مازالت الحضارة المصرية القديمة تذهل علماء العالم، فقد تم الكشف عن أسرار بعض المومياوات المصرية في فرنسا، مما أثار دهشة المؤرخين المتشددين، الذين لم يتوقعوا النتائج، وقد كان هذا الكشف، ضمن الاكتشافات العلمية في جامعة ستراسبورغ في منطقة الألزاس الجذابة في فرنسا.
ووفقا لما نشرته express، فقد حصلت المؤسسة الأكاديمية على خمس مومياوات مصرية عمرها آلاف السنين في محاولة لفهمها بشكل أفضل، وكانت المومياوات لقطط وأبو منجل وصقور وأسماك، وتم عرضها تحت الأضواء في معمل الآثار.
تصوير بالأشعة السينية
وبحسب ما جاء في التقرير الصحفي، فقد تم تصوير القطع الأثرية بالأشعة السينية في محاولة لمعرفة ما إذا كان هناك “أي حيوانات بالداخل وفي أي حالة” قد تكون، وأضافت كاساندر هارتنشتاين، المسؤولة عن المشروع وعالمة المصريات بجامعة ستراسبورج، أن المومياوات “لم تتم دراستها من قبل”.
في الوقت نفسه، اعترف فريدريك كولن، أمين المجموعة المصرية بجامعة ستراسبورج، بأنه “ليست كل المومياوات التي تم العثور عليها تحتوي على حيوانات كاملة، أو حتى أي حيوانات على الإطلاق”، وأن كل ما يعرفونه عنها حتى الآن “يعتمد على الأوصاف الموجودة في قوائم الجرد وقت الحصول عليها”، وكان ذلك قبل حوالي مائة عام.
هذا ما تم اكتشافه
وبعد الانتهاء من المرحلة الأولى من بحثهم الدقيق، تبين أن إحدى مومياء القطط ومومياء الصقر كانت في حالة حفظ ممتازة، والغريب أن “أعناقهما مكسورة”، وأعطى كولن وجهات نظره حول النتائج قائلاً: “من وجهة نظري، عندما لا يكون الحيوان كاملاً يكون الأمر أكثر إثارة للاهتمام، وتكشف مومياء القطة الأخرى فقط عن الحوض والعمود الفقري وعظمة في وضع غير عادي، تشبه عظم الفخذ الصغير”.
وقال البروفيسور كولين إنه على الرغم من الكشف عن الأسرار، إلا أنه كان هناك المزيد من الأبحاث التي يتعين القيام بها: “الهدف الآن هو فهم إيماءات المحنطين وعمليات تحنيط الحيوانات بناءً على حالتها”، و”الجزء الأكثر إثارة لم يأت بعد”، تحدثت كاساندر هارتنشتاين، وقالت: “في الأسابيع المقبلة، سنحدد تاريخ المومياوات بدقة باستخدام الكربون 14 وربما نأخذ عينات من الحمض النووي”.
اكتشافات حديثة حول ظروف وفاة مومياوات
ولم يكن هذا هو الحدث العملي الوحيد في 2024، فيما يخص الحضارة الفرعونية، فبمرور الوقت، تطالعنا الدوريات العلمية المتخصصة باكتشافات حديثة حول ظروف وفاة مومياوات بشرية وحيوانية في مصر القديمة، وكلمة السر التي تتكرر مع كل اكتشاف، هي «التصوير المقطعي المحوسب»، وتستخدم هذه التقنية منذ السبعينات، ولكن التطوير الذي تم عليها أتاح إنتاج صور بجودة أفضل، ساعدت الباحثين على الكشف عن أسرار حبستها لفائف التحنيط الفرعونية.
ويقول فويتشخ إجسموند، المدير المشارك بمشروع وارسو للمومياء ببولندا: «تتيح هذه التقنية للباحثين رؤية ما هو موجود في جسم الإنسان أو الأشياء الأخرى دون فتحها أو إزالة لفائف التحنيط، وهذا أمر بالغ الأهمية عند فحص المومياوات، لأنه يتم عرض العديد منها في المتاحف، ولا يمكن فكها أو إزالة لفائفها، لأن ذلك من شأنه أن يدمرها»، وتكون الأنسجة الرخوة في الجسم ملتصقة بلفائف التحنيط، ومن ثم فإن إزالة هذه اللفائف قد يؤدي إلى تدمير بعض التفاصيل الدقيقة إلى الأبد، لأنه يدمر الهيكل الذي كانت تلتصق به المومياء لآلاف السنين، كما يوضح إجسموند.
قبل اختراع التصوير المقطعي المحوسب
وقبل اختراع التصوير المقطعي المحوسب، الذي قدم حلاً لهذه المشكلة، كانت الطريقة الوحيدة غير الغازية الوحيدة لفحص المومياء هي الأشعة السينية، غير أن هذه الأشعة لا تنتج صورا بنفس جودة التصوير المقطعي المحوسب، لا سيما بعد التطوير الذي تم إدخاله على تلك التقنية، ويستخدم التصوير المقطعي والتصوير بالأشعة السينية، نفس نوع الأشعة، ولكن المقطعي يكون أكثر تركيزا، وينتج صورا ثلاثية الأبعاد، على عكس النوع الآخر الذي ينتج صورا ببُعدين فقط، وبالتالي فإن الأشعة المقطعية تظهر تفاصيل أكثر بكثير وتساعد كثيرا في التشخيص.
ويقول إجسموند: «كانت المومياوات المصرية القديمة من بين أول الأشياء التي تم تصويرها بالأشعة السينية في التاريخ منذ عام 1896، ولكنها لم تسمح بكشف أشياء كشفها لاحقا التصوير المقطعي المحوسب»، وفي مشروع وارسو للمومياء، الذي يديره إجسموند، بالتعاون مع مارزينا أواريك زيلكي، كان التصوير المقطعي المحوسب النجم الأساسي لاكتشافهم الأخير لـ«المومياء الحامل» أو كما يحلو للفريق البحثي تسميتها بـ«السيدة الغامضة»، كما كان كاشفا عن آثار لورم خبيث بتلك المومياء، وتمائم ومجوهرات توجد مع جثمانها.
ليس كاهنا ولكن امرأة والقطة معذبة
وكان الاعتقاد السائد أن تلك المومياء تخص رجلا هو الكاهن هوج – دجيهوتي، غير أن التصوير المقطعي المحوسب كشف عن أنها أنثى، ثم توالت الاكتشافات بعد ذلك، فهذه التقنية مفيدة جدا في تحديد جنس المومياوات دون الحاجة لإزالة لفائف التحنيط، كما يوضح إجسموند، وبالإضافة لهذه الاكتشافات، كان التقنيات الأكثر تطورا من التصوير المقطعي المحوسب، كاشفة عن حالة تعذيب غريبة لقطة فرعونية قبل تحنيطها.
وضمن مجموعة المومياوات التي تمتلكها جامعة سوانسي البريطانية، خضعت مومياء قطة لدراسة تفصيلية بالتصوير المقطعي المحوسب، نشرت نتائجها في 20 أغسطس (آب) من عام 2020 بدورية «ساينتفيك ريبورتيز»، وكشف النتائج عن أن هذه القطة كان تبلغ من العمر بالكاد حوالي 5 أشهر، وأظهرت الدلائل على تلف الكلى أنها ربما حُرمت من الماء خلال حياتها، مما أدى إلى ظهور شكل من أشكال النقرس، كما تم فصل عظام عنقها بعنف، لذلك إما أنه قد تم خنقها قبل الموت أو كسر رقبتها بعد الوفاة، وفقا للدراسة.
مومياء أطفال مصرية
وقبل نحو خمسة أشهر، وصفت دراسة نشرت في مارس (آذار) بدورية «المجلة الدولية لعلم الأمراض القديمة»، باستخدام نفس التقنية، ضمادة على قدم فتاة صغيرة ماتت قبل حوالي 2000 عام، وكانت هذه الدراسة قد فحصت 21 مومياء أطفال مصرية قديمة توجد بمتاحف ألمانيا وسويسرا وإيطاليا، وكانت مفاجأة البحث أن الصور أظهرت بوضوح ضمادة ملفوفة حول ما يشبه الجرح الملتهب في مومياء فتاة، مما يوفر أول دليل على أن المصريين القدماء لديهم معرفة واسعة بمعالجة الجروح أكثر مما كان يعتقد سابقا.
ويقول إجسموند: «حدود هذه التقنية الرائعة هي فقط تشخيص الأمراض التي تترك آثاراً مرئية على العظام أو على الأنسجة المحفوظة أو الأعضاء الداخلية، لكنها لن تكون مفيدة في التعرف على الفيروسات والبكتيريا والعديد من الأمراض الطفيلية، ولا يمكن تحديد نوع السرطان باستخدامها، كما لا تكشف أيضا المواد التي تم استخدامها في التحنيط»، ويضيف «للحصول على معلومات عن كل هذه الأشياء، نحتاج إلى أخذ عينات صغيرة، على سبيل المثال باستخدام منظار داخلي وإجراء اختبارات معملية إضافية».