في ظل الترقب العالمي للانتخابات الأمريكية، تتأثر الأسواق المالية بشدة بالتوجهات السياسية الجديدة التي يتبناها الرئيس المنتخب، ويُعد الذهب أحد الأصول التي تتأثر بوضوح بتغيرات المشهد السياسي الأمريكي، إذ يُمثل ملاذًا آمنًا يلجأ إليه المستثمرون في أوقات عدم اليقين، ومع تقلبات السياسات المالية والنقدية المتوقعة، تظهر تساؤلات حول الاتجاهات المستقبلية لأسعار الذهب في ظل تأثير هذه الانتخابات.
تأثير الانتخابات الأمريكية على الأسواق المالية
تشهد أسعار العملات عادةً تقلبات ملحوظة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، حيث يتوقع المستثمرون تغييرات محتملة في السياسات المالية والنقدية، ويتأثر الدولار، العملة الرئيسية في الأسواق العالمية، بموقف الرئيس الجديد تجاه الفوائد الاقتصادية، الضرائب، والدعم الحكومي للشركات، ما ينعكس مباشرةً على توقعات المستثمرين.
وتواجه الأسواق حالة من عدم الاستقرار خلال وبعد فترة الانتخابات بسبب توقعات غير مستقرة بشأن السياسات الاقتصادية، ويتأثر أداء العملات بشكل خاص، حيث تصبح الأسواق الناشئة أكثر عرضة للضغوط نتيجة لسياسات مرشح محتمل يتبنى سياسات تجارية صارمة، ما قد يضعف عملاتها ويؤدي إلى ارتفاع التضخم وتكاليف الاستيراد.
وتعتمد قوة الدولار إلى حد كبير على سياسات الفائدة التي يعتمدها الرئيس الأمريكي، فعند اعتماد سياسات نقدية متشددة، قد يرتفع الطلب على الدولار بفضل العائدات الأعلى، مما يؤثر سلبًا على العملات الأخرى ويدفع المستثمرين للبحث عن الذهب كملاذ آمن، بالمقابل، إذا اتجهت الإدارة الجديدة نحو سياسات مرنة، فقد يتراجع الدولار، مما يمنح فرصة لتعافي العملات الأخرى ويعزز استثمارات الذهب كخيار استثماري طويل الأمد.
وأفاد بنك “جيه بي مورجان” بارتفاع الطلب على الدولار الأمريكي خلال الأسبوع الماضي، مع توقعات باستمرار عمليات الشراء مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وأشار خبراء البنك إلى أن المستثمرين يفضلون شراء الدولار مقابل الدولارين السنغافوري والأسترالي، كإجراء تحوطي ضد العملات المرتبطة بالاقتصاد الصيني. كما لوحظ طلب قوي على الدولار مقابل البيزو المكسيكي واليورو.
وتوقع الخبراء استمرار انخفاض قيمة اليورو، خاصة مع تهديد المرشح الجمهوري دونالد ترامب بتوسيع التعريفات الجمركية لتشمل أوروبا في حال فوزه بالانتخابات المقبلة، واستقر مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية أمام سلة من ست عملات رئيسية، عند 103 نقاط.
ووفقًا لتقرير نشرته “بيزنس إنسايدر”، قد تؤدي ولاية ثانية للرئيس السابق دونالد ترامب إلى تآكل هيمنة الدولار الأمريكي.
وأشار مارك سوبل، رئيس منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية في الولايات المتحدة، إلى أن الخطر المحتمل على الدولار ينبع من “تدهور حاد” في الظروف الاقتصادية والمالية داخل الولايات المتحدة، حيث من غير المرجح أن تستقر الأوضاع المالية في عهد ترامب.
سوبل، الذي شغل سابقًا منصب خبير اقتصادي في وزارة الخزانة الأمريكية، أكد أن هيمنة الدولار تظل راسخة، لكن سياسات ترامب قد تؤدي إلى ثقة أقل في القيادة الأمريكية، وإدارة اقتصادية كلية ضعيفة، وأعباء هائلة على الأسواق لتمويل إمدادات كبيرة من سندات الخزانة.
وشدد سوبل على ضرورة أن تتخلى الولايات المتحدة عن “عجزها الهائل” إذا كانت راغبة في إبقاء مستويات الدين الأمريكي قابلة للإدارة على مدى العقود المقبلة، وأشار إلى عدة عوامل قد تؤثر على استقرار الدولار، منها:
- تعهد ترامب بخفض الضرائب بشكل كبير وعدم خفض الضمان الاجتماعي أو الرعاية الطبية.
- وعد ترامب بتطبيق تعريفة جمركية عالمية بنسبة 10%، وهو ما يتفق معظم خبراء الاقتصاد على أنه قد يؤدي إلى التضخم.
- من المتوقع أن تؤدي خطط الهجرة الجماعية إلى إبطاء النمو في الولايات المتحدة.
- قد تنخفض احتياطيات الدولار إذا استمرت البيئة الجيوسياسية في التفكك، وهو ما يبدو محتملاً في ظل إدارة ترامب.
- خلال فترة ولايته الأولى، هدد ترامب بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي وأخرج الولايات المتحدة من اتفاقيات رئيسية، مثل الاتفاق النووي مع إيران، واتفاقية باريس للمناخ، والشراكة عبر المحيط الهادئ.
وتساءل سوبل: “على الرغم من تأكيد الحزب الجمهوري على تعزيز التحالفات، هل ستظل الولايات المتحدة شريكًا موثوقًا به؟ وهل يمكن أن تستمر علاقاتها القوية؟”.
واستخدم ترامب العقوبات بشكل أكثر تكرارًا من الرئيس بايدن، وكثيرًا ما يُستشهد بهذه الممارسة باعتبارها السبب الرئيسي الذي يجعل البلدان الأخرى تتطلع إلى إزالة الدولار من احتياطياتها.
واستبعد سوبل أن تتراجع هيمنة الدولار الأمريكي بأي شكل ملموس على مدى السنوات الأربع المقبلة، حتى لو تدهورت هذه الظروف، لكنه قال إن سياسات ترامب نفسها تعيق برنامجه، مستطردًا بأن السياسة والأفعال تتحدث بصوت أعلى من الشعارات.
ويُشار إلى أن مؤشر الدولار (الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من العملات) ارتفع بنحو 15% في الفترة الرئاسية الأولى للرئيس بايدن، وفق حسابات موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”.