يعد المصحف هو كتاب الله العزيز وتشتمل صفحاته على سور وآيات القرآن الكريم ، ومن ثم يأخذ قدسيته من احتوائه لكلام الله عز وجل ، ولعل هذا ما يطرح السؤال عن هل يجوز وضع الأموال في المصحف أم أنه يعد امتهانًا له ولقدره؟، حيث إنه من عِظم قدر ومقدار المصحف الشريف يكون هول الإثم ومن ثم العذاب الأليم لامتهانه ، والذي قد يكون بسبب فعل شائع بين الناس قد يحسبونه هين وهو ذنب عظيم يتمثل في استخدام المصحف كحافظة للأموال، من هنا تبدو أهمية معرفة هل يجوز وضع الأموال في المصحف أم أنه حرام؟
هل يجوز وضع الأموال في المصحف
قالت دار الإفتاء المصرية ، إن وجوب تعظيم القرآن الكريم، واحترامه، وتنزيهه، وصيانته، والتعامل معه بطريقة تختلف عن التعامل مع غيره من الكتب ممَّا أجمعت عليه الأمة، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة؛ قال الإمام النووي في “المجموع” (2/ 170، ط. المنيرية): [أجمعت الأمة على وجوب تعظيم القرآن على الاطلاق، وتنزيهه، وصيانته] اهـ.
وأوضحت “ الإفتاء” في إجابتها عن سؤال: هل يجوز وضع الأموال في المصحف ؟، أن من مظاهر التكريم عدم وضع المصحف تحت أي شيء، أو وضع أمتعة أو كتب فوقه، أو عمل أى شيء يعتبر “عرفًا” إهانة له فقال الله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ(78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ(79) من سورة الواقعة .
ونبه الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الأسبق، إلى أن المصحف نزل من عند الله سبحانه وتعالى ليتعبد بقراءته فهو لم ينزل للتبرك به أو لوضع الأموال بداخله وإنما مكانته أسمى من ذلك بكثير، منوهًا بأنه لا يجوز أن يتخذ المصحف لحفظ الأمانات فالصناديق كثيرة فيبغي أن يكون للمصحف مكانته لأنه له قدسيته ومكانته عند الله عز وجل فقال: (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) واختلف العلماء في ذلك فمنهم من قال أنهم الملائكة ومنهم من قال أنه المصحف الذي بين أيدينا.
وأضاف “الأطرش” أن المصحف يجب أن ينزه بدلا من أن يكون صندوقًا لحفظ الأمانات فالصناديق كثيرة ويجب أن يستغله كل فرد في القراءة بصفحة او صفحتين يوميًا ولا يهجره.
وورد أن الأصل المتفق عليه بين المسلمين وجوب تعظيم المصحف وأنه لا يجوز امتهانه بحال، والذي نرى أن وضع النقود داخل المصحف إن كان لحاجة فلا حرج فيه.. وأما إذا لم تكن حاجة ووجدت مندوحة عن وضع النقود داخل المصحف فالأولى ترك ذلك، لأن الأصل في المصحف أنه لم يجعل لهذا، وخروجاً من الشبهة فإن بعض الناس قد يعد هذا الأمر امتهاناً للمصحف.
آداب مس المصحف
لاشك أنه يجب على المسلم تعظيم المصحف الشريف واحترامه وتوقيره وصيانته من كل تصرف فيه امتهان له، وصونه عمَّا لا يليق بواجب تقديسه ، فهو من الأمور المجمَع عليها بين المسلمين، كما يجب على كل مسلم حفظه وصونه عن النجاسات وعن القاذورات، ولا يوضع بالمواضع التي يُخشَى وقوع الامتهان فيها لشيء منه؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾.
1 – لا تضع كتابًا ولا أوراقًا فوقه.
2- لا تستند عليه.
3 – لا تمد رجليك وأنت جالس وفي مقابلها المصحف.
4 – لا تحتفظ بأوراق أو أموال بداخله.
5 – ناوله لغيرك باحترام وليس بالرمي أو بالدفع، وباليد اليمنى.
6 – لا تضعه على الأرض (حتى لو كانت مفروشة بالسجاد).
7 – لا تعرضه للتلف (مثلا لا تتركه بالسنين في مكان تؤثر فيه الشمس).
8 – لا تضعه تحت وسادتك.
9 – لا تتناوله بعدم اهتمام كما تتناول أي كتاب آخر؛ بل استحضر الهيبة لكلام رب العالمين.
10 – لا تدفعه لصديقك على الطاولة بل ناوله له بأدب.
11- مس المصحف على طهارة
12- المحافظة عليه وعدم العبث في صفحاته بتمزيقها او الكتابة عليها او غيره.
الفرق بين المصحف والقرآن
وأفاد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، بأن هناك فرقًا بين المصحف والقرآن، و«المصحف»: اسمٌ للمكتوبِ من القرآن الكريم، المجموع بين الدَّفَّتين، و«القرآن»: اسمٌ لكلامِ الله تعالى المكتوبِ في المصاحف، والتمثيل على الفرق بين الاسم والمسمى؛ فالاسم دليل على الذات، والمسمى الذات المدلول عليها بذلك الاسم أو بذلك العلم، وبذلك فالمصحف هو الدال، والقرآن الكريم هو المدلول عليه”.
وتابع «جمعة» قائلا: إننا إذا قلنا المصحف تتراءى إلى أذهاننا الكتاب الذي يحمل كلام الله، وهو بذلك دليل على القرآن، وحين يبدأ قراء القرآن الكريم تلاوة المصحف، يقرؤون القرآن وليس المصحف، وهذا من الفروق بين لفظي القرآن والمصحف، وكل شيء في الحياة له أربع وجودات: وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود في اللسان، ووجود في البنان، وإن كلام الله -سبحانه وتعالى- موجود بين أيدينا في المصحف، وله ألفاظ دالة عليه يتلوها المسلمون والعالمون، وله وجود في البنان وهي الحروف المتتالية التي رسمت بها كلماته المباركة، وله وجود في الأذهان، وبذلك فوجود العيان دل عليه وجود اللسان والبنان والأذهان”.