وهلت علينا الليلة التي جبر الله فيها بخاطر سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج، المعجزة الكبرى التي أيد الله عز وجل بها نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وذكرها في القرآن، حيث رأى فيها النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عجائب آياته الكبرى، ومنحه فيها عطاءً رُوحيًّا عظيمًا؛ وذلك تثبيتًا لفؤاده، مع بيان الحكمة الإلهية منها وموقف أهل مكة وماذا يستفاد منها في الواقع، ويتسأل الكثير هل رأى النبي الله عز وجل فى رحلة الإسراء والمعراج وكيف كان الحوار؟.
هل رأى النبي الله رؤية حقيقية فى رحلة الإسراء والمعراج ؟
وسُئلت السيدة عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: «لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ، فَقَدْ كَذَبَ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ سورة الأنعام آية 103 وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ سورة الشورى آية 51، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا سورة لقمان آية 34، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ سورة المائدة آية 67 الْآيَةَ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ».
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه رآه سبحانه بعين رأسه، قَالَ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قَالَ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ» رواه مسلم (الإيمان/258).
وروى عطاء عنه أنه رآه بقلبه كذا ذكرهما في المدارك، وعن أبي العالية أنه رآه بفؤاده مرتين، وروى شريك عن أبي ذر في تفسير الآية: «ما كذب الفؤاد ما رأى».
وحكى السمرقندي عن محمد بن كعب القرظي وربيع بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: هل رأيت ربك ؟ قال: رأيته بفؤادي ولم أره بعيني.
هل رأى النبي الله في رحلة الإسراء والمعراج؟
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إن كلمة أسرى يعني سار بالليل وليست الروح هى التى سارت بالليل فقال العلماء بعبده اى بكله ولم يقل بروح عبده اى أخذ الجسد الذي بداخله الروح الذي بداخله النفس.
وأوضح جمعة، خلال لقائه ببرنامج “الله أعلم”، أن الكثير يتساءل الرؤيا التي رآها سيدنا النبي هل رأى ربه بعينه أم بقلبه؟ مستشهدا بقوله تعالى( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) فهو رأى ربه بالفؤاد تقول عائشة ((من قال ان محمدا رأى ربه بعينه فقد كذب لأنه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار))، فالله عز وجل لا يرى بالعين المجردة وإنما يرى بالقلب والفؤاد، فالعين له البصر والفؤاد له البصيرة ففى القلب عين تسمى البصيرة، ويرى بها الانسان.
وأشار الى أن الله عز وجل ليس له طول وعرض حاشاه فالله خارج الزمان والمكان فإذا ما رأيناه، رأيناه بصورة أخرى غير التي نرى بها سائر المخلوقات، فنراه بقلوبنا وبوجوهنا النضرة ولذلك يقول المولى عز وجل فى كتابه الكريم (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) فالله سبحانه وتعالى ليس جسماً وكل ما خطر ببال الإنسان كيف شكل الله، فالله بخلاف ذلك، وهناك فارق بين الخالق والمخلوق.
وتابع: ان رؤية العين كانت رؤية جبريل، فهو مخلوق فرآه النبي صلى الله عليه وسلم على حاله، ولذلك عندما سئل النبي أرايت ربك فقال لهم نوراً أن أراه وليست الرؤية بالتاء البصرية إنما هى الرؤيا التى يراه فيها الروح والقلب والبصيرة .
وقال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن العلماء اختلفوا في رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – لله تعالي في رحلة الإسراء والمعراج.
وأضاف عثمان، أن الجمهور اتفقوا فيه على عدم رؤية النبي لله تعالي في رحلة المعراج وصعد إلى أماكن لم يرق إليها نبي من الأنبياء واقترب منها ولكن كان هناك حجاب بينه وبين الله.
وأشار إلى أن السيدة عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – قالت “من ادعي أن محمدا قد رأى ربه فقد كذب”.
هل كان الحوار بين الله والنبي باللغة العربية فى رحلة الإسراء والمعراج؟
تروي لنا قصة الإسراء والمعراج ووصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى أن حوارًا دار بينه وبين الله سبحانه وتعالى، فهل كان الحوار ما بين المولى عز وجل وبين النبي صلى الله عليه وسلم باللغة العربية التي نعرفها أم أنه كان بوسيلة أخرى؟ هذا ما أجاب عنه تفصيلًا الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، في إحدى حلقات برنامجه “والله أعلم”.
يوضح جمعة فارقًا بين الحقيقة والمجاز في اللغة العربية، فيقول إن الله سبحانه وتعالى حين قال: “وكلم الله موسى تكليمًا”، كان ذلك على سبيل الحقيقة، ففي اللغة العربية إذا استعمل المصدر بعد الفعل فهو على الحقيقة ولا يجوز فيه المجاز، وأضاف جمعة أن كلام الله سبحانه وتعالى قائم بنفسه ليس فيه لا صوت ولا حرف، لأنهما يقتضيان الترتيب وهو يقتضي التركيب والتركيب يقتضي الحدوث، والحدوث لا يكون في ذات الله تعالى، ولذا، يقول جمعة أن كلام الله سبحانه قديم على غير هيئة المخلوقات، فذات الله ليست مخلوقة، أما كلمة “الله” مثلًا فهي كلمة مخلوقة، أما العلاقة بين كلمة “الله” وبين الله سبحانه وتعالى فهي العلاقة بين الدال والمدلول، فالله تدل على الذات العليا غير المخلوقة، وكذلك في اللغة.
فيقول جمعة إن اللغة العربية أو لغة سيدنا موسى أو نحوها فهي عبارة عن دال، أما المدلول القائم بذاته تعالى، فلما نزلت التوراة بالعبرية والإنجيل بالآرامية والقرآن بالعربية، فكلها دالة على ما في ذات الله، وأوضح جمعة أن البشر هم من لديهم الحرف والصوت (فهو كتاب الله المقدور)، والكتاب مخلوق، فيقول العلماء: “خلق الله سبحانه وتعالى في الشجرة كلامه مع سيدنا موسى، وخلق الله سبحانه وتعالى في السدرة كلامه مع سيدنا محمد”.
“وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ”، يشرح جمعة كيف يكلم الله سبحانه وتعالى عباده وأصفياءه، فيقول إن الآية تعني أن الله سبحانه وتعالى يخاطب البشر في ثلاث طرق، أولاها أن يطبع الكلام في قلبه، فالله لا يتكلم بحرف أو بصوت، ولكن يخلق ما يشاء من الدال على كلامه في ذات الإنسان، فخلق في محمد وموسى وعيسى ما شاء من الوحي أو الكلام، أو أنه يرسل جبريل ما يكلمهم به، “فالله يخلق في جبريل ما يبلغه للأنبياء”.