يعد القنوت في صلاة الفجر من السنن النبوية الشريفة، والتي يبحث الكثيرون عن فضلها، وهل يجوز قراءته في صلاة الفجر، إلى غير ذلك من الأمور التي نجيب عنها في التقرير التالي.
هل يجوز قراءة القنوت في صلاة الفجر ؟
والقنوت يعنى به الطاعة والخشوع، ويكون دعاء القنوت في صلاة الصبح وفي صلاة الوتر، وقال تعالى في كتابه الكريم “وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ” سورة البقرة الآية 238.
ودعاء القنوت في صلاة الفجر للتذلل والخشوع بين يدي الله، وكان عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- يقول في دعاء القنوت: “اللهُمَّ اغفِر لنا وللمُؤمنينَ والمؤمناتِ والمسلِمينَ والمسلِماتِ وألِّف بينَ قلوبِهم وأصلِح ذاتَ بينِهِم وانصُرهُم علَى عدوِّكَ وعدُوِّهِم اللهُمَّ العَن كفرَةَ أهلِ الكتابِ الَّذينَ يصدُّونَ عَن سبيلِكَ ويُكذِّبونَ رُسُلكَ ويقاتِلونَ أولياءكَ اللهُمَّ خالِف بينَ كلمَتِهِم وزَلزِلْ أقدامَهُم وأنزِلْ بِهِم بأسَكَ الَّذي لا تَرُدَّهُ عنِ القَومِ المُجرِمينَ بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ اللهُمَّ إنَّا نَستعينُكَ ونستغفِرُكَ ونُثني عليكَ ولا نَكفُرُكَ ونخلَعُ ونترُكُ مَن يفجُرُكَ بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ اللهُمَّ إيَّاكَ نَعبُدُ ولكَ نُصلِّي ونَسجُدُ ولكَ نسعَى ونحفِدُ نَخشَى عذابَكَ الجِدَّ ونَرجو رحمتَكَ إنَّ عذابَكَ بالكُفَّارِ مُلحِقٌ”.
وجاء في دعاء القنوت ما أورده جابر بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ” صحيح مسلم.
والقنوت سنة نبوية ماضية؛ قال بها أكثر السلف الصالح من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء الأمصار؛ وجاء فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: “أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ ، وأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يزل يقنت حَتَّى فَارق الدُّنْيَا”، وهو حديث صحيح رواه جماعة من الحفاظ وصححوه -كما قال الإمام النووي وغيره- وبه أخذ الشافعية والمالكية في المشهور عنهم؛ فيستحب عندهم القنوت في الفجر مطلقًا، وحملوا ما رُوِي في نسخ القنوت أو النهي عنه على أنَّ المتروك منه هو الدعاء على أقوام بأعيناهم لا مطلق القنوت.
ويرى الفريق الآخر من العلماء أنَّ القنوت في صلاة الفجر إنَّما يكون في النوازل التي تقع بالمسلمين، فإذا لم تكن هناك نازلة تستدعي القنوت فإنَّه لا يكون حينئذٍ مشروعًا، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة، فإذا ألمَّت بالمسلمين نازلة فلا خلاف في مشروعية القنوت في الفجر.
حكم القنوت في غير الفجر
ويأتي الخلاف في حكم القنوت في غير الفجر من الصلوات المكتوبة، فمن العلماء من رأى الاقتصار في القنوت على صلاة الفجر كالمالكية، ومنهم من عدى ذلك إلى بقية الصلوات الجهرية وهم الحنفية، والصحيح عند الشافعية تعميم القنوت حينئذ في جميع الصلوات المكتوبة، ومثَّلوا النازلة بوباء أو قحط أو مطر يضرّ بالعمران أو الزرع أو خوف عدو أو أسر عالم.
والحاصل أنَّ العلماء إنَّما اختلفوا في مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير النوازل، أمَّا في النوازل فقد اتفق العلماء على مشروعية القنوت واستحبابه في صلاة الفجر، واختلفوا في غيرها من الصلوات المكتوبة.
وشددت دار الإفتاء أن الاعتراض على قنوت صلاة الفجر بحجة أنَّه غير صحيح اعتراض غير صحيح بالنظر إلى ما تعيشه الأمة الإسلامية من النوازل والنكبات والأوبئة وتداعي الأمم عليها من كل جانب، وما يستوجبه ذلك من كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى عسى الله أنْ يرفع أيدي الأمم عنا ويردّ علينا أرضنا، وأنْ يقر عين نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بنصر أمته ورد مقدساتها، إنَّه قريب مجيب.
هذا إذا أخذنا في الاعتبار تواصل النوازل وعدم محدوديتها، وأمَّا مَن قال بمحدودية النازلة ووقتها بما لا يزيد عن شهر أو أربعين يومًا؛ فالأمر مبني على أنَّ مَنْ قنت فقد قلد مذهب أحد الأئمة المجتهدين المتبوعين الذين أُمرنا باتباعهم في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، ومَنْ كان مقلدًا لمذهب إمام آخر يرى صوابه في هذه المسألة فلا يحقّ له الإنكار على مَنْ يقنت؛ لأنَّه “لا ينكر المختلف فيه”، ولأنَّه “لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد”.