هل يجوز أكل سمك القرش ؟ اختلف العلماء قديما على حكم أكل سمك القرش، فرأى فقهاء أنه يجوز أكل لحم القرش، ورفض آخرون أكل لحم القرش، والصحيح هو القول الأول بجواز أكل لحم القرش، وسنذكر في هذا التقرير أدلة الفقهاء في حكم أكل لحم القرش.
حكم أكل القرش المفترس
اختلف العلماء في حكم أكل سمك القرش على قولين: الأول: أنه يجوز أكله، لعموم الأدلة على جواز أكل صيد البحر كقوله الله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [المائدة:96] وقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر: “هو الطهور ماؤه الحل ميتته” أخرجه الإمام أحمد في المسند والنسائي وابن ماجه في سننهما، وهذا القول هو الراجح والصحيح.
القول الثاني: رأى فقهاء أنه يحرم أكل لحم القرش لكونه حيواناً مفترساً، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير. أخرجه مسلم وأصحاب السنن، ورد العلماء على ذلك القول أن المحرم هو سباع البر وليس البحر.
حكم أكل السمك الطافي على سطح البحر
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول “ما حكم أكل السمك الطافي على سطح البحر؟
وقالت دار الإفتاء، إن أكل السمك الطافي على وجه الماء جائزٌ شرعًا، سواء مات بسببٍ؛ كأن ضربه إنسان، أو انحسر عنه الماء حتى مات، أو مات بغير سببٍ حتف أنفه، راسبًا أو طافيًا. وذلك لعموم الأدلة الواردة في حِلِّ أكل السمك دون استثناء الطافي منه، بشرط أمَن السلامة من الضرر.
وأشارت إلى أن الأصل في أكل السمك وغيره من صيد البحر أنَّ الله عز وجل قد أحلَّه لعباده؛ قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ [المائدة: 96].
وقد ورد في السنة المطهرة أيضًا ما يدل على حِلِّ أكل ما في البحر من السمك وغيره؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنَ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ عليه وآله وسلم: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» أخرجه الإمام أبو داود والترمذي في “السنن”.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ؛ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ، فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ؛ وَأَمَّا الدَّمَانِ، فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» رواه الإمام ابن ماجه في “سننه”.
قال الإمام الأمير الصنعاني في “التنوير” (10/ 441، ط. دار السلام): [«مَيْتَةِ الْبَحْرِ حَلَالٌ» وهو كحديث: «هُوَ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وحديث: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ»، وظاهره عموم ذلك لكل مَن مات فيه من السمك] اهـ، والسمك الطافي هو الذي مات فطفا على وجه الماء. ينظر: “فتح الباري” للحافظ ابن حجر (1/ 150، ط. دار المعرفة).
وقد اختلف الفقهاء في تحديد ضابط السمك الطافي الذي يترتب عليه الحكم الشرعي من حِلِّ الأكل من عدمه، ويظهر ذلك فيما يلي:
فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى حِلِّ أكل الطافي من السمك، سواء مات بسبب أو بغير سبب، راسبًا أو طافيًا.
قال العلامة الخرشي المالكي في “شرح مختصر خليل” (1/ 82، ط. دار الفكر): [والمعنى أن ميتة الحيوان البحري طاهرة؛ لقوله عليه السلام: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»، وقوله: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ؛ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ»، وسواء مات حتف أنفه ووجد طافيًا أو بسبب شيء فُعل به من اصطياد مسلم أو مجوسي].
وذهب فقهاء الحنفية إلى أنَّ السمك الطافي هو الذي مات في الماء من غير آفة ولا سبب حادث؛ كضربة حَجَر، أو إنسانٍ، سواء علا على سطح الماء، أو لم يعلُ، بحيث تكون بطنه لأعلى، فهذا يحرم أكله على الصحيح من المذهب.
وقال بعضهم: الذي يحرم هو الذي يموت في الماء بسببٍ حادث ويعلو على وجه الماء، فإذا لم يعلُ حلَّ. ينظر: “بدائع الصنائع” للإمام الكاساني (5/ 36، ط. دار الكتب العلمية)، و”البناية شرح الهداية” للإمام بدر الدين العيني (11/ 615، ط. دار الكتب العلمية).
واستدلُّوا على ما ذهبوا إليه بما أخرجه الإمامان أبو داود وابن ماجه في “السنن” عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ، وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ».
ففيه دليلٌ على إباحة ما مات بسبب معلوم، كإلقاء البحر له، أو نضوب الماء عنه؛ لأنَّ سبب موته معلوم، بخلاف ما مات فيه بغير سببٍ معلوم. ينظر: “البحر الرائق” للعلامة ابن نجيم (8/ 196، ط. دار الكتاب الإسلامي).
والمختار للفتوى: هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من إباحة أكل السمك الطافي؛ وذلك لعموم الأدلة الواردة في حِلِّ أكل السمك دون استثناء الطافي منه؛ قال الإمام الخطابي في “معالم السنن” (1/ 44، ط. المطبعة العلمية) في شرح حديث «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»: [وفيه مستدل لمَن ذهب إلى أنَّ حكم جميع أنواع الحيوان التي تسكن البحر إذا ماتت فيه: الطهارة، وذلك بقضية العموم؛ إذ لم يستثن نوعًا منها دون نوع] اهـ. ولكن هذه الإباحة مقيَّدة بشرط أمن الضَّرر الذي يقرره المتخصصون؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه الإمام ابن ماجه والدارقطني في “السنن”.
وهذا ما قرَّره فقهاء الشافعية، حيث منعوا من أكل السمك الطافي المنتفخ. ينظر: “مغني المحتاج” للعلامة الخطيب الشربيني (6/ 145، ط. دار الكتب العلمية).
وبناءً على ما سبق: فإنَّ أكل السمك الطافي على وجه الماء جائزٌ شرعًا، سواء مات بسببٍ؛ كأن ضربه إنسان، أو انحسر عنه الماء حتى مات، أو مات بغير سببٍ حتف أنفه، شريطة أن يُؤمَن سلامته من الضرر وذلك على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.