فى عصور سميت بعصور الظلام فى القارة العجوز، كانت الكنيسة هى المهيمنة على السلطة والشعب والدنيا كلها ، وكما قرأنا وذكر التاريخ ان هذه الفترة كانت من أسوأ المراحل التاريخية للغرب ، فقد تصدر الكهنة المشهد وبخاصة المارقين منهم وصار من حقهم اصدار الفتوى والحكم على أى انسان ، مادام لا يروق لهم فعله.
وفى هذه المرحلة أيضا ظهر السحرة والدجالين وعلا صوتهم ووضعهم نتاجا لمقولة “اذا الجهل عم المكان سكنت فيه اليوم والغربان “. تخبط القارة العجوز فى الظلام وتدهورها لم ينقذها منه سوى عدة عوامل ، بالطبع كان من بينها استفادتهم من العلوم الشرقية التى استولوا على مؤلفاتها ومؤلفات عظماء الاندلس التى بسقوطها بأيدى الاوربيين سقطت آخر قطعة من قطع النهضة العربية فى بلاد الغرب ، والتى ازدهرت على مدى قرون طويلة بفتح الاندلس واستقرار الفتح الاسلامى لهذه البقعة الاوربية مئات الاعوام ، بالطبع كان من اهم أسباب افاقة الغرب وخروجه من عصور الظلام ادراك العقلاء بأن تدخل رجال الدين فى السلطة افسدها؛ خاصة ان مصالحهم كانت اقوى من الصالح العام ومصالح البلاد والعباد.
ومن هنا بدأت البداية وعمل الغرب كل ما استطاع عمله ليصل الى ما وصل إليه الآن؛ ساعده بذلك طبعا ما أصبحت عليه منطقتنا من تراجع وتخاذل وضغوط استعمارية متراكمة . ما حدث فى عصور الظلام نجد ان بعضا من تجار الدين يسعون الان جاهدين من اجل ان نعيش هذه العصور الظلامية ، ومن بين التصريحات المستفزة تصريح لشخصية تصف نفسها برجل الدين وتعلن فى كل حين ومكان فتواها ورأيها الذى لا ينتمي للدين بصلة ولا علم ، من بين تصريحات هذا الشخص ؛ رفضه لما أعلنته فنانة عن توبتها وتركها الفن واعتزالها؛ فقد رد عليها بعنف غريب قائلا “توبتك مرفوضة ، والدين برىء منك ، ” وظل هذا الشخص يسهب ويصف التائبات الحاليات بأنهن ساعيات للشهرة وبأنهن يخدعن انفسهن ، ويتوعدهن برد قاس من الله عز وجل ، ويبرهن على ما يقوله بحكايات واساطير صنعها من خياله او سمعها من اجداده على سبيل التسلية والهزار وأسبغها هو بطريقته وغلفها بغلاف الدين والحق والفضيلة .
لم يكد ينتهى من رده حتى ادخلنا فى قضية أخرى وهى زواج القاصر من رجل كبير السن ، رافضا كافة الاحاديث التى تعزز التكافؤ فى الحياة الزوجية ، وهكذا دواليك يأخذنا من قضية لاخرى بفتوى بعدها فتوى مدعيا انه اهلا للبر والتقوى ، وماقاله ويقوله ذكرنى وجعلنى اقارن كلامه وطريقته مع فارق المقارنة والمكانة ، برد فضيلة الامام الراحل الشيخ الشعراوى على فنانة شهيرة رغبت فى الاعتزال والتبرع بأهم املاكها ؛ وهو ملهى ليلى فى منطقة الاهرام السياحية ، فكان رده عليها بالترحيب بتوبتها واعتزالها والدعاء لها بالقدرة على التخلى والبعد عن المعصيات ، ثم ذكرها بأن الله طيب لايقبل الا كل طيب وعليه فتبرعها لن تؤجر عليه ولكنه سيحسب لها بتخلصها من الشبهات . لم تكن كلمات الامام الراحل هى الوحيدة من نوعها على عددا كبيرا من الشهيرات من اهل الفن الراغبات فى الاعتزال والتكفير عن ذنوبهن؛ بل انه انتهج نفس الاسلوب الراقى المحبوب فى الحديث الايمانى ، ولم يرهب ويتوعد مثلما يحدث الان من بعض مدعى الدين وداعميهم.
“توبتك مرفوضة ” جملة اعتراضية مكروهة تعيدنا الى عصور الظلام ؛ والى عالم بغيض يدعى فيه بعض المارقين دينيا بان معهم صكوك الغفران ومفاتيح الجنة والنار . “توبتك مرفوضة “، جملة مكروهة ومرفوضة ولا محل لها من الاحترام والقبول ؛ لان من بيده القبول والرفض هو الخالق سبحانه الذى يبسط يده بالليل ليتوب مسيىء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل ، توبتك مرفوضة ، مرفوضة لانها تتناقض مع الحديث القدسى الذى وجهه الخالق لملائكته الرافضين لتعديات البشر فقد قال لهم عز وجل ” اتركوهم لو خلقتموهم كنتم رحمتموهم “. الرحمن فى السموات العلى هو من بيده الغفران وقبول التوبة او رفضها ، اتركونا لحالنا ودعونا وارحمونا من جهلكم ومن تدينكم الزائف .