إطلاق الإصدار السابع لتقرير التنمية العربية بعنوان “تغير المناخ والتنمية المستدامة في الدول العربية” الصادر عن معهد التخطيط القومي بالتعاون مع المعهد العربي للتخطيط بالكويت، والجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ومنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، وذلك ضمن فعاليات المؤتمر العلمي السابع عشر للجمعية العربية للبحوث الاقتصادية بالتعاون مع كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية حول موضوع تغيرات المناخ وانعكاساتها على التنمية الاقتصادية العربية، خلال الفترة من 4- 5 نوفمبر الجاري، بمشاركة أ.د أشرف العربي رئيس معهد التخطيط القومي وأمين عام الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، فضلاً عن نخبة من الخبراء والمختصين ورؤساء المعاهد البحثية والكليات بالوطن العربي.
واستعرض التقرير كلٍ من أ.د هالة أبو علي نائب رئيس معهد التخطيط القومي ورئيس هيئة تحرير التقرير، وأ. د وليد عبد مولاه نائب المدير العام للمعهد العربي للتخطيط بالكويت، وتعقيب أ.د عاطف قبرصي عضو مجلس إدارة الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، حيث أدار الجلسة، أ.د عبد الله فهد الشامي مدير المعهد العربي للتخطيط بالكويت.
وفي هذا الصدد، أوضح أ.د أشرف العربي أن تقرير التنمية العربية يعد نموذجاً مشرفاً للعمل العربي المشترك بين الجهات الأربع المشاركة في إعداده، موضحاً أن اختيار المؤتمر العلمي السابع عشر لإطلاق الإصدار السابع من تقرير التنمية العربية يأتي انطلاقاً من تشابه موضوع التقرير مع القضية التي يناقشها المؤتمر.
ولفت العربي إلى أن تقرير التنمية العربية بات أحد التقارير المهمة التي ينتظرها القارئ العربي العام وواضعي السياسات ومتخذي القرار في دول المنطقة العربية لمناقشته العديد من الموضوعات الهامة على الساحة، ومن بينها قضية التغيرات المناخية التي تشكل تهديداً خطيراً للتنمية المستدامة في المنطقة العربية، كما انه يكتسب اهميه خاصه لتزامن توقيت صدوره مع اقتراب المؤتمر العالمي للتغيرات المناخية COP 28 والذي سيتضمن جلسه لعرض هذا التقرير
وفي ختام كلمته كشف العربي عن موضوع الإصدار الثامن لتقرير التنمية العربية 2024، وهو ” فجوة البيانات”، والذي سيتناول قضية البيانات التي تعد مدخلًا أساسياً لمعالجة مختلف الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة التي تحظى باهتمام الدول العربية كافة.
وأشار د.عبدالله فهد الشامي إلى ان الاصدار السابع لتقرير التنمية العربية استهدف وضع سياسات وآليات لمواجهة حدة العراقيل التي تواجه الاقتصادات العربية وبخاصه على المستوى الهيكلي من خلال الانضباط العلمي والشمول بما جعله اداه مهمه للمخططين في مواجهة تداعيات تغير المناخ على الاقتصادات العربية والوقوف على نوعيه المخاطر التي تخص كل دوله حسب مواردها مشيرا الى ان التقرير اتسم بالتحليل العميق والديناميكية لدراسة كافه التداعيات المناخية على كافه القطاعات الزراعية او الصناعية او التجارية.
من جانبه أوضح المهندس عبد الكريم عابد ممثل منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك” أن هذا الاصدار أسهم في تقديم حلول شاملة وعميقة لقضية التغيرات المناخية وساهم في تسليط الضوء على تداعياتها الاقتصادية على المنطقة العربية وبلورة الحلول لمتخذ القرار لما فيه صالح الدول العربية مشيرا الى دوره المحوري في تحديد المسارات المستقبلية التي من شأنها مواجهة حده تلك التداعيات وتصحيح المسارات وخاصه في عالم يموج بالأزمات.
وفي كلمتها، ألقت أ. د. هالة أبو علي لمحة سريعة على تقارير التنمية العربية السابقة التي تم إصدارها بالتعاون بين المعهد العربي للتخطيط ومعهد التخطيط القومي، مثمنةً تواصل التعاون المثمر بين المعهدين العربي وتوسيعه ليشمل الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ومنظمة أوابك.
واستعرضت أبو علي أهم القضايا التي يناقشها التقرير ومن بينها كيف للعمل المناخي أن يقلل المخاطر والأضرار التي تتكبدها المنطقة العربية من أنماط الطقس المتغيرة في تحقيق أهداف التنمية، ومسارات الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، ومدى مرونة اقتصادات الدول العربية في مواجهة الانخفاض المحتمل في الطلب على الوقود الأحفوري، كما ركز التقرير على “المياه” كقضية مركزية للتكيف مع تغير المناخ ومرونة قطاع الزراعة.
وأشار أ. د وليد عبد مولاه إلى أن التقديرات تشير إلى أنه رغم أن نسبة مساهمة المنطقة العربية في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة لا تتجاوز 5 في المائة من إجمالي الانبعاثات العالمية، لكنها ستواجه أكثر من 30 في المائة من عواقبها السلبية سواء كانت أضرارًا أو وفيات مرتبطة بالمناخ.
وتوقع التقرير أن تؤدي الضغوط المناخية إلى تفاقم الأضرار البشرية والمادية الناجمة عن تغير المناخ بشكل ملحوظ، وهذا من شأنه أن يزيد من حجم التحديات الدائمة التي تواجهها المنطقة والمتمثلة في تدهور الأراضي (التصحر والملوحة)، وارتفاع منسوب مياه البحر، كما توقع أن تؤدي الكوارث المناخية إلى زيادة عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاختلالات المالية والاقتصادية وستؤدي إلى مزيد من الانخفاض في دخل الفرد وفرص العمل والنمو.
وطبقاً للتقرير فإن متوسط درجات الحرارة السنوية في المنطقة قد زاد بنحو 1.5 درجة مئوية في العقود الثلاثة الماضية، وهو ما يمثل نحو ضعف متوسط الزيادة العالمية في درجة الحرارة (0.70 درجة مئوية) خلال الفترة نفسها، كما تم تصنيف ثمانية عشر دولة عربية على أنها فقيرة بالمياه حيث يقل نصيب الفرد من المياه عن 1000 متر مكعب مع وجود قيود شديدة على إتاحتها وجودتها.
ويقدر صندوق النقد الدولي تكاليف التكيف في المنطقة العربية مع التغيرات المناخية بنسبة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، والجدير بالذكر أن تكلفة برامج التكيف أقل بكثير من تكلفة عدم التدخل، وتبلغ تكلفة ارتفاع مستوى سطح البحر (متر واحد) بدون تكيف في مصر نحو 27.3 مليار دولار وفي تونس نحو 1.96 مليار دولار.
وخلص التقرير إلى مجموعة من التوصيات من بينها ضرورة التعاون بين الحكومات في المنطقة العربية لضمان التنفيذ الفعال لاستراتيجيات التكيف والتخفيف في الدول العربية، وكذلك لاستكشاف الوسائل المالية لمعالجة تغير المناخ، وكذلك العمل على دمج خطط العمل المناخية، بما في ذلك برامج العمل الوطنية للتكيف، في خطط التنمية الوطنية الأخرى.
كما أوصى التقرير بضرورة تنفيذ تدابير التكيف والتخفيف المهمة على الفور على الرغم من عدم اليقين فيما يتعلق بآثار تغير المناخ، وكذلك السعي لإيجاد مبادرات تعويض الكربون التي تدعم مشروعات في مناطق أخرى لتعويض الانبعاثات التي لا يمكن تقليصها على الفور، مع التأكيد على ضرورة توفير موارد مالية ومصادر تمويل مناسبة لبرامج التكيف والتخفيف خاصة في المناطق الأكثر تعرضًا لتداعيات التغيرات المناخية؛ وللفئات الأكثر تضررًا من هذه التداعيات؛ مع تحفيز مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدني أيضًا في التمويل.
وشدد التقرير على أهمية تطوير آليات التعاون الإقليمي بين الحكومات في المنطقة العربية لضمان التنفيذ الفعال للاستراتيجيات الوطنية للتكيف والتخفيف، ولتعظيم الإفادة من آليات التمويل الحالية والمستقبلية للتصدي لتغير المناخ، بالإضافة إلى تحفيز دور المنظمات الإقليمية الرسمية في المنطقة العربية، وفي بناء القدرات ورفع الوعي وجمع البيانات والمتابعة والتقييم أيضًا.
هذا وقد نظمت الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية المؤتمر العلمي السابع عشر حول تغيرات المناخ وانعكاساتها على التنمية الاقتصادية العربية، ضمن سلسلة جهود متواصلة لإسهامات الجمعية في دراسة أبعاد تلك القضية المحورية التي يواجه تداعياتها العالم بأسره، واتساقاً مع التوجهات العالمية نحو طرح ووضع سيناريوهات التعامل معها ما يعد مرجعًا مهمًا للباحثين والمختصين في المنطقة العربية، وفتح آفاق جديدة لهم في هذا الشأن، ما ينعكس بدوره على إدراك الحكومات والشعوب لحجم التداعيات وانخراط نتاج تلك الأبحاث والدراسات والمؤتمرات في صناعة القرار ووضع الاستراتيجيات التنموية التي تراعي أبعاد التغيرات المناخية وكيفية الحد من تداعياتها.
وجدير بالذكر أن الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية تأسست عام 1987م، كجمعية أهلية غير ربحية، تهدف إلى تطوير الفكر الاقتصادي العربي من خلال عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل وإنتاج البحوث العلمية الرصينة، وتضم الجمعية في عضويتها نخبة من الاقتصاديين العرب من مختلف الدول العربية.