ورد سؤال إلى دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي يقول: ما مدى اشتراط تبييت النية في صيام الستة أيام من شوال؟ فقد استيقظت من نومي صباحًا بعد صلاة الفجر في شهر شوال، وأردت أن أصوم يومًا من الأيام الستة من شوال، فهل يصح مني هذا الصوم، أو يشترط أن أنوي ذلك ليلة الصوم؟.
حكم النية في الصيام
قالت دار الإفتاء أنه من المقرّر شرعًا أن النية مطلوبة في الصوم مطلقًا -فرضًا كان أو نفلًا-، فلا يصح الصوم إلا بنية، والأصل في ذلك: ما رواه الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
مذاهب الفقهاء في حكم تبييت النية في صيام الستة من شوال
وأوضحت الإفتاء أن صيام الأيام الستة من شوال من جملة الصيام الذي يفتقر إلى نية، لكن اختلف الفقهاء في مدى اشتراط تبييت النية في مثل هذا الصوم: فيرى جمهور فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة: أن صوم النافلة يصح فيه انعقاد النية بعد طلوع الفجر، وقيده الحنفية والشافعية بالزوال، وأطلق الحنابلة القول في أي وقت من النهار، وقد اشترطوا جميعا أن لا يتقدمها مفسد للصوم من أكل أو غيره.
قال الإمام أبو البركات النسفي الحنفي في “كنز الدقائق” (ص: 219، ط. دار البشائر الإسلامية): [وصح صوم رمضان وهو فرض، والنذر المعين وهو واجب، والنفل، بنية من الليل إلى ما قبل نصف النهار] اه.
وقال الإمام الشيرازي الشافعي في “المهذب” (1/ 332، ط. دار الكتب العلمية): [وأما صوم التطوع فإنه يجوز بنية قبل الزوال] اه.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في “المغني” (1/ 113، ط. مكتبة القاهرة): [قال: (ومن نوى صيام التطوع من النهار، ولم يكن طعم؛ أجزأه) وجملة ذلك أن صوم التطوع يجوز بنية من النهار] اه.
وقال أيضا في “الكافي” (1/ 440، ط. دار الكتب العلمية): [وفي أي وقت نوى من النهار أجزأه في ظاهر كلام الخرقي؛ لأنه نوى في النهار، أشبه ما قبل الزوال. واختار القاضي أنه يجزئ بنية بعد الزوال؛ لأن النية لم تصحب العبادة في معظمها، أشبه ما لو نوى مع الغروب] اه.
وقد استدل الجمهور على ذلك بما ثبت عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث رجلا ينادي في الناس يوم عاشوراء: «إن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل» أخرجه البخاري في “صحيحه”، ومعناه: أن “من كان نوى الصوم في هذا اليوم فليتم صومه، ومن كان لم ينو الصوم ولم يأكل أو أكل فليمسك بقية يومه حرمة للوقت”، كما قال الإمام النووي في “شرح صحيح مسلم” (8/ 14، ط. دار إحياء التراث العربي).
قال الحافظ بدر الدين العيني في “عمدة القاري” (10/ 303، ط. دار إحياء التراث العربي) في شرح هذا الحديث: [مطابقته للترجمة في جواز نية الصوم بالنهار؛ لأن قوله (فليتم) وقوله: (فلا يأكل) يدلان على جواز النية بالصوم في النهار، ولم يشترط التبييت] اه.
وكذلك استدلوا بحديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم: «يا عائشة، هل عندكم شيء؟» قالت: فقلت: يا رسول الله، ما عندنا شيء. قال: «فإني صائم» أخرجه مسلم في “صحيحه”.
وقد اشترط القائلون بصحة عقد نية صوم النافلة بعد الفجر: ألا يكون الناوي قد أتى بشيء من المفطرات عامدا -أي: ناويا بذلك عدم الصوم- من بعد طلوع الفجر إلى وقت عقد النية؛ وإلا لم يحصل مقصود الصوم. ينظر: “حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح” (ص: 642، ط. دار الكتب العلمية)، و”تحفة المحتاج” للإمام ابن حجر الهيتمي (3/ 389، ط. المكتبة التجارية)، و”المغني” للإمام ابن قدامة (3/ 114).