر النيل في خزان سد النهضة بدلًا من إهدارها في التبخر والفيضانات، مضيفًا أن سد النهضة يحمي سد أسوان من الانسكابات المائية.
وبدأت إثيوبيا فى الملء والتشغيل وووصلت للتخزين الثالث فى سد النهضة الذي انتهى 11 أغسطس 2022، عند منسوب 600 متر فوق سطح البحر بإجمالى تخزين 17 مليار متر مكعب.
وتستعد للملء الرابع فى منتصف يوليو الجاري حتى نهاية أغسطس المقبل، عند منسوب 620 مترا.
وبلغ إجمالى التخزين حاليًا حوالى 13.5 مليار متر مكعب، عند منسوب 595 مترا، منخفضًا بمقدار 7 مليارات متر مكعب، عن أعلى تخزين مؤقت فى سبتمبر، و3.5 مليار متر مكعب3 عن نهاية التخزين الثالث.
وقال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، إن السد العالى يمنع وصول ضرر الملء الرابع لسد النهضة إلى المواطن، ولكن على الدولة أن تزيد مخزون السد العالي لدرء الضرر عن مصر.
وأضاف شراقي أن زيادة مخزون السد العالي يتطلب مشروعات بعشرات المليارات من الدولارات، وهذا ما تم بالفعل خلال السنة الماضية.
وأكد أن التخزين الرابع القادم الذي سيبدأ في منتصف يوليو القادم مختلف لأن كميته كبيرة قد تصل إلى 25 مليار متر مكعب، وهذه الكمية تعتبر نصف حصة النيل الأزرق بالكامل، وأيضا تقترب من نصف حصة مصر السنوية.
وأوضح أن الـ 25 مليار متر مكعب خمسة ملايين فدان فى مصر يعيش عليها أكثر من 25 مليون مصري، بالإضافة إلى أنها تساهم بأكثر من 50% من الأمن الغذائي للمصريين، وهذه المياه حجزها في إثيوبيا كان سيصبح كارثة كبيرة على الشعب المصري.