لاشك أن الاستفهام عن هل كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار ؟، أو بصيغة أدق هل حديث كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار صحيح؟، يعد من المسائل التي تهم الكثيرون خاصة وقد أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم – أن خير الأسماء ما حُمد وعُبد ، لكن هل يمكن للأسماء أن تشفع لأصحابها ، وهذا ما يطرح السؤال عن هل كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار كرامة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟، و هل حديث كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار صحيح؟، حيث إن اسم محمد من الأسماء الشائعة بين المسلمين بل إن غالبيتهم اسمه محمد.
هل كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار
قالت دار الإفتاء المصرية ، إنه ورد حديث صحيح المعاني وردت ألفاظه ومعانيه بروايات متعددة، أمثلها حسنٌ كما قرره أئمة الحديث وغيرهم من جماهير العلماء والفقهاء، فمن كان اسمُه محمدًا أو أحمدَ تبركًا باسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم فقد حصَّل سببًا من أسباب الكرامة والشفاعة في الدنيا والآخرة.
وأوضحت ” الإفتاء” في إجابتها عن سؤال: ( هل كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار ؟، أو بصيغة أخرى هل حديث كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار صحيح؟، وما مدى صحة حديث: «إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: أَلَا لِيَقُمْ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَلْيَدْخُلِ الجَنَّةَ كَرَامَةً لِنَبِيِّهِ»؟)، أن الحديث صحيح المعاني وردت ألفاظه ومعانيه بروايات متعددة، أمثلها حسنٌ كما قرره أئمة الحديث وغيرهم من جماهير العلماء والفقهاء.
اختصاص النبي بأحسن الأسماء وأشرفها
وأضافت أنه اختص اللهُ تعالى نبيَّه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بأحسن الأسماء وأعلَاها شرفًا، وأكثرها رفعة؛ فهو عليه الصلاة والسلام محمدٌ وأحمدُ، سمَّاه الله تعالى بهما، وهما مشتقان من اسمه سبحانه وتعالى؛ فقد ورد عن محمد بن جُبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا العَاقِبُ» متفقٌ عليه.
ونوهت بأنه قد بوَّب الإمام جلال الدين السيوطي في “الخصائص الكبرى” (1/ 134، ط. دار الكتب العلمية) لذلك بقوله: “بَابُ اخْتِصَاصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِاشْتِقَاقِ اسْمِهِ الشَّرِيفِ الشَّهِيرِ مِنَ اسْمِ اللهِ تَعَالَى”، وقال القاضي عياض في “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” (1/ 229، ط. دار الفكر): [قد سمَّاه الله تعالى في كتابه محمدًا وأحمدَ؛ فمن خصائِصه تعالى له: أن ضمَّن أسماءه ثناءه فطَوَى أثناء ذكرِه عظيمَ شكرِه.. هو صلى الله عليه وآله وسلم أجلُّ من حَمِدَ، وأفضلُ من حُمِد، وأكثرُ الناس حمدًا، فهو أحمدُ المحمودين، وأحمدُ الحامِدين، ومعه لواءُ الحمدِ يوم القيامة، وليتمَّ له كمال الحمد، ويَتَشَهَّر في تلك العرصات بصفةِ الحمد، ويَبْعَثه ربُّه هناك مقامًا محمودًا كما وعَدَهُ، يحمَدُه فيه الأوَّلون والآخِرون؛ بشفاعتِهِ لهم، ويفتح عليه فيه من المحامِد] اهـ.
واستندت لما قال الحافظ ابنُ حجر العسقلاني في “فتح الباري” (6/ 556، ط. دار المعرفة): [الذي يظهَرُ أنه أراد أنَّ لي خمسةَ أسماء أختصُّ بها، لم يسمَّ بها أحدٌ قبلي، أو معظَّمة، أو مشهورة في الأمم الماضية، لا أنه أراد الحصْرَ فيها. قال عياض: حَمَى الله هذه الأسماء أن يُسَمَّى بها أحد قبله، وإنما تَسمَّى بعضُ العرب محمدًا قُرب ميلاده؛ لما سمعوا مِن الكهَّان والأحبار أن نبيًّا سيُبعث في ذلك الزَّمان يُسمَّى محمدًا، فرَجَوْا أن يكونوا هم، فسمَّوا أبناءهم بذلك] اهـ.
من تسمَّى باسم محمد قبل النبي
وأشارت إلى أنه لما قَرُب زمان ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم سَمَّى بعض العرب أبناءهم باسمه؛ رجاء أن تكون النبوة فيهم، والله أعلم برسالته، وهم نحو ثمانية عشر واحدًا، عدَّ العلَّامة عبد الباسط البلقيني ستة عشر في نَظْمٍ ذكره العلَّامة الصالحي في “سبل الهدى والرشاد” (1/ 411، ط. دار الكتب العلمية): [وقد نَظَمَ أسماءهم العلامة الشيخ عبد الباسط البلقيني رحمه الله تعالى في “الشرح” فقال: إنَّ الَّـــذِينَ سُمُــوا بــاسْمِ مُـحَـــمَّدٍ .. مِن قَبْلِ خَيْرِ الـخَلْـقِ ضِعْفُ ثَـمَانِ.. ابـنُ لَبرِّ مُـجــَاشِـــعُ ابـْنُ رَبِـيعَـــةَ.. ثُـمَّ ابنُ مَسْــلمَ يُـحْـمِدِيْ حَزْمـــــانِ.. لَـيْثِـيْ هُوَ السُّلَـمِـيُّ وابــنُ أُسَـامَـةَ.. سَعْـــدِيٌّ وابـنُ سُوَاءَةَ هَـمْـــــدَانِـي.. وابْنُ الجُلاح مَعَ الأُسَيدِيْ يا فَتَى.. ثُمَّ الفُقَيـمِيْ هَكَذَا الـحُمْــراني] اهـ.
ونبهت إلى أنه جاء في “حاشية المدابغي على شرح الأربعين للعلامة ابن حجر الهيتمي” أن بعضهم قد زاد اثنين آخرَين، ونظمهما في بيت يضم إلى الأبيات السابقة: [وابنًا لِـحَارث زِدْ لِـعَدِّهِم … وزِدْ اِبْنَ الـمُغَفَّلِ جاءَنَا بِبَيَانِ] اهـ.
فضل التسمية باسم محمد أو أحمد
وأفادت بأنه من المعلوم أن التسمية باسم محمد أو أحمد من الأمور المندوبة؛ طلبًا لحصُول بركة اسمه صلواتُ الله وسلامه عليه؛ فقد ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي» متفقٌ عليه، فقال الإمام بدرُ الدين العَيْني في “عمدة القاري” (15/ 39، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه إباحةُ التسمِّي باسمه؛ للبركةِ الموجُودة منه، ولما في اسمِه من الفالِ الحَسَنِ من معنى الحمد؛ ليكون محمودًا من يسمَّى باسمه] اهـ.
ولفتت إلى أنه قد ألَّف بعضُ أهل العلم رسائلَ في فضل التَّسمية بالاسم الشَّريف؛ كما فعل المُطَّوعِي في “حمد من اسْمه أَحْمد”. ينظر: “يتيمة الدهر” للثعالبي (4/ 500، ط. دار الكتب العلمية)، بل ونصَّ بعضهم على تفضيل اسمي: أحمد ومحمد على سائر الأسماء؛ فقال العلَّامة صدر الدين المُناوي [ت: 803هـ] في “كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح” (4/ 204، ط. الدار العربية للموسوعات): [أحب أسمائكم إلى الله إذا تسميتم بالعبودية: عبد الله، وعبد الرحمن؛ لأنهم كانوا يسمون بعبد الدار وعبد شمس، أو يكون محمولًا على غير اسم محمد، وإلا فمحمد وأحمد وجميع أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلى الله من جميع الأسماء غيرها، فإن الله تعالى لم يختر لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إلا ما هو أحب إليه؛ هذا هو الصواب، ولا يجوز حمله على الإطلاق] اهـ.
هل حديث كل من كان اسمه محمد لا يدخل النار صحيح
وبينت مدى صحة حديث: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا ليقم من اسمه محمدًا فليدخل الجنة كرامة لنبيه» ، بأن الحديث محل السؤال ذكره القاضي عياض في “الشفا” (1/ 176) فقال: [وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: “إذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ ألَا لِيَقُمْ مَنِ اسْمُهُ..”] اهـ، وذكر مثل هذا تمامًا الإمام عبد الرحمن الصفوري في “نزهة المجالس” (1/ 190، ط. المطبعه الكاستلية)، وكذا أورده الإمام ابن سبع السبتي [ت: 591هـ] في “الخصائص”؛ كما نقله عنه كثير من العلماء منهم: كمال الدين الدَّمِيري في “النجم الوهاج” (9/ 531، ط. دار المنهاج)، والإمام ابن حجر الهيتمي في “تحفة المحتاج” (9/ 373، ط. المكتبة التجارية الكبرى)، وشمس الدين الخطيب الشربيني في “مغني المحتاج” (4/ 295، ط. دار الفكر)، وأورده أبو عمرو الزاهد [ت: 345هـ] في “اليواقيت”.
ونوهت بأنه نص هذا الحديث وإن لم يذكر المحدثون له حكمًا ولم يشتهر في رواياتهم بهذا النص إلا أن معناه ثابت بروايات عديدة؛ منها:
– ما أخرجه الإمام الطَّبَرَاني في “المعجم الكبير” عن واثلة رضي الله عنه، قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ وُلِدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ فَلَمْ يُسَمِّ أَحَدَهُمْ مُحَمَّدًا؛ فَقَدْ جَهِلَ».
– ما رواهُ الإمام أبو عبد الله الصيرفي في “فضائل التسمية بأحمد ومحمد” عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، قال: “مَا مِنِ امْرَأَةٍ حُبْلَى جَعَلَتْ فِي نَفْسِهَا إِنْ وُلِدَ لَهَا غُلَامٌ أَنْ تُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا إِلَّا وَلَدَتْ غُلَامًا، وَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِيهِمُ اسْمُ مُحَمَّدٍ إِلَّا لَمْ يَزَالُوا يَتَعَارَجُونَ مَا دَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ”.
– وورد فيه أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنه قال: “إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُنَادِي مُنَادٍ: مَنْ كَانَ اسْمُهُ أَحْمَدَ فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ بِلَا حِسَابٍ لِكَرَامَةِ اسْمِهِ”.
– وورد فيه أيضًا عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا تَبَرُّكًا بِهِ كَانَ هُوَ وَمَوْلُودُهُ فِي الْجَنَّةِ»، وكذا أخرجه قاضي المارستان في “مشيخته”.
و”هذا أمثل حديث ورد في الباب، وإسناده حسن”؛ كما قرره الحافظ جلال الدين السُّيوطي في “اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة” (1/ 97، ط. دار الكتب العلمية).
وقال العلَّامة محمد طاهر الفتَّني في “تذكرة الموضوعات” (ص: 89، ط. المنيرية): [رجاله كلهم ثقات معروفون، ورمي بعضهم بالقدر وهو غير قادح] اهـ.
فيظهر من ذلك أن الحديث المسؤول عنه ثابتٌ في معناه؛ كما أكدته الروايات والأحاديث الأخرى المذكورة، وأعظمها حديث أبي أمامة الذي حسَّنه الإمام السيوطي.
كما تواردت أقوال الفقهاء وعباراتهم على تأكيد هذا المعنى وتقريره، وعلى رأسهم الإمام مالك الذي نقل ذلك عن أهل المدينة؛ قال الإمام ابن رشد في “البيان والتحصيل” (17/ 541-542، ط. دار الغرب الإسلامي): [في بركة اسم النبي عليه السلام قال الإمام مالك رحمه الله: سمعتُ أهل مكة يقولون: “ما مِن أهل بيت فيهم اسمُ محمد إلَّا رُزقوا، ورُزق خيرًا”. قال محمد ابن رشد: يحتملُ أن يكونوا عرفُوا ذلك بكثرةِ التجربة له، وأن يكون عندهم في ذلك أثرٌ مروِي] اهـ.
وقال المُلا علي القاري في “شرح الشفا” (1/ 385، ط. دار الكتب العلمية): [(إذا كان يوم القيامة نادى مناد) أي: في الموقف؛ كما في رواية: (ألا ليقم من اسمه محمد فليدخل الجنة؛ لكرامة اسمه) صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أي: لإظهار كرامته وإشعار شفاعته، وإليه أشار صاحب “البردة” بقوله: فَإِنَّ لِيْ ذِمَّةً مِنْهُ بِتَسْمِيَتِي.. مُحَمَّدًا وَهْوَ أَوْفَى الْخَلْقِ بِالذِّمَمِ)، (وروى ابن القاسم).. (فِي جَامِعِهِ عَنْ مَالِكٍ: سَمِعْتُ أَهْلَ مَكَّةَ) أي: بعض علمائهم (يَقُولُونَ: مَا مِنْ بَيْتٍ فِيهِ اسْمُ مُحَمَّدٍ إلَّا نما) من النمو أي: زاد وزكا يعني كثر بركته.. وفي أخرى: إلا قد وُقُوا بضم واو وقاف أي: حُفِظُوا (ورزقوا ورزق جيرانهم) أي: ببركة أسمائهم وإيمانهم وإيقانهم وإحسانهم (وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:) أي: على ما رواه ابن سعد من حديث عثمان العمري مرفوعًا: (مَا ضَرَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ محمَّد ومحمَّدان وثلاثة) أي: وأكثر، ويميز بينهم مثلًا بالأصغر والأوسط والأكبر] اهـ.