يمثل ملف سد النهضة الإثيوبي أهمية كبرى لمصر، التي طرقت كل الأبواب خلال السنوات الماضية؛ لإيجاد حلول دبلوماسية للملف الأشهر خلال العقد المنصرم، متمسكة بالحلول السلمية لهذه القضية الشائكة التي تمس حياة المصريين، وفقا للاتفاقيات الدولية ونصوص القانون الدولي، رافضة لكل التصرفات أحادية الجانب من قبل إثيوبيا.
أظهرت صور الأقمار الصناعية التي التقطت مساء الثلاثاء، فتح بوابة التصريف الشرقية للسد بكامل طاقتها بعد توقف التوربينين عن العمل منذ 16 سبتمبر الماضي، وعدم قدرتهما على إمرار المياه الزائدة والتي تمر أعلى الممر الأوسط.
أزمة سد النهضة
كشف الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، عن كارثة جديدة تقوم بها إثيوبيا حاليًا، مؤكدًا أن إثيوبيا تبدأ في تجفيف الممر الأوسط تمهيدًا للملء الخامس للسد.
وقال الدكتور عباس شراقي، إن الصور تكشف استمرار عبور المياه أعلى الممر الأوسط، وهو ما سيتوقف خلال الأسبوع القادم، وبعدها يجف الممر تمهيدا لبدء الأعمال الخرسانية لزيادة ارتفاع جانبي السد والممر الأوسط.
وأكد “شراقي”، أن إثيوبيا بدأت الاستعداد مبكرًا هذا العام لتنفيذ أعمال زيادة الممر لكي تتمكن من زيادة ارتفاع السد بنحو 20 مترا إضافية، مشيرا إلى أنها ترغب في الوصول بارتفاع الممر إلى 640 مترا لتصل إلى حجم تخزين يقدر بنحو 64 مليار متر مكعب من المياه.
وذكر أن التخزين الخامس يعد الخرق السادس من جانب إثيوبيا لإعلان مبادئ سد النهضة الموقع في مارس 2015، والبيان الرئاسي لمجلس الأمن في سبتمبر 2021، موضحا أن هذه الخروقات تشمل التخزين الأول في عام 2020، والثاني 2021، وتشغيل أول توربينين في فبراير 2022، والتخزين الثالث في العام 2022، وتشغيل التوربين الثاني في أغسطس 2022، والتخزين الرابع في 2023.
وتابع خبير الموارد المائية قائلًا: “كما تظهر الصور أيضًا استمرار عبور المياه أعلى الممر الأوسط والتي سوف تتوقف خلال الأسبوع المقبل، بعدها يجف الممر الأوسط تمهيدًا لبدء الأعمال الخرسانية لزيادة ارتفاع جانبى السد والممر الأوسط”.
وحذر، فى حالة عدم الوصول إلى اتفاق فمن المتوقع أن تنتهى من كامل الأعمال الخرسانية عن منسوب 645 مترا فوق سطح البحر لجانبى السد، و640 مترا فوق سطح البحر للممر الأوسط وتخزين 23 مليار متر مكعب، حتى يصل إجمالى التخزين إلى 64 مليار متر مكعب، وهذه هى السعة القصوى الحقيقية لسد النهضة وليس 74 مليار متر مكعب بسبب وجود الممر الأوسط منخفضًا 5 أمتار عن الجانبين.”
ويأتي التصرف الإثيوبي بالاستعداد للملء الخامس عقب انتهاء 3 جولات تفاوضية حول السد وفق اتفاق بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي على هامش مؤتمر دول جوار السودان، حيث مازالت أديس أبابا تماطل في تنفيذ أي التزامات وفق بيانات رسمية لوزارة الموارد المائية المصرية.
من جانبه قال الدكتور أحمد سيد أحمد المحلل السياسي، إن انطلاق مسار المفاوضات بشأن قضية سد النهضة جاء بعد لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد في 13 يوليو الماضي بالقاهرة علي هامش اجتماع دول جوار السودان واتفق البلدان على الانخراط في المفاوضات بهدف الوصول إلى حل شامل وعادل لأزمة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا.
وأضاف سيد أحمد في تصريحات خاصة لـ صدى البلد، أن الجولات السابقة التي عقدت في مفاوضات أزمة سد النهضة بين القاهرة وإثيوبيا تعيد إحياء مسار القضية بعدما كان توقف منذ أكثر من عامين ونصف العام تحديدا في أبريل 2021، حيث كانت المفاوضات في حالة جمود تام انبسط بعد لقاء الرئيس السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا.
وأشار المحلل السياسي، إلى أن الجولات السابقة من مفاوضات سد النهضة لم تسفر عن أي نتائج مرضية لأي من الأطراف بسبب رد إثيوبيا الذي اعتبرته مصر تعنتا إثيوبيًا بسبب رفض إثيوبيا التوصل إلى اتفاق شامل وملزم لجميع الأطراف بشأن قواعد ملء سد النهضة.
وأوضح أن الجانب الاثيوبي لم يغير نهجه في المفاوضات ونخشى أن تكون هذه المفاوضات لاستنزاف مزيد من الوقت بينما إثيوبيا تبدأ في الملء الخامس دون أن تكترث بالأضرار المترتبة على هذا الملء المنفرد على مصر والسودان.
تابع: ومازالت مصر تلتزم بالمفاوضات والحوار لحل أزمة سد النهضة رغم قرار مجلس الأمن في سبتمبر 2021 والذي دعاء الى الإسراع في الوصول الى اتفاق قانوني ملزم بشأن أزمة سد النهضة.
مراحل مفاوضات سد النهضة
وأعلنت وزارة الخارجية إحالة ملف سد النهضة إلى مجلس الأمن التابع للأم المتحدة؛ للوصول إلى حل عادل ومتوازن لقضية السد الإثيوبي التي تتفاوض حولها مصر والسودان وإثيوبيا منذ 10 سنوات تقريبًا.
فيما أعلنت وزارة الموارد المائية والري، في وقت سابق انطلاق جولة تفاوضية جديدة على المستوى الوزاري بشأن سد النهضة بمشاركة الوفود المعنية من مصر، والسودان، وإثيوبيا في القاهرة.
يأتي ذلك في إطار متابعة العملية التفاوضية عقب الجولتين اللتين عقدتا في القاهرة ثم أديس أبابا خلال الشهرين الماضيين، وذلك بناء على توافق الدول الثلاث على الإسراع بالانتهاء من الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، في أعقاب لقاء قيادتي مصر وإثيوبيا في 13 يوليو من العام الجاري.
وقال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري، إن الجولة الأخيرة المنتهية لم تسفر عن تحقيق تقدم يُذكر، حيث شهدت توجهًا إثيوبيًا للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة وكذا الترتيبات الفنية المتفق عليها دوليا التي من شأنها تلبية المصالح الإثيوبية اتصالًا بسد النهضة دون الافتئات على حقوق ومصالح دولتي المصب.
في سبتمبر الماضي، عقدت في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا، الجولة الثانية من مفاوضات سد النهضة، بحضور الوزراء المعنيين من مصر، والسودان وإثيوبيا، ووفود التفاوض من الدول الثلاث.
جاء ذلك في إطار استكمال الجولات التفاوضية، التي بدأت في القاهرة يومي 27 – 28 أغسطس الماضي، بناءً على توافق الدول على الإسراع بالانتهاء من الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، في ظرف أربعة أشهر، في أعقاب لقاء قيادتي مصر وإثيوبيا في 13 يوليو الماضي.
كانت البداية، عندنا اتفق الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على بدء مفاوضات، للاتفاق على ملء سد النهضة وقواعد تشغيله، في 13 يوليو الماضي، بعد انقطاع قارب العامين.
وذكرت الرئاسة في بيان، أن السيسي وآبي أحمد أجريا نقاشًا حول سبل تجاوز الجمود الحالي، الذي تشهده المفاوضات المتعلقة بسد النهضة.
وأضاف البيان، أن الزعيمين اتفقا على الشروع في مفاوضات عاجلة، للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء سد النهضة وقواعد تشغيله.
وفي 27 أغسطس الماضي، أعلنت وزارة الري ، استئناف مفاوضات سد النهضة بالقاهرة، وأكدت الوزارة على أهمية التوصل إلي اتفاق قانوني ملزم، بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، والتوقف عن أي خطوات أحادية في هذا الشأن.
وقالت الوزارة، إن استمرار ملء وتشغيل السد في غياب اتفاق يعد انتهاكًا لاتفاق إعلان المبادئ الموقع عام 2015.
وأكدت وزارة الري، أن مصر مستمرة في بذل أقصى الجهود لإنجاح العملية التفاوضية، خاصة أن هناك العديد من الحلول الفنية والقانونية، التي تتيح تلبية مصالح الدول الثلاث.
وكانت توقفت المفاوضات بشأن سد النهضة الإثيوبي رسميا منذ أبريل 2021، بعد فشل مصر والسودان وإثيوبيا في التوصل إلى تفاهم قبل بدء الملء الثاني للسد، الذي نفذته إثيوبيا في يوليو الماضي.
وترفض مصر والسودان، إصرار إثيوبيا على ملء سد النهضة، قبل التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن الملء والتشغيل.
ويعتبر سد النهضة الإثيوبي من أخطر قضايا المياه في مصر، إذ أعربت عن مخاوفها من أن يؤثر المشروع سلبا على إمدادات المياه في البلاد، كما أصرّت على اتخاذ تدابير لحماية دول المصب، في حالة حدوث جفاف أثناء عملية ملء السد.
وبدأ بناء سد النهضة الإثيوبي عام 2011، وهو أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، وتتجاوز تكلفته 4 مليارات دولار.