تحل علينا اليوم الجمعة 6 أكتوبر 2023، الذكرى 50 لـ نصر أكتوبر العظيم، ذلك النصر الذي دفع من أجله أبطال القوات المسلحة من جنود وضباط وقادة مصر البواسل ثمنا غاليا من دمائهم الطاهرة، ليستردوا جزءا عزيزا من أرض الوطن الذي أقسموا على حمايته وصون ترابه وحدوده مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات ومهما كانت التحديات والأوجاع.
ذكرى نصر أكتوبر العظيم 73
حرب أكتوبر كانت اختبارا حقيقيا لقدرة الشعب المصري على تحويل الحلم إلى حقيقة، فذلك الاحتفال اليوم لتستعيد الدولة المصرية من ذاكرتها قصة كفاح شعبها عبر تاريخها الممتد منذ آلاف السنين.
وتمثل حرب أكتوبر 1973 إحدى جولات الصراع العربي الإسرائيلي لاسترداد شبه جزيرة سيناء والجولان التي سبق أن احتلتهما إسرائيل، وكانت المحصلة النهائية هي تدمير خط بارليف وعبور قناة السويس ومن ثم استرداد سيناء، حيث أمكن لمصر أن تنتصر رغم التحصينات الإسرائيلية بامتداد خط بارليف وتقهر العدو وتقضي على اسطورته المزيفة.
عندما تولى الرئيس الراحل محمد أنور السادات رئاسة الجمهورية عام 1971 وقدم لمبعوث الأمم المتحدة جونار يارينج شروطا لتسوية سلمية بين مصر وإسرائيل وأهمها انسحاب إسرائيل لحدود 4 يونيو 1967 ورفضتها إسرائيل لم يبق أمامه غير خيار الحرب بقناعة مصرية سورية وكانت المفاجأة صاعقة للإسرائيليين.
وحقق الجيشان المصري والسوري الأهداف المرجوة من وراء الحرب عمل وزير الخارجية الأمريكي هنرى كيسنجر وسيطًا بين الجانبين ووصل إلى اتفاقية هدنة لا تزال سارية المفعول بين سوريا وإسرائيل.
وبدلت مصر وإسرائيل اتفاقية الهدنة باتفاقية سلام شاملة في “كامب ديفيد” 1979، وكان من النتائج الأخرى لهذه الحرب تحطم أسطورة أن جيش إسرائيل لا يقهر.
قوات الاستطلاع على الجبهة
وحول معركة نصر أكتوبر وكواليسها، استضاف موقع “صدى البلد”، اللواء الدكتور نصر سالم أحد أبطال أكتوبر، ورئيس جهاز الاستطلاع الأسبق وأستاذ العلوم الاستراتيجية، الذي قال إنه كان أحد قادة مجموعات الاستطلاع الاستراتيجية التي تعمل خلف خطوط العدو وكانت مهمتها الرئيسية والأساسية هي معرفة أوضاع العدو وحجم نشاطه.
وأضاف أن المجموعة استطاعت بالفعل أن تستمر في عملها لمدة 6 أشهر بعد انتهاء الحرب، موضحا أن المسرح السينائي لم نفقد سيطرتنا عليه من الناحية المعلوماتية رغم ما حدث في حرب 5 يونيو 1967.
وتابع: كنت أراقب محورين طوليين من عمق العدو في اتجاه الجبهة يربط بينهما محور عرضي بالإضافة إلى منطقة تعبوية غاية في الأهمية يوجد فيها باستمرار الاحتياطي التعبوى للعدو وأى قوات يتم تجميعها، بالإضافة إلى مراقبة أحد مطارات الجبهة الرئيسية للجبهة وتم توفير المعلومات عن اللواء المدرع الذي تم قصفه يوم 8 أكتوبر ومنعه من التدخل.
وأوضح أن الاستطلاع هو المسئول عن تجميع المعلومات عن قوة العدو، بداية من تسليحه وأنواع الأسلحة ومرورا بنقاط الضعف والقوة، وصولا إلى تقديم أفضل الطرق لاستغلال نقاط ضعفه وإفشال نقاط قوته، وبالتالي فإن هذه المعلومات يجب أن تكون متوافرة دائما.
وواصل: الاستطلاع يمثل مكانة العين في الجسد دون مبالغة حيث يتم اختيار ضابط الاستطلاع من خلال كل قائد بمعدل 20 فردا من بين ألف، وهو ما يعكس دقة وصرامة معايير الاختيار، خاصة أن المهمة الرئيسية لضابط المخابرات كشف فيم يفكر العدو، كما أنه القادر على الإجابة عن أى سؤال يخص العدو.
المصريون قبل حرب أكتوبر
وأردف اللواء نصر سالم: أنه “كان هناك كشافين لاختيار الجنود وتوزيعهم على الأسلحة والأجهزة قبل حرب أكتوبر، بالإضافة إلى تدريبهم على أجواء الحرب تحت ضغط نفسي شديد جدا جدا”، مضيفا أن “من ضمن هذه الأجواء جلوس الجندى بدون مياه لمدة أيام، وعدم وجود طعام لمدة أسبوع، وتدريبه على جميع الضغوط التى من الممكن التعرض لها، ومدى تحمله للسير على قدمه لمسافات طويلة”.
وأوضح سالم، أنه “أثناء تدريب الجنود لحرب أكتوبر، الكل كان بيقول عمر ما هيكون في حرب أصعب من اللي بنتدرب عليه”، متابعا أنه في يوم 6 أكتوبر كان معه اثنين من زملائه وتم تكليفهم حينها بالوصول إلى نقطة خلف خطوط العدو”، مؤكدا أن “التكليف صدر قبل انطلاق الحرب”.
واستطرد: “مشينا لمدة 11 ساعة للوصول إلى الجبل المستهدف، وبعد الاقتراب من الهدف فوجئنا بسور سلك شائك ممتد لمسافة 4 كيلو مترات، اتخذت قرارا بتنفيذ ثغر وعبور السلك، فتمكنا من وصول هدفنا، كنا حافظين سيناء بالشبر قبل دخولها”، مضيفا أنه “كان يراقب مطار، ومحورين واكتر من هدف وفي منطقة حيوية، وكنت ببلغ عن أي معلومات، وكان معانا اكل لمدة ستة أيام فقط”.
وعن تفاصيل الحرب، قال اللواء نصر سالم: “كنت بشرب في اليوم كوب واحد من الماء، والمسافة بيني وبين أقرب بئر ماء 75 كيلو متر، وفضلت ماشي ثلاث أيام في الليل فقط ومعي اثنين من المجندين أيضا”، مضيفا: “قضينا 180 يوما خلف خطوط العدو، وطلب مني لمدة 25 سنة أن أتحدث أو أكتب عن هذه الأيام والذكريات”.
وأشار إلى أن الجميع في القوات المسلحة كان يعلم أن هناك حربًا، لكن متى لا أحد يعلم بموعد الانطلاق، لافتا إلى أن كتيبة الاستطلاع كانت متمركزة من 5 يونيو 1967 في سيناء خلف خطوط العدو، ولم يخل جبل في سيناء من أفراد استطلاع الكتيبة ولم نستسلم بعد النكسة ولكن نحضر للحرب.
أساليب غير نمطية أو متوقعة
وأكد أنه جرى استخدام أساليب غير نمطية أو متوقعة بالمرة في هذه الحرب من قبل جيشنا العظيم، حيث زعم العدو أن خط بارليف في حاجة إلى قنبلة نووية لتدميره، لكن خراطيم المياه المصرية دمرته.
وأوضح أن إسرائيل كانت تمتلك في الحرب عدد أسلحة أكثر بكثير من مصر حيث كانت تمتلك مصر 300 طائرة، أقواها ميج 21، بينما تمتلك إسرائيل 500 طائرة فانتوم، قدرة الواحدة منها توازي 4 طائرات ميج.
وأضاف أن العالم أجمع كان يقول إن “خط بارليف” لا يمكن التغلب عليه بالأسلحة البيولوجية، وتم الاستعانة بضابط مصري، في تدمير خط بارليف بالمياه فقط، خطة الخداع تضمنت تفاصيل كثيرة، أبزرها إخلاء المستشفيات بزعم أن هناك انتشار لمرض معين، يتطلب إخلائها والقيام بعمليات التنظيف، كما أن هذا اليوم يواكب ذكرى عيد الغفران بالنسبة للإسرائيليين، كما تم اختيار التوقيت الساعة الثانية ظهرًا بحيث تكون الشمس موجهة ناحية الإسرائيليين، مضيفًا: “كل تخطيط كان في منتهى الدقة والروعة”.
وأكد: حرب أكتوبر كانت معجزة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فإن القوات المصرية استعادت كرامتها بعد هزيمة 67، وانتصرت على عدو متغطرس، ساندته قوة عسكرية كبيرة متمثلة في الدور الذي لعبته أمريكا اثناء حرب أكتوبر، بعد أن أمدته بجسر جوى متكامل لتعزيز قواته، وتحويل هزيمته لنصر.
واختتم: “لكن القيادة المصرية أفشلت هذا التحرك بالمفاوضات التى انتهت بإعادة آخر شبر فى شبه جزيرة سيناء، حيث إن النصر تحقق منذ أول 6 ساعات من الحرب وهدم خط بارليف وعبور شرق القناة”.
ولا ننسى في يوم ذكرى انتصار أكتوبر العظيم، الشعر الذي يقول:
أكتوبر يا تاريخ محفور.
أكتوبر يا تاريخ محفور.
جوانا بحروف من نور.
راح تفضل جوانا الذكرى.
امبارح واليوم دا وبكرا.
يوم سته غيرنا الفكرة.
هزمنا الجيش المغرور.
كان قبلك الوهم أسرنا.
كان عايش جوانا كاسرنا.
وأدينا غيرنا مصيرنا.
وأحلامنا اهي شافت النور.