مع اقتراب شهر رمضان 2025، تعود ماكينة الدراما المصرية للدوران، تطلق شرارتها الأولى عبر إعلانات تشويقية صاخبة، تعدنا – كما كل عام – بموسم “غير مسبوق”.
النجوم يتسابقون في ماراثون بلا خط نهاية، بينما أنت، بعد يوم طويل من الصيام، تجلس أمام الشاشة، تتناول قطعة من الكنافة الغارقة في العسل، ويدك الأخرى تتنقل بين القنوات بأزرار الريموت؛ بحثًا عن شيء مختلف… لكن هل ستجده؟ أم أنك ستواجه نفس الوجوه، نفس الصراعات، نفس القوالب المعتادة، فقط بغلاف جديد وإضاءة أكثر احترافية؟
لا أحد يعرف الإجابة بعد، لكن شيئًا واحدًا مؤكد، سنشاهد، وسننتقد، وسنقع في فخ الحلقات الأولى، ثم نقرر بعد أسبوع إن كنا سنكمل أم سنلجأ لخيارنا المفضل؛ إعادة مشاهدة المسلسلات القديمة مع كوب الخشاف.
كالعادة، رمضان يأتي بمائدة درامية عامرة بكل ما لذ وطاب… أو هكذا يُفترض. تشكيلة المسلسلات هذا العام تحاول إرضاء جميع الأذواق، بين الكوميديا الخفيفة، والدراما الاجتماعية الثقيلة.
الدراما الصعيدية حاضرة بقوة. يعود مصطفى شعبان ليخوض -من جديد- في عالم الجنوب، هذه المرة من بوابة “حكيم باشا”، حيث يجسد شخصية تعمل في تنقيب وتجارة الآثار، محاطًا بالكثير من الصراعات العائلية والمجتمعية. الصعيد، بجباله وسيوفه ولهجته الحادة، لا يزال مصدر إلهام لا ينضب.
بعد “حكيم باشا”، يستمر الصعيد في فرض حضوره عبر “قلع الحجر2 أو قبايل الصخرة”، حيث يعود محمد رياض ليكمل الحكاية في أجواء تزداد حدتها مع كل حلقة. الصراعات في الجزء الثاني تتجاوز الخلافات العائلية على الإرث أو الثأر؛ فتتسع لتشمل قضايا أشد تعقيدًا؛ الاتجار بالسلاح، الصفقات المريبة…
ومن الصعيد إلى الريف…
بعيدًا عن جبال الصعيد وسيوفه، لكن ليس بعيدًا عن الصراعات، يأخذنا “ظلم المصطبة” إلى قلب الريف المصري، حيث تُحسم المعارك أحيانًا بالكلمة، وأحيانًا بالتقاليد التي لا ترحم. في هذه الحكاية، تدور اللعبة بين “حسن” و”حمادة”، صديقان تفرّقهما الغربة، ثم يعيدهما الحب والسلطة إلى مواجهة لا تقبل القسمة على اثنين. في غياب الأول، يتزوج الثاني من “ربيعة”، مستغلًا الأعراف وسلطة أخيه شيخ القرية، وعند عودة الغائب، لا يكون الانتقام مجرد خيار، بل قدر محتوم. في 15 حلقة فقط، يحاول المسلسل أن يرسم ملامح الظلم حين يتخفى خلف العادات والتقاليد الريفية، تلك التي يُفترض أنها تحفظ التوازن، لكنها في كثير من الأحيان تتحول إلى سيف يُستخدم وفق المصالح والأهواء، ليبقى السؤال، متى يصبح الإرث الثقافي حماية، ومتى يتحول إلى قيد؟
بعد زحام الصعيد وتقاليد الريف، تأتي الكوميديا كاستراحة محارب… هذا الموسم، الكوميديا تُطل علينا بعدة وجوه بارزة، لكل منهم طريقته الخاصة في إضحاك الجمهور. محمد هنيدي يعود من الغيبوبة في “شهادة معاملة أطفال”، لكن ليس وحده، بل ومعه إفيهاته الأيقونية التي قد تصيبنا إما بالضحك الصادق أو الحنين المفرط إلى زمن أفلامه القديمة. التصادم بين الماضي والحاضر قد يكون أرضًا خصبة للكوميديا. الجمهور يتساءل، هل سيحافظ هنيدي على بريقه، أم سيجد نفسه في مواجهة نكات “Expired”؟!
أما الكابتن أكرم حسني؛ فيحلق هذا العام بعيدًا عن الواقع، ليجد نفسه وسط أزمة غير متوقعة. حيث يؤدي دور طيار يرتكب خطأً كارثيًا؛ فيتحول من قائد للرحلة إلى رجل تطارده أرواح الركاب الذين لقوا حتفهم في الحادث. فهل نحن أمام إقلاع ناجح في سماء الكوميديا، أم أن المسلسل قد يواجه مطبّات هوائية بين الكوميديا والفانتازيا. رحلة رمضان ستكشف لنا إن كان “الكابتن” سيحلق عاليًا، أم سيهبط اضطراريًا في مطار الإفيهات!
أما دنيا سمير غانم، فهي “تعيش الدور” حرفيًا في مسلسلها الجديد. حيث تجد نفسها فجأة طالبة جامعية وسط جيل أصغر منها بسنوات، بعد حدث غير متوقع يُجبرها على العودة إلى الدراسة؛ لتواجه تحديات لم تكن في الحسبان، في مواقف كوميدية قد تكون أقرب للواقع مما نتخيل، حيث تتداخل المسؤوليات والأدوار في رحلة مليئة بالمفارقات.
وما بين العلاقات المعقدة، والصراعات العائلية، والقرارات التي تغير المصير، تتألق الدراما الاجتماعية هذا الموسم بعدة أعمال، لكل منها زاويته الخاصة في استكشاف مشاعر البشر وتشابكاتهم. نيللي كريم، روبي، كندة علوش، وجيهان الشماشرجي يجتمعن تحت سقف واحد في “إخواتي”. أربع شقيقات، أربع حكايات، ومشاعر متضاربة بين الحب، الغيرة، والخوف من الوحدة. يضعنا المسلسل أمام مرآة العائلة، حيث لا شيء أكثر دفئًا… أو أكثر تعقيدًا من رابطة الدم.
أما في “قلبي ومفتاحه”؛ فالحب لا يأتي عبر النظرات الحالمة أو الصدف السعيدة، بل عبر موقف غير متوقع تمامًا. آسر ياسين، سائق أجرة بسيط، ومي عز الدين، امرأة تقرر الزواج منه فجأة. هل هو القدر، أم مجرد مغامرة أخرى في زمن أصبح فيه الحب قرارًا عقلانيًا أكثر منه شعورًا جارفًا؟
هذه مجرد عينة من قائمة طويلة، فالموسم ممتلئ بالأعمال التي تتنافس بضراوة على انتباه المشاهدين. كل مسلسل يقف على خط البداية، يلمع في أضواء الدعاية، ويمنح جمهوره وعودًا بحكايات لم تُروَ من قبل. السباق لم يبدأ بعد، لكن العد التنازلي يجري بسرعة. في الأيام المتبقية، سترتفع حرارة المنافسة، وسنسمع تصريحات النجوم، وسنشاهد البروموهات التي تعدنا بكل شيء. لكن الحقيقة ستتكشف حين تنطفئ الأضواء، ويبدأ أول مشهد، وتصبح المواجهة مباشرة بين الدراما والجمهور.
رمضان دراما بحد ذاته، بكل طقوسه وروائحه ولمّته التي لا تُشبه أي وقت آخر في العام. المساء يحلّ، تتعالى ضحكات العائلة، تنبعث رائحة القطايف الساخنة من المطبخ، وصوت صبّ الخشاف في الأكواب يعلن عن بدء الأمسية. الريموت في يدك، العيون تترقب الشاشة، والسباق ينطلق أخيرًا.
هنا، في هذه اللحظة تحديدًا، تُحسم المعركة الحقيقية. لا يهم كم كان البرومو مشوقًا، أو كم من التصريحات سمعناها عن “الموسم الأقوى”. الآن، أنت الحكم الوحيد.
المسلسلات كثيرة، الوعود أكثر، لكن الشاشة لا تكذب. فمن سيمضي معه الجمهور كما تمضي ليالي رمضان سريعًا، ومن سيتلاشى قبل أن يكتمل الهلال؟
الإجابة ليست في الإعلانات، لكنها ستبدأ مع أول إفطار، وحلقة تلو الأخرى ستكشف من يستحق البقاء في السباق…