لعل سؤال هل يرى المحتضر أقرباءه الأموات يعد أحد الأسرار التي تهم الكثيرون وتثير لديهم الإشارات والدلالات التي قد تصيب وتخطئ، وتكون بوابة للمخاوف الخزعبلات والأوهام ويعطي مساحة للتفسيرات الخاطئة، مثلها مثل كل الاستفهامات المتعلقة بالموت وأمور أهل القبور ، تظل مطروحة إلى قيام الساعة، فالموت لا يمكن نسيانه، وسؤال هل يرى المحتضر أقرباءه الأموات في هذا الوقت ؟ يعد أحد أهم ما يحدث حيث إن الأحياء يهتمون بكلام الميت في ساعة الاحتضار خاصة.
هل يرى المحتضر أقرباءه الأموات
لم يرد في القرآن الكريم ، ولا في السنة النبوية المطهرة أي علم عما يراه المحتضر ساعة الاحتضار من الأقارب أو البشر ، ونحن المسلمين لا نجزم إلا بما ورد في الكتاب والسنة ، ونسكت عما سكت عنه الوحي المعصوم ، فقد قال الله سبحانه وتعالى : (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36.
ورد أن غاية ما ورد أثر يرويه ابن أبي شيبة في ” المصنف ” عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن يزيد بن شجرة رضي الله عنه قال : ” ما من ميت يموت حتى يمثل له جلساؤه عند موته ، إن كانوا أهل لهو فأهل لهو ، وإن كانوا أهل ذكر فأهل ذكر “، ويروى نحوه عن مجاهد من قوله ، كما في ” شرح أصول اعتقاد أهل السنة ” (6/1202) ، ويزيد بن شجرة مختلف في صحبته ، أثبتها ابن معين والبخاري ، وأنكرها أبو زرعة . ينظر ” الإصابة ” (6/520) .
و ورد أن هذا كما هو ظاهر ليس فيه دلالة على حضور الأموات أنفسهم ، سواء كانوا من الأقرباء أم لا ، بل روايته صريحه بأن الأمر لا يعدو كونه ( تمثيلا )، وذلك في قوله ( يمثل له جلساؤه ) ، ثم إنه لم يقيد ذلك بكونهم أمواتا ، فإن وقع شيء من ذلك ، لبعض المحتضرين ، من كلامهم لأمهاتهم وآبائهم أو أبنائهم وأقربائهم، فيحتمل أن يكون خيالا عرض لأذهانهم نتيجة ما هم فيه من الكرب العظيم ، وليس لقاء حقيقيا مع أرواح هؤلاء الأقرباء ، كما أن مثل هذه التخيلات لا تحمل أية دلالة على الخوف ولا على الاستبشار ؛ فحال الاحتضار أشد ما يكون على الإنسان ، وهو حينئذ لا يكاد يملك لسانه أو أركانه ، فليس في حديثه المتخيل مع أقربائه دلالة على خير أو شر قادم .
خروج الروح بسهولة
ورد أن هناك من الأمور التي قد تخفف سكرات الموت عن الإنسان المسلم فهي صلته لقرابته ورحمه، وبره بوالديه، كما قال صلى الله عليه وسلـم: « من أحب أن يخفف الله عز وجل عنه سكرات الموت فليكن لقرابـته وصـولا وبوالـديه بـارا، فإذا كان كذلـك هون الله عليه سكرات الـموت ولم يصـبه في حيـاته فقـر أبدا».
سورة لتسهيل الاحتضار
يرى جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة، إنه فيما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن هناك سورة قرآنية يستحب قراءتها على رأس المحتضر لتخفيف سكرات الموت، وذهب الفقهاء إلى استحباب قراءة سورة يس عند المحتضر واستدلوا على ذلك بما روى أحمد (19789) وأبو داود (3121) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ»، وروى أحمد (4/105) (16521) عن صَفْوَان قال : حَدَّثَنِي الْمَشْيَخَةُ أَنَّهُمْ حَضَرُوا غُضَيْفَ بْنَ الْحَارِثِ الثُّمَالِيَّ (صحابي) حِينَ اشْتَدَّ سَوْقُهُ ، فَقَالَ : هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ يس ؟ قَالَ : فَقَرَأَهَا صَالِحُ بْنُ شُرَيْحٍ السَّكُونِيُّ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا قُبِضَ، قَالَ : فَكَانَ الْمَشْيَخَةُ يَقُولُونَ : إِذَا قُرِئَتْ عِنْدَ الْمَيِّتِ خُفِّفَ عَنْهُ بِهَا .
و قَالَ صَفْوَانُ : وَقَرَأَهَا عِيسَى بْنُ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ ابْنِ مَعْبَدٍ، وأوضح القرطبي في كتابه «التذكرة» قائلًا: «وهذا يحتمل أن تكون القراءة عند الميت في حال موته، ويحتمل أن تكون عند قبره»، ورأى الفقهاء أن السبب في استحباب قراءتها: أن هذه السورة مشتملة على التوحيد والمعاد , والبشرى بالجنة لمن مات على التوحيد بقوله: «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ» فتستبشر الروح بذلك, فيسهل خروجها، ورأى بعض العلماء أن يس تساعد على خروج الروح، ويأذن الله تعالى للمحتضر بالموت عند قوله تعالى: «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)».