جميل هو عالم الطفولة.. بريء في أفكاره، حالم في تصوراته، لا حد لإبداعاته و لا حدود لخيالاته، فهي عالمه الذي يخبره أنه موجود وقادر أن يغير الوجود، لكن لا شك أن ذلك الخيال هو ما يصنع واقعاً أجمل في غد أفضل وحياة أكثر تقبلا وتفاصيلها أسهل.
فقطعا ستجد الأطفال الصغار ممن لعبوا بالأمس بالكبشة والحلة هم أمهر طهاة اليوم، ومن أمسك البارحة بالقلم أو سماعة الطبيب ربما هو اليوم أديب نجيب أو طبيب في مجاله فريد، ومن خلط الألوان دون تفكير بالإذعان لقواعد الثواب والعقاب قد أصبح فنان، وربما لا يمتد الأمر لمن غنى في السر فالإبداع يولَد في الجهر ويحتاج لجرأة وقلب جسور، ليُولِد الأمل ويخلق واقع مأمول.
الإبداع هو البذرة التي إذا ولدت في أرض خصبة قوامها الاقتناع والدعم لطرحت شجرة من الإمتاع الذي قد يطرح ثمراً يحقق للبشرية الكثير من الراحة والاستمتاع، والأمر ليس مقتصراً على الفنون والأداب، ولكن أيضا تلك التي تمتد للعلوم والحساب، فحياة البشر هي حصيلة عطاء بشر اخرين كانوا يوما حالمين حتى أصبحوا بأفكارهم عطاءين ومغيرين وعلى قدر التحدي كانوا مستعدين.
على مدى عقود طويلة خسارتنا فيها كانت فادحة وجسيمة فالشكوى الدائمة من مصرنا الغالية، أنها ليست حضناً دافئاً للأفكار المغايرة والمبدع والمفكر لا محل له من الإعراب، والقدرات العلمية والمواهب الفنية لا تجد من يرعاها فيأكلها اليأس كما أكل النمل منسأة سليمان، أما إذا حالف صاحبها ضربة حظ وانتصر على ضباب الواقع، وعُبد له القدر ورأي إبداعه بصيص احتمال سينتهي به الأمر وهو وأفكاره حبيسي الدُرج ومقيدي اليد وذلك أول خطواته ليتهاوى على الدَرَج ويصبح هو وأماله مجرد خيال أعرج.
تبدلت الأيام ومرت السنوات العجاف التي ما كان فيها للمبدع أمل، ولا للمختلف شأن ولا عمل، واليوم نحن في عهد مختلف كان الرِهان فيه على كل من عانى لعقود وربما لقرون من التجاهل والتهميش.
على مدار العشر سنوات الماضية، وهي الفترة التي تولى فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي سُدة الحكم، تصدرت أولوياته الانحياز لكل من وصمه المجتمع على مرأى ومسمع الجميع أنهم أقلية أو غير مؤهلين ولن يكونوا أبداً متمكنين لذا لا داعي لأن يكونوا ممكنين.
وجاء الرد بالعمل.. وأسأل المرأة والشباب وذوي الهمم، وإذا أردت أن يصيبك الأمل ابحث عن المبادرات الرئاسية لرعاية الموهوبين والتي نتج عنها كابيتانو وبرنامج الدوم وكل المبادرات الواعدة التي تقدم بشكل يومي من خلال حياة كريمة.
أما إذا أردت أن تحلق في عالم الخيال الذي وطأ أرض الواقع فنشر الوعود والأمال بغد لا يشبه الأمس، فكيف ذلك وهناك مصريون مجتهدون وهبوا عمرهم للقيام بأعمال تصنع مستقبل مليء بالأحلام والأمال، وقيادة واعية بمفردات الغد ومتطلبات الأمان.
وذلك ما لامسته بالدورة الثانية للمبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، ولمسته في عيون الحضور في تلك الفاعلية التي تقيمها وزارة التخطيط تحت رعاية رئيس الجمهورية وبالتنسيق والتكامل مع كل الوزارات والمحافظات والمحليات في الجمهورية، وذلك لعرض المشروعات التي تنطبق عليها شروط المبادرة، وهي أن تكون تلك المشروعات مراعية للاشتراطات البيئية وتسهم بشكل فعال في تقليل التلوث مما يؤثر إيجابيا في أجندة الدولة المصرية لمجابهة التغييرات المناخية وتبعاتها الاقتصادية.
كما تعني المبادرة بأن تكون المشروعات المقدمة تعمل في إطار تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، وتحقق أهداف التنمية المستدامة في سياق تنفيذ رؤية مصر 2030 من خلال الحفاظ على البيئة لتحسين نوعية الحياة ومراعاة حقوق الأجيال القادمة، والتي ما بقي على خطة تنفيذها إلا سبع سنوات، وتلك فترة في عُمر العمل قليلة، وإذا لم تكن مشمولة بكل الجهود الخلاقة التي تبذل من أجل تحقيق أهدافها فلن تصبح حقيقة.
الدمج والتمكين لكل الفئات العمرية والاختلافات الفردية والتنوعات المجتمعية وشمولية كل المناطق الجغرافية من أهم أهداف المبادرة الأساسية، لذا على مدى الدورتان تم عرض ما يقرب من 12 ألف مشروع عامل وفاعل وواقع على الأرض، وليست بعض أفكار حالمة سجينة البيروقراطية الظالمة.
وتقوم المبادرة على فكرة رائعة، وهي فكرة التنافسية التكاملية، فلا مكان فيها لخاسر الكل بمشاركته حقق الجائزة الكُبرى، والجوائز المالية هي من نصيب المشروعات الأقرب للكمال، فمن ضمن أهداف المبادرة ألا ترد فكرة، بل يتم تقويمها ومساندتها ودعمها، ويسخر لها كل سُبل المشورة والمراجعة والتطوير حتى تصبح جديرة بالتحقيق.
المبادرة واقعية جاءت لتواكب كل التغيرات العالمية وذلك بتعظيم استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إطار خطة الدولة للتحول الرقمي، كما تهدف إلى وضع خريطة على مستوى المحافظات للمشروعات الخضراء والذكية وربطها بجهات التمويل، وجذب الاستثمارات اللازمة لها باستثمارات مصرية وعالمية، وربما في كلمات أكثر بساطة أن تواجه المشكلات ليس فقط بالحلول اللازمة لمواجهتها ولكن أيضا بتلك التي تضمن الاستفادة الاقتصادية منها، وذلك تفكير غاية في العبقرية.
تستهدف المبادرة المشروعات الخضراء الذكية والتي تقع ضمن ست فئات مختلفة لتكون المنافسة بين المشروعات المتقدمة في كل فئة بشكل منفصل لضمان تكافؤ الفرص لجميع المشاركين، وليقف الجميع على نفس الأرض في مسطرة التنافس ولتحقق رؤيتها في التكامل.
مصر تتغير، وملامحها تتجمل برتوش العلم والعمل، ومسيرتها تتحول لتواكب دروب التقدم وتواجه تحدياته وتحل مشكلاته وتقضي على تعقيداته، بخطوات مختلفة ورؤية للمرة الأولى في عمر الوطن نطبقها وبالمعايير العالمية نطابقها، غد مصر ليس كأمسها وذلك ما تثبته القيادة السياسية وتطبقه وزارتها الحكومية، وحققته وزارة التخطيط وضربت نموذجا في حسن التنسيق والتكامل والتخطيط مع كل الجهات الحكومية وأثبتت أن عصر الجزر المنفصلة قد ذهب بلا عودة.
والفائز الأكبر هو المواطن الذي سيجني ثمار تلك المبادرة، والمساهمات الفعالة التي سيقدمها 12 ألف مشروع بصورة عامة وبصفة خاصة المشروعات الثمانية عشر الفائزة هذا العام ومثيلاتها الفائزة في العام السابق، والتي حققت كل شروط المبادرة في تحقيق رؤية الدولة المصرية لجذب وتشجيع فرص الاستثمار البيئي والمناخي، والتي تحد من التغيّرات المناخية في جميع ربوع الجمهورية، وقدمت حلولاً صديقة للبيئة تتعامل بابتكار مع تحديات تغيّر المناخ وتعزز جهود التحول للاقتصاد الأخضر لمستقبل أخضر، ومن أجل هدف أكبر أن يجد كل حالم ذو عود أخضر أرض خصبة تستوعب إبداعه وتلبي طموحاته وتحقق خياله ولا تصبح أحلامه مجرد وهم أحمق.