متى ليلة القدر وكيف يكون إحياؤها؟ سؤال أجاب عنه الدكتور فتحي عثمان الفقي، وكيل كلية الشريعة والقانون الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، حيث بقيت آخر ليلة وترية من رمضان 2024 وهي ليلة 29 من رمضان من غروب شمس اليوم، الأحد، وحتى مطلع فجر الاثنين.
متى ليلة القدر وكيف يكون إحياؤها؟
وقال عضو هيئة كبار العلماء إن الله سبحانه وتعالى فضل بعض الأوقات على بعض، ففضل بعض الشهور على بعض، وبعض الأيام على بعض، وبعض الليالي على بعض ومن ذلك ليلة القدر، فهي أفضل الليالي؛ حيث العمل الصالح فيها خير من العمل الصالح في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، قال تعالى: “ليلة القدر خير من ألف شهر” القدر: 3 وأنها الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم؛ قال تعالى “إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ۞ فيها يفرق كل أمر حكيم” الدخان: 3 – 4.
وتابع: “من فضلها كذلك أنها تتنزل فيها الملائكة يؤمنون على دعاء المؤمنين إلى وقت طلوع الفجر، ومن فضلها كذلك أنها سلامة وخير كلها، لا شر فيها إلى طلوع الفجـر”.
وحول “متى ليلة القدر؟”، قال “الفقي”: “لقد اختلف الفقهاء في ذلك اختلافًا كبيرًا، سببه أنه ليس هناك نص قطعي يحدد فيه ليلة القدر، والذي عليه معظم العلماء أنها ليلة سبع وعشـرين؛ لحديث زر بن حبيش رضي الله عنه، قال: قلت لأبي بن كعب: إن أخاك عبد الله بن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القـدر، فقال: يغفر الله لأبي عبد الرحمن! لقد علم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، ولكنه أراد ألا يتكل الناس، ثم حلف لا يستثني – أي يقول: إن شاء الله – أنها ليلة سبع وعشرين. قال: قلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالآية التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بالعلامة أن الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها قال الترمــذي: حديث حسن صحيح، وخرجه مسلم”.
وقيل: “هي في شهر رمضان دون سائر العام، قال هذا أبو هريرة وغيره”.
وقيل هي في ليالي السنة كلها، وآراء أخرى كثيرة لا يتسع الوقت لسردها، ذكرت المختار منها، وهو أنها ليلة سبع وعشرين، ودليل ذلك ما رواه ابن عمـــر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قـــــال: “من كان متحريا ليلة القدر فليتحــرها ليلة سبع وعشرين ” السنن الكبرى للبيهقي ج 4 / 11).
وقال أبي بن كعـب: سمعـــت رســول الله صلى الله عليه وسلم يقـــــول “ليلة القدر ليلة سبع وعشرين” (سنن أبي داوود 1386، وأحمد في مسنده ج 5 / 139)، وقال أبو بكر الـوراق: إن الله تعالى قسم ليالي هذا الشهر – شهر رمضان – على كلمات هذه السورة، فلما بلغ السابعة والعشرين، أشار إليها فقال: هي.
أما عـــــن كيف يكون إحياؤها؟ قال: فيكون بالصلاة، وقراءة القرآن والذكر، والدعاء، خاصة فيما تمر به بلادنا الغالية الآن من هذا الغلاء والوباء الفتاك – بعد تحقق شروطه: من إخلاص النية، واجتناب المعاصي وأكل الطعام الحلال، فقد قيل لإبراهيم بن أدهم: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: “لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه، ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس (الجامع لأحكام القرآن , للقرطبي ج 1 / 796 ط : دار الغد العربي) وغير ذلك من أنواع الأعمال الصالحة.
وأن يكثر من دعاء: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يارسول الله! أرأيت إن علمت، أي ليلة القدر، ما أقــول فيها؟ قـــــال: قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني” أخرجه الترمذي، ففي هذا الحديث: إيماء إلى أن أهم المطالب انفكاك الإنسان من تبعات الذنوب وطهارته من دنس العيوب، وروى أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا كان ليلة القدر نزل جبريل عليه السلام في كبكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم، أو قاعد يذكر الله تعالى ” (هكذا ذكره القرطبي في جامعه وابن الجوزي) وعليك أيها المسلم أن تتخير الأوقات الفاضلة للدعاء، وذلك في السحر ووقت الفطر، وما بين الأذان والإقامة، وفي السجود، وأدبار الصلوات، ووقت الاضطرار وفي حال السفر والمرض، وعند نزول المطر فكل هذا جاءت به الآثار.
أما عن الدليل عليها، فقال: فإن كان السائل يقصد دليل ثبوتها، فقد نزلت فيها سورة كاملة، وهي سورة القدر وأكثر من آية في سورة الدخان، وإن كان السائل يقصد ما يدل عليها من علامات، فهي كما قال العلماء: لليلة القدر علامات يراها من شاء الله من عباده في كل سنة من رمضان؛ لأن الأحاديث وأخبار الصالحين ورواياتهم تظاهرت عليها ومنها ما ورد في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعا: “أنها صافية بلجة – أي مشرقة مضيئة واضحة – كأن فيها قمرا ساطعا ساكنة ساجية – أي ساكنة البرد والريح والسحاب غير مظلمة – ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح”، وأن من أماراتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ.