في واحدة من السجالات التى دارت مع ثلة من أصحاب الميديا أو من يطلقون عليهم أصحاب الإعلام الحديث، كان الحوار ساخنًا بينهم وكنت لا أدري من حسن حظي أو سوئه أني كنت مدعوة لمتابعة عمل إعلامى مهم بوصفي من الإعلاميين القدامى بحكم الزمن والخبرات.
الحوار كله كان زهوا وافتخارا بما صنعوه هؤلاء الإعلاميين الجدد أو رجال صناعة الإعلام فى هذا العالم المزدحم الزاخر بمزيج من الوسائل الإعلامية يتصدرها بالطبع جبل راسخ التأثير يسمى وسائل التواصل الاجتماعي أو السوشيال ميديا .
تحدثوا كثيرا عن التحول الذى شهدته هذه الألفية فى كافة المناحي بصفة عامة والإعلام بصفة خاصة. كل من هؤلاء الأشاوس سرد ما أضافه وشيده فى قناته أو جريدته أو وكالته الإعلانية والإعلامية على حد سواء . الحديث كان يبتعد كل البعد عن صرح كبير أفتخر بالانتماء إليه وهو ماسبيرو الذى قضيت فيه عمرا فوق عمرى منذ أن قدمت اليه فور تخرجي في كلية الإعلام قسم إذاعة وتلفزيون، دخلت الصرح وأنا لا أصدق نفسى وأتجول بين طرقاته وفى بهوه العملاق واستقر بي المكان فى غرفة تحرير الأخبار بالإذاعة، سنوات قضيتها تعلمت على يد الأشاوس وأضفت إلى رصيدي الأكاديمي رصيدًا جديدًا من خبرات أساتذتي الأجلاء.
رحلة عملي تنقلت فيها من الاخبار المسموعة الى المرئية وكلها تصب فى قطاع الاخبار ذلك المكان الأسطورة الذى تتعلم فيه صناعة الخبر وكتابته واعداد النشرات وكتابة التقارير والتعليقات الاذاعية ، وأيضا اعداد البرامج واستضافة شخصيات فاعلة وفعالة تبحث وتحلل وتوضح للمستمع أو المشاهد ما يغيب عنه وتزيل عنه الغموض والقلق . العمل فى قطاع الاخبار كان أجمل اختيار لي وفيه عشت أوقاتًا تتراوح بين الحزن والفرح والقلق والدهشة ، فقد عشت مأساة الغزو الانجلو أمريكي على العراق وويلات المشاهد القاسية وحزن القلم على ما يكتب عن مأساة الشعب العراقي الذى ذبح بسكين الغرب بزعم ان العراق تمتلك أسلحة نووية .
عشت أيضا احداثا جساما اكثرها ألما وحزنا كانت احداث الربيع العربي والتي طالت بلادي وخلقت حالة من الفوضى والتشرذم نجانا منها الله سبحانه وتماسك الشعب وتولى نخبة واعية السلطة مكنت بلادنا من تخطي الأزمة والعبور بسلام وتحت قيادة حكيمة تولت زمام الأمور من عام ٢٠١٤ وحتى الآن.
ومازلت أعمل فى ماسبيرو وتتقاذفني الأحداث ويشتعل قلمي ويسرد ويفسر ويكتب ويزداد رصيدي وأتعلم من جهابذة الإعلام الكثير والكثير. ذكرياتي وحاضرى وربما مستقبلي إن كان لي المزيد من العمر والعمل صدمته كلمات قالها من كنت مشاركة فى تقييم عمل يستعد لطرحه إذ قال بلهجة قد تكون سخرية: حضرتك بتابعي البرامج اللي بتُعرض عندكم؟ ولم يمهلني فرصة الرد ووجه الكلام إلى شريكه في امتلاك الميديا وقال: تخيل فيه برنامج بيعرض فى قناة من قنوات ماسبيرو فجرا اسمه يا مسهرني، المفروض بيجيب مواهب فنية لكن للأسف لا ينتمون للفن بشيء وبصراحه متعرفش إزاي استضافوهم من الأساس.. أيقنت أن تسرعى فى الرد سيمكنهم من النيل من منطقي ومهاجمتي بل والقذف بكل ما هو سيئ على بيتي الكبير ورصيدي الزاخر ماسبيرو فقمت بتغيير الحوار بدعوى أن ملف الانتقاد ليس مدرجا على أجندتنا وأننا اجتمعنا لهدف فلننجزه ثم نتحدث ونتجاذب فى كل شيء وأي شيء آخر.
مع أن نظراتهم كانت تحمل عدم الرضا عن كلامي إلا أنهم ارتضوا وعدنا إلى ما جئنا من أجله. عدت إلى بيتي وأنا قلقة وبالفعل انتظرت موعد البرنامج وشاهدته وكانت صدمتي كبيرة في المحتوى والضيوف وتساءلت عن المغزى والمرجو من هذا البرنامج ولم أرتضِ لنفسي بإجابات متلاحقة يمليها علي رصيدي الإعلامي الذي عنده كافة التفسيرات لأي محتوى إعلامي، ولكني كنت كالأم التي لديها أبناء كلهم على درجة من التعليم والأخلاق ولكنها بليت بابن يحاول امتصاص الرصيد الجميل الطيب لكل هؤلاء الأبناء الطيبين المجتهدين. ماسبيرو سيظل مسهرني رغم ما يحاول ألا يسهرني بعض منه.