ماذا يفعل من حبسه عذر أو نام عن صلاة العيد في المصلى أو الساحات؟ سؤال يشغل ذهن الكثيرين خاصة من اعتاد على أداء ركعتي صلاة عيد الأضحى ولن يستطيع أن يفعل هذا العام.
أحكام صلاة العيد لمن فاته وقتها
وأوضحت وزارة الأوقاف في جوابها أن صلاة العيد سنة مؤكدة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسن الاجتماع لصلاة العيد سواء أكانت في ساحة بالخلاء أم في المسجد الجامع وذلك لمن يستطيع الذهاب إلى أي منهما.
وتابعت: فمن تعذر عليه ذلك لمرض أو غيره ، كان له أن يصلي العيد حيث كان في منزله أو محل عمله إذا اقتضت ظروف عمله البقاء فيه كبعض الأطباء الذين يتحتم بقاؤهم بمستشفياتهم للقيام على شئون المرضى، وكذلك المكلفون بحفظ الأمن وقت صلاة العيد ومن شابهت ظروفهم ذلك، لهم أن يصلوا العيد حيث كانوا وأن يصلوا العيد في الوقت الموسع لصلاته من بعد شروق الشمس بنحو ثلث ساعة حتى وقت الزوال قبيل أذان الظهر، وتصلى ركعتين جهرا كصلاة الصبح لا تختلف عنها في كيفيتها سوى أن يكبر المصلي سبع تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى، وخمس تكبيرات في مفتتح الركعة الثانية بعد تكبيرة الانتقال من السجود للقيام للركعة الثانية .
أحكام
ويقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، إن الأعياد تعد مظهرا من مظاهر الفرح والسرور في الإسلام, وشعيرة من شعائره التي تنطوي على حكم عظيمة, ومعان جليلة, فالإسلام لم يأت ليكون طوقا حول رقبة معتنقيه.
بل جاء تلبية لحاجة الإنسان الفطرية مادية وروحية, وكان مقصده الأسمى في تشريعاته وأحكامه ضبط العلاقة بين الروح والجسد, وبين الدنيا والآخرة, فقال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} .
ومن مظاهر هذا المقصد الأسنى استحباب الاحتفاء بالأعياد في الإسلام; ومشروعية الترويح عن النفس من هموم الحياة, فضلا عن أنها احتفال بإتمام فريضة, فالحجاج يفرحون لأنهم أدوا شعيرة الحج, ويشاركهم المقيمون في أوطانهم بالتقرب إلى الله بالأضاحي إحياء لسنة الأنبياء من لدن سيدنا إبراهيم إلى خاتمهم سيدنا محمد صلوات الله عليهم أجمعين, وبذلك سما الإسلام بمعنى العيد وربط فرحته بالتوفيق في أداء الفرائض وشكر الله على القيام بها.
وأشار إلى أن الغاية العظمى من الأعياد إدخال السرور والبهجة على المسلمين رجالًا ونساءً وأطفالا, إلا أنها في الوقت ذاته لم تشرع من أجل الفرح المجرد فقط; بل لتمام البر في المجتمع الإسلامي, حيث يصبح البر قضية اجتماعية عامة، وفي يوم الأضحى جاءت شعيرة الأضحية من باب إدخال السرور على الفقراء في الأعياد, فلم يسنها الإسلام ليشبع أصحاب الأضحية من اللحم, ولكن ليتشارك الجميع في الشبع, ولتلتقي قوة الغني وضعف الفقير على عدالة ومحبة ورحمة من وحي السماء, وعنوان ذلك كله: الزكاة, والصدقة, والإحسان, والتوسعة.
وتابع: من باب السرور والبهجة في أيام العيد إدخال الفرح والسعادة على الأطفال والنساء اقتداء بالنبي ﷺ, فقد دخل أبو بكرٍ رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتضربان الدف, ورسول الله ﷺ مسجي بثوبه, فانتهرهما أبو بكر, فكشف رسول الله عن رأسه وقال: «دعهما يا أبا بكر, إن لكل قوم عيدا, وإن عيدنا هذا اليوم» (صحيح البخاري).
كما أن صلاة العيد تعد مظهرا من مظاهر الفرحة, ترتفع الأصوات فيها بالتكبير في بهجةٍ وسرور بما أنعم الله على الأمة الإسلامية من توفيقٍ في أداء الفرائض, قال تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
ولفت إلى أن التكبير هو التعظيم, والمراد به في تكبيرات العيد تعظيم الله عز وجل على وجه العموم, وذلك في كلمة: (الله أكبر) كناية عن وحدانيته بالإلوهية; لأن التفضيل يستلزم نقصان من عداه, والناقص غير مستحق للإلوهية; ولذلك شرع التكبير في الصلاة لإبطال السجود لغير الله, وشرع التكبير عند نحر الهدي في الحج وكذلك الأضحية لإبطال ما كان يتقرب به مشركو مكة إلى أصنامهم ، ويندب التكبير في عيد الأضحى من فجر يوم عرفة إلى غروب ثالث أيام التشريق, جماعة وفرادى في البيوت والمساجد, إشعارا بوحدة الأمة, وإظهارا للعبودية, وامتثالا وبيانا لقوله سبحانه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
ويسن إحياء ليلة العيد بالعبادة من ذكر وصلاة وغير ذلك من العبادات; لحديث: «من قام ليلتي العيدين لله محتسبا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» (سنن ابن ماجه), ويحصل الإحياء بمعظم الليل كالمبيت بمنى, وقيل بساعة منه, وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: بصلاة العشاء جماعة, والعزم على صلاة الصبح جماعة, والدعاء فيهما.
وقال، إن الأعياد لم تشرع لتكون مناسبات فارغة المحتوى والمضمون من الدلالات الأخلاقية والإنسانية, وإنما جاءت لتكون مظاهر لقيم الإسلام وآدابه وجمالياته المعنوية والحسية, فالأعياد تجدد الروابط الإنسانية, حيث يتجلى السلوك الطيب والأخلاق الحميدة, وتشيع التهاني والقول الحسن بين الناس, ويظهر المسلمون بصفة الرحمة التي هي قوام دينهم, فتتجدد العلاقات الإنسانية وتقوى الروابط الاجتماعية وتنمو القيم الأخلاقية, ويصبح المسلم دعوة مفتوحة لهذا الدين, ونبراسًا هاديًا لنفوس الحائرين, وبردًا وسلامًا على العالمين.
وشدد علي جمعة: إن الفرح بالعيد له وجوه عدة, فواحد يميل إلى الذكر والعبادات, وآخر يؤثر مواساة الفقير والمحتاج بكثرة الصلات, والجميع ونحن معهم ينشرون جوًا من المحبة والوئام في المجتمع بأطيب الكلمات, وأقلها كل عام والأمة العربية والإسلامية بخير ويمن وبركات.