هل استقبال القبلة من واجبات الصلاة؟ استقبال القبلة شرط في صحّة الصلاة، وقال الله تعالى: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» (البقرة: 144).
الديليل استقبال القبلة في الصلاة من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: «أنَّ رجلًا دخَلَ المسجدَ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالسٌ في ناحيةِ المسجدِ، فصلَّى ثم جاءَ فسَلَّم عليه، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وعَليكَ السَّلامُ، ارجِعْ فصلِّ؛ فإنَّك لم تُصلِّ، فرجع فصلَّى، ثم جاء فسَلَّم، فقال: وعَليكَ السَّلامُ، ارجِعْ فصلِّ؛ فإنَّك لم تُصلِّ، فقال في الثانية، أو في التي بعدَها: عَلِّمْني يا رسولَ الله، فقال: إذا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فأَسْبِغِ الوضوءَ، ثم استقبلِ القِبلةَ فكبَّر… ».
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ، قال: لَمَّا دخَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم البيتَ، دعا في نواحيه كلِّها، ولم يُصلِّ حتى خرَج منه، فلمَّا خرج ركَع ركعتينِ في قُبُل الكَعبةِ، وقال:«هذه القِبلةُ»
عنِ البَراءِ بن عازبٍ: «أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان أوَّلَ ما قَدِمَ المدينةَ نزَلَ على أجدادِه – أو قال: أخوالِه – من الأنصارِ، وأنَّه صلَّى قِبلَ بيتِ المقدسِ سِتَّةَ عَشرَ شهرًا، أو سَبعةَ عَشرَ شهرًا، وكان يُعجِبُه أن تكونَ قِبلتُه قِبلَ البيتِ، وأنَّه صلَّى أوَّلَ صلاةٍ صلَّاها صلاةَ العصرِ، وصلَّى معه قومٌ، فخرَج رجلٌ ممَّن صلَّى معه، فمرَّ على أهلِ مَسجدٍ وهم راكعون، فقال: أشهدُ باللهِ لقدْ صَليتُ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قِبلَ مَكَّةَ، فدَاروا كما هم قِبلَ البيتِ… ».
ما الصلاة التي يجوز فيها ترك القبلة؟
أكد الدكتور يسري جبر، من علماء الأزهر الشريف، أن ما ورد عن سيدنا عبد الله بن عمر في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أثناء رحلاته الطويلة، حيث كان سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستغل أوقات السفر الطويلة في العبادة، حيث كان يصلي النوافل على راحلته، سواء كان يركب الجمل أو الحمار أو الفرس.
وأوضح العالم الأزهري، خلال حلقة برنامج “اعرف نبيك”، أن هذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ملزمًا باتجاه القبلة في صلاة النفل، لأن اتجاه القبلة يتحدد بناءً على اتجاه راحلته.
وأضاف أن هذا الاستثناء في صلاة النافلة لا ينطبق على الصلاة المفروضة، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يوقف الركب كله عندما يحين وقت الصلاة، ثم ينزل ليصلي من قيام، متوجهًا نحو القبلة، مشيرا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ييسر الصلاة للمسافرين، حيث كان يصلي ركوعًا وسجودًا بإيماء في صلاة النفل، دون أن يلمس الراحلة أثناء السجود، مما يعكس التيسير والمرونة في تعاليم الإسلام.
وفيما يخص الصلاة المفروضة، قال الدكتور يسري جبر، إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا يجمع بين صلاتي الظهر والعصر أو المغرب والعشاء في السفر، إما تقديمًا أو تأخيرًا، مع قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، تيسيرًا على الأمة في السفر.
حكم صلاة المسافر في وسيلة المواصلات
قالت دار الإفتاء، إنه أجمع الفقهاء على أنه يجوز للمسافر أن يصلي صلاة النافلة على الراحلة حيثما توجهت به؛ والدليل على ذلك قول الله تعالى: «وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» [البقرة: 115]… وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: “نَزَلَت في التطوع خاصةً”. وقد عمَّم الجمهور ذلك في كل سفر، خلافًا للإمام مالك الذي اشترط كون السفر مما تُقصَر فيه الصلاة.
وتابعت: أما الصلاة المكتوبة فلا يجوز أن تُصَلَّى على الراحلة من غير عذر بالإجماع.. قال العلامة ابن بطال في “شرح البخاري” (3/ 90، ط. مكتبة الرشد): [أجمع العلماء أنه لا يجوز أن يصلي أحد فريضةً على الدابة من غير عذر] اهـ. فإن استطاع المكلَّف أداء الفريضة على الراحلة مستوفيةً لأركانها وشروطها -ولو بلا عذر- صحت صلاته عند الشافعية والحنابلة وعند المالكية في المعتمد عندهم.
وواصلت: قال الحنابلة: وسواء أكانت الراحلة سائرة أم واقفة، لكن الشافعية قيدوا ذلك بما إذا كان في نحو هودج وهي واقفة، وإن لم تكن معقولة، أما لو كانت سائرة فلا يجوز؛ لأن سيرها منسوب إليه.. وقد عدَّد الفقهاء الأعذار التي تبيح الصلاة المفروضة على الراحلة؛ فمما ذكروه: الخوف على النفس أو المال من عدو أو سبع، أو خوف الانقطاع عن الرفقة، أو التأذي بالمطر والوحل، غير أن الشافعية أوجبوا عليه الإعادة؛ لأن هذا عذر نادر. وفي معنى ذلك: عدمُ القدرة على النزول من وسيلة المواصلات للصلاة المكتوبة مع فوات وقتها إذا لم يُصلِّها المكلَّفُ فيها.
وأكملت: وعلى ذلك فالمسافر في وسائل المواصلات -من سيارة وطائرة وقطار وغيرها- بين حالين:
إما أن يكون متاحًا له في وسيلة المواصلات التي يسافر بها أن يصلي فيها قائمًا متجهًا إلى القبلة مستكملًا أركانَ الصلاة وشروطَها، فالصلاة حينئذ صحيحة عند الجمهور بشرط أن تكون وسيلة السفر واقفة، وهي جائزة عند الحنابلة (الصلاة) مع كونها سائرة أيضًا، ولا مانع من الأخذ بقولهم عند الحاجة إليه إذا لم يمكن إيقاف وسيلة السفر.
وإما أن يكون ذلك غير متاح، كأن لا يكون فيها مكان للصلاة مستوفيةً لأركانها ولا حيلة للمكلَّف إلا أن يصلي قاعدًا على كرسيه مثلًا، وإذا انتظر حتى ينزل من وسيلة السفر فإن وقت الصلاة سينقضي أو سيفوته الركب، فإذا كانت الصلاة المكتوبة مما يُجمَع مع ما قبلها أو مع ما بعدها فالأفضل له أن ينويَ الجمع -تقديمًا أو تأخيرًا- ويصليها مع أختها المجموعة معها عند وصوله؛ عملًا بقول من أجاز ذلك من العلماء، أما إن كانت الصلاة مما لا يُجمَع مع غيرها، أو كان وقت السفر يستغرق وقتي الصلاتين كليهما، فحينئذٍ يتحقق في شأنه العذر في الصلاة في وسيلة المواصلات على هيئته التي هو عليها، ولا حرج عليه في ذلك، ويُستَحَب له قضاء هذه الصلاة بعد ذلك؛ خروجًا من خلاف الشافعية في ذلك.
متى يسقط استقبال القبلة؟
استثنى من ذلك العلماء ثلاث حالات، يسقط فيها وجوب استقبال القبلة في الصلاة، وتصح الصلاة فيها لغير القبلة.
أولها: إذا كان المسلم عاجزًا، مريض وجهه إلى غير القبلة ولا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة ، فإن استقبال القبلة يسقط عنه في هذه الحال.
واستندوا في ذلك بلقوله تعالى: « فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم » التغابن/16 ، وقوله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا » البقرة/286 ، وكذلك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: « إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رواه البخاري (7288) ومسلم (1337).
الحالة الثانية: هي إذا كان في شدة الخوف كإنسان هارب من عدو، أو هارب من سبع، أو هارب من سيل يغرقه، فهنا يصلي حيث كان وجهه، ودليلهم قوله تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ» (البقرة:239).
وقوله: « فَإِنْ خِفْتُمْ» عام يشمل أي خوف، وقوله: « فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ» يدل على أن أي ذِكْرٍ تركه الإنسان من أجل الخوف فلا حرج عليه فيه، ومن ذلك: استقبال القبلة، ويدل عليه أيضًا ما سبق من الآيتين الكريمتين، والحديث النبوي في أن الوجوب معلق بالاستطاعة.
الحالة الثالثة: تكون في النافلة في السفر سواء كان على طائرة أو على سيارة، أو على بعير فإنه يصلي حيث كان وجهه في صلاة النفل، مثل : الوتر، وصلاة الليل ، والضحى وما أشبه ذلك.
والمسافر ينبغي له أن يتنفل بجميع النوافل كالمقيم تمامًا إلا في الرواتب، كراتبة الظهر، والمغرب ، والعشاء ، فالسنة تركها، فإذا أراد أن يتنفل وهو مسافر فليتنفل حيث كان وجهه، ذلك هو الثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.