أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً جديداً حول الإذاعة بعنوان “تأثير ممتد على مر العصور”، سلط من خلاله الضوء على التاريخ العريق للإذاعة، واستعرض دورها في إذكاء الوعي المجتمعي محلياً وعالمياً، وتعزيز التثقيف والتنوير السلوكي.
وأشار إلى اختيار المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يوم 13 فبراير من كل عام للاحتفال باليوم العالمي للإذاعة، وهو التاريخ الذي يعود إلى عام 1946 عندما تم بث أول إذاعة لهيئة الأمم المتحدة، ومنذ ذلك الحين، تنعم البشرية بأثير البث الصوتي حاملًا بين تردداته مزيج من حياتنا اليومية ورؤانا للحاضر والمستقبل.
ولفت تقرير المركز إلى نمو سوق محطات الراديو العالمية من 83.74 مليار دولار أمريكي في عام 2022 إلى 87.31 مليار دولار أمريكي في عام 2023 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 4.3%.
وذكر أنه من المتوقع أن تصل إلى 100.64 مليار دولار أمريكي في عام 2027 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 3.6%.
ومن المتوقع أن تنمو صناعة سوق الراديو الرقمي المحمول (Digital Mobile Radio) من 4.91 مليار دولار أمريكي في عام 2022 إلى 13.20 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 13.2% خلال الفترة (2022-2030).
وكان لجائحة “كوفيد-19” تأثير كبير على سوق الراديو الرقمي المحمول، فقد أدت الحاجة المتزايدة للاتصالات عن بٌعد، وتدابير التباعد الاجتماعي إلى زيادة الطلب على أجهزة الراديو المحمولة الرقمية؛ لأنها تسمح بالاتصال الآمن والموثوق بين العمال في مواقع مختلفة، بالإضافة إلى ذلك، أدى الاستخدام المتزايد لأجهزة الراديو الرقمية المحمولة في خدمات الرعاية الصحية والطوارئ إلى زيادة نمو السوق.
وقد زاد وصول الأمريكيين إلى الراديو عبر الإنترنت بشكل كبير في العقد الماضي؛ حيث استمع 75% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية إلى الراديو عبر الإنترنت حتى يونيو 2023، مقارنة بـ 45% قبل عشر سنوات، كما زاد الاستهلاك الأسبوعي للراديو عبر الإنترنت بين المستمعين في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث ارتفع من 12% في عام 2007 إلى 70% في عام 2023.
واستعرض التقرير أبرز التحديات التي تواجه الإذاعة على المستوى العالمي خلال الفترة الحالية مشيراً أنها على النحو الآتي:
– انخفاض نسبة المستمعين: في عصر تهيمن عليه الهواتف الذكية، وخدمات البث، والمحتوى حسب الطلب.
– ظهور المنصات الرقمية: حيث أحدثت المنصات الرقمية مثل “سبوتي فاي” (Spotify) و”ميوزيك آبل” (Apple Music) ثورة في الطريقة التي يستهلك بها الأفراد الموسيقى، وباتت بدائل للراديو التقليدي، مع مكتبة واسعة من الموسيقى، فالمستمعون الآن يتمتعون بحرية تنظيم تجاربهم الصوتية الخاصة، وقد أثر هذا التحول نحو استهلاك المحتوى المخصص وحسب الطلب بشكل كبير على قدرة صناعة الراديو على جذب جمهور كبير والاحتفاظ به.
– الانتشار العالمي الواسع للمنصات الرقمية: فمع كسر الإنترنت للحواجز الجغرافية، تتمتع خدمات البث بالقدرة على جذب جمهور عالمي واسع، وقد أدت إمكانية الوصول العالمية هذه إلى ظهور عدد كبير من منشئي المحتوى المستقلين والمذيعين المتخصصين، الذين يمكنهم الآن التواصل مع المستمعين في جميع أنحاء العالم دون الحاجة إلى البنية التحتية التقليدية للبث. ونتيجة لذلك، تواجه محطات الراديو منافسة متزايدة على المستمعين، حيث يتوافر لدى الجمهور عدد كبير من الخيارات المتاحة لهم.
– انتشار الهواتف الذكية: أدى انتشار الهواتف الذكية في كل مكان إلى تغيير طريقة وصول الناس إلى الوسائط واستهلاكها، فمع ظهور تطبيقات الهاتف المحمول والاتصال بالإنترنت، أصبح لدى الأفراد الآن مجموعة لا مثيل لها من خيارات الترفيه المتاحة لهم.
– التحولات الديموغرافية: أدت التحولات الديموغرافية والتفضيلات المتغيرة بين الأجيال الشابة إلى تفاقم التحديات التي يواجهها الراديو، فغالبًا ما يعطي جيل الألفية والجيل Z -الذين نشأوا في عالم رقمي بشكل متزايد-، مما يعزز تفضيل خدمات البث والبودكاست التي تقدم توصيات مخصصة ورواية قصص غامرة.
وقد ذكر التقرير أنه على الرغم من هيمنة الوسائط الرقمية وخدمات البث المباشر، فإن صناعة الراديو التقليدية ما زالت قوية وتُظهر إمكانات نمو واعدة، حيث تشير التوقعات العالمية إلى أن صناعة الراديو ستحافظ على حجم سوقي قوي قدره 11.76 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 224 مليون مستمع في الولايات المتحدة بحلول عام 2027، ولمواجهة زخم التطور التكنولوجي والانتشار الواسع للمنصات الرقمية بمزايا مختلفة، شهدت المحطات الإذاعية تحولاً كبيرًا من خلال عدد من الإجراءات من بينها:
– تبني تقنيات جديدة: حيث عمدت الإذاعة إلى تبني تقنيات جديدة تتلاءم مع تغيير تفضيلات وسلوكيات المستمعين، وكان أحد الابتكارات الرئيسة التي تم تقديمها هو “البودكاست”، فقد أصبحت المدونات الصوتية (البودكاست) تحظى بشعبية كبيرة في السنوات الأخيرة، وتستفيد محطات الراديو من هذا الاتجاه من خلال إعادة توجيه محتوى البث إلى حلقات حسب الطلب، وهذا يوسع نطاق وصولهم والدخول إلى سوق البودكاست، ما يسمح بتلبية احتياجات جمهور أوسع.
– التكيف مع تغير سلوكيات المستهلك: أثبتت الصناعة قدرتها على التكيف والتطور مع تغير سلوكيات المستهلك، حيث أتاح دمج الأجهزة التي تعمل بالصوت ومكبرات الصوت الذكية إمكانية الوصول إلى محطات الراديو من خلال الأوامر الصوتية، وقد أدى هذا إلى تحول كبير في كيفية استهلاك الأفراد لمحتوى الراديو، باستخدام أمر صوتي بسيط، يستطيع المستمعون الآن الاستماع إلى محطة الراديو أو برنامجهم المفضل من أي مكان في العالم.
– توظيف منصات وسائل التواصل الاجتماعي: استفادت صناعة الراديو أيضًا من منصات وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع مستمعيها. وقد مكنهم ذلك من إنشاء تجربة استماع أكثر تفاعلية وشخصية لجمهورهم؛ حيث زودت منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر، وفيسبوك، وإنستجرام محطات الراديو بطرق جديدة للتواصل مع مستمعيها، والترويج لمحتواها.
كما استعرض التقرير التحولات التي شهدتها الإذاعة والمزايا التي جعلتها تحافظ على مكانتها:
– التعاون مع منصات أخرى والمشاركة في الأحداث الحية: غامرت محطات الراديو بالمشاركة في الأحداث الحية والحفلات الموسيقية والتعاون مع منصات الوسائط الأخرى، ومن خلال الاستفادة من التعرف على علامتها التجارية وتأثيرها على الجمهور، تعمل محطات الراديو على خلق مصادر دخل جديدة وفرص للنمو.
– المحتوى المتصل بالموقع (Location-Specific Content): إحدى نقاط القوة في صناعة الراديو هي قدرتها على توفير محتوى محلي، حيث يمكن للراديو التقليدي تقديم معلومات في الوقت الفعلي مصممة خصيصًا لموقع الأفراد، سواء أكانت تحديثات حركة المرور، أو تقارير الطقس، أو الأحداث المجتمعية، فإن محطات الراديو المحلية دائمًا ما تكون على دراية بما يحدث في مناطق الأفراد.
– المحتوى المتعلق بالتفضيلات الشخصية (Personalized Content): الراديو التقليدي يعد أيضًا وسيلة رائعة في تقديم محتوى مخصص، فمع وجود مجموعة واسعة من المحطات التي تلبي جميع الاهتمامات يمكن للمستمعين بسهولة العثور على برنامج يناسب أذواقهم، فهناك محطة مثالية لكل فرد.
– اتصال جذاب وأصيل: كان الراديو وسيلة شعبية لعقود من الزمن ولسبب وجيه. يمكنها إنشاء اتصال جذاب وحقيقي مع مستمعيها، وهو ما تكافح الأشكال الأخرى من وسائل الإعلام لتكراره، وذلك لأن الراديو يحفز الخيال والعواطف من خلال الصوت وحده بدلاً من الاعتماد على الوسائل البصرية. ونتيجة لذلك، فهو يعزز رابطة عاطفية قوية مع الجمهور.
وأوضح التقرير أنه على الرغم من أن الراديو لم يعد المصدر الموسيقى الرئيس، فإنه لا يزال أداة مهمة للأعمال الموسيقية، فهو يساعد على اكتشاف الفنانين الجدد واكتساب الشعبية، كما أنه يساعد الفنانين المعروفين في الحفاظ على شعبيتهم، ووفقًا لأحدث البيانات خلال السنوات الأخيرة، يستمع 94% من الأشخاص إلى راديو (AM/FM)، وهو التنسيق الأكثر شيوعًا.
وسلط التقرير الضوء على كيفية مساهمة الإذاعة في التنشئة الاجتماعية، مشيراً إلى أن الإذاعة تسهم في تنشئة الأطفال وذلك من خلال الآتي:
– الاستماع إلى الراديو يحسن التركيز على اللغة المنطوقة، حيث يدرك الأطفال الصغار بيئتهم بشكل رئيس من خلال السمع.
– توفير المعلومات: إذ تُعدٌّ الإذاعة مصدرًا مهمًا لحصولهم على الأطفال المعرفة حول العالم، دون الصور المزعجة المحتملة التي يمكن أن تُرى مع الوسائط المرئية.
– يشجع الراديو والوسائط الصوتية الأخرى الأطفال على الإبداع: فالاستماع إلى الراديو يفتح عالمًا جديدًا تمامًا للأطفال، مختلفًا تمامًا عن العالم الذي تعرفوا عليه من خلال الهواتف الذكية والتلفزيون، وتخلق الإذاعة بيئة حرة لاكتشاف هوية الأطفال، ومساحة مميزة لها لغتها وموسيقاها ومحتواها الخاص.
وأشار التقرير إلى أن الإذاعة، بميزاتها الواسعة، توسع آفاق الطفل ورؤاه وتصوراته وتعبيره وتفكيره ونظرته للعالم، فهي تقوم بتعليم وإعلام وترفيه ونشر وتنشئة وتواصل وتحرير الأفراد وحمايتهم من التفاهة والأحكام السريعة على الآخرين، ويمكن للأطفال أيضًا أن يتعلموا عادات التسامح والانفتاح والأخلاق الحميدة وآداب السلوك، التي يمكن أن تساعده في إدارة مشكلاته.
كما أبرز التقرير دور البرامج الإذاعية في تعزيز حقوق المرأة ومكافحة العنف المنزلي، حيث أدت الإذاعة دورًا مهمًا في التوعية بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، وساهمت في بدء حوارات إيجابية تمكن المرأة من التعبير عن نفسها بحرية، وفي أفريقيا، ظهر العديد من المحطات والبرامج الإذاعية التي تعمل على تمكين المرأة وتعزيز دورها المجتمعي.
كما استعرض التقرير الإجراءات التي من شأنها نشر الثقافة بالمجتمع، وتعزيز الدور الحيوي الذي تؤديه الإذاعة أو البث الإذاعي في الحفاظ على التراث الثقافي وزيادة فعاليته، خاصة في ظل التطور التكنولوجي الحالي والمنصات الرقمية الموجودة، ومن بين هذه الإجراءات:
– التوطين والحفاظ على الثقافة: وتشمل جهود التوطين بث الأخبار والموسيقى والبرامج الحوارية باللغات واللهجات الإقليمية، ولا تحافظ خدمات الراديو الإقليمية والعرقية على التراث الثقافي فحسب، بل تعمل أيضًا على تعزيز الروابط داخل مجتمعها.
– المشاركة المجتمعية: تعمل هذه المحطات الإذاعية على تعزيز المشاركة المجتمعية من خلال معالجة القضايا المحلية، وتوفير الأخبار المحلية وتحديثات الأحداث.
– التمثيل والشمولية: تلبي البرامج الإذاعية العرقية احتياجات مجتمعات محددة قد لا تجد تمثيلاً مناسبًا في وسائل الإعلام الرئيسة.
– تطوير البنية التحتية: يؤدي هذا إلى تحويل مشهد الخدمات الإذاعية الإقليمية والعرقية، وتمكينها من خلال زيادة التغطية وتحسين جودة الإشارة والوصول إلى خدمات الإنترنت والبث المباشر. ومن خلال الاستفادة من هذه التطورات، يمكن لمحطات الإذاعة الإقليمية والعرقية التواصل مع جماهير أوسع، وسد الحواجز الجغرافية، والمساهمة في الحفاظ على التراث الثقافي.
– التواجد على الويب: يمكن لمحطات الراديو إنشاء موقع ويب سهل الاستخدام وتطوير تطبيقات الهاتف المحمول لتلبية احتياجات المستمعين المهتمين بالتكنولوجيا، مما يسمح لهم بالبث والوصول إلى أرشيفات البرامج والتفاعل مع المحطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
– تحليلات البيانات: يمكن أن يساعد استخدام أدوات تحليل البيانات محطات الراديو على فهم تفضيلات المستمعين، وتحليل التركيبة السكانية للجمهور، وتصميم المحتوى وفقًا لذلك، ما يعزز تجربة المستخدم ويجذب المعلنين.