مما لاشك فيه أن صدور هذا البيان الصادر عن البرلمان الأوروبي يوم الخميس الماضى، والذى دعا فيه إلى «مراجعة» علاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، لم يصدر عبثا ، ولا إحقاقا لحق؛ إنما يهدف لمعانٍ كثيرة لعل أهمها إحداث بلبلة، ومحاولة للتشويش المتعمد عما جاء فى حكاية وطن ومكاشفة الرئيس السيسى لمواطنيه واطلاعهم على ما تم تشييده من انجازات فى زمن لا يتعدى العشر سنوات؛ حققت فيهم الدولة انجازات كان مداها الزمنى خمسين عاما.
ففي ضوء ما وصفه البرلمان الأوروبى بـ التقدم البسيط في سجل حقوق الإنسان، كان لابد ان يدرك الكل أن كل ما جاء فى هذا التقرير “مسيس” بالدرجة الاولى لأنه يهدف إلى زعزعة الثقة بين المواطنين والقيادة السياسية التى خطت خطوات واسعة نحو ترسيخ اعمدة الجمهورية الجديدة.
كما أن ما جاء فى التقرير الأوروبى حول سجناء تمت محاكمتهم فى اروقة محاكم، وليس فى الخفاء، وحكم عليهم فى قضايا جنائية وليست سياسية كما جاء فى التقرير الاوروبى، أضف إلى ذلك أن التقرير الأوروبى بكل الأحوال يعتبر تدخلًا فى الشأن الداخلى المصرى؛ كما أنه مثال واضح على الكيل بمكيالين .
ففى الوقت الذى غض فيه بصره وأغلق قلبه عن الانتهاكات الإسرائيلية التعسفية ضد المواطنين الفلسطينيين العزل، نرى أصحاب التقرير قد صالوا وجالوا ونقبوا، وأصدروا تقريرهم العجيب عن مصر وحقوق الإنسان فيها؛ بل إنهم أصدروا توصيات بشأن التعامل معها؛ وبأن ملف حقوق الإنسان المصرى يشهد تقدما بسيطا، ولك أن تضع تحت لفظة بسيط ألف خط وعلامات استفهام، هل البسيط هذا هو الذى ذكروه دوما حول تركيا لإيهامها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى إذا ماغيرت كلمة بسيط !! ومن حينها وتسعى أنقرة إلى التنازلات حتى إنها سمحت للمثليين بالتظاهر والخروج فى الشوارع للمطالبة بحق الزواج أسوة ببعض الدول الأوروبية.
وهل كلمة البسيط تلك هى أيضا نفس الكلمة التى دخلت منها الترسانة الحربية الانجلو أمريكية إلى العراق، لتعزيز مفهوم الديمقراطية، وحث الشباب على تغيير الواقع المستبد حسبما زعمت واشنطن ولندن وحلفاؤهما حينذاك، ومن بعدها دمرت العراق ونهبت ثرواتها ، ولاتزال وستزال تعانى من ويلات الفوضى الخلاقة على الطريقة الانجلو امريكية .. وهل مصطلح تقدم بسيط هو نفس المسمى الذى غزت فيه العمة ماريا واخواتها الاوروبيات باختلاف توجهاتهم واهدافهم غزت سوريا وليبيا واليمن والسودان بمفاهيم الحرية والتغيير والتمرد على البيروقراطية ؛ ووصلت بهم الان الى التراجع مئة عام عما كانوا فيه وعليه .
البيان الاوروبى بيان انجلو امريكى ، له اهداف عجز على مدى السنوات الماضية عن تحقيقها فقد فشل فى بث الفرقة والتشتت بين ابناء مصر بنسيجهم الوطنى الرافض لاى تدخل يحول بين هذا الموروث المصرى الضارب بجذوره فى اعماق التاريخ الانسانى . فشلت العقلية السامية منذ احداث يناير فى ان تجعل مصر مثل الدول المجاورة؛ وتنهب ثرواتها وتتقطع اوصال شعبها ، ومع الفشل المتكرر لابد ان ندرك ان العم سام وسلالته تتعامل بسياسة النفس الطويل ؛ والبحث فى سلة الدول لعلها تجد نقطة ضعف تحقق لها مرادها وهو تحويل منطقة الشرق الاوسط الى دويلات كما ذكرت وزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلاري كلينتون فى مذكراتها عن الربيع العربى .
العم سام يدفع بسخاء لكل ولأى من يدعم نشر افكاره والترويج لزيف معتقداته واتباع سياسة “السم فى العسل والديمقراطية على دبابة انجلو امريكية “، الترويج لمصلحات الحرية المنقوصة فى بلاد العرب ؛ والديمقراطية العملاقة فى الغرب ، ودعم شعارات الجنة الاوربية والسعادة الامريكية ، لانها ليست مجرد مصطلحات سياسية ولكنها قول يراد به فعل . ولكن لابد ان نعترف بأن لدينا مشاكل ؛ ونسبة عالية من الامية والفقر ، ولكن لابد ان نقر أيضا بأننا دولة ذات تاريخ ، ولذا فعلينا ان نرفض وندين اية محاولات تهدف الى سلب امننا واماننا والعودة الى المربع صفر الذى عشناه فى احداث يناير عام ٢٠١١.
لك الله يابلادى ؛ ولاولاد العم سام دعواتنا بأن ينقلب السحر على الساحر ويذوقوا مما صنعت ايديهم لغيرهم ويتجرعوا طعم التشتت والفوضى وضياع الامن والاستقرار …