صادف أمس الثاني والعشرين من مايو ذكرى ميلاد الأديب اللبناني سليمان البستاني، مترجم الإلياذة، تلك الملحمة الشعرية التي تحكي قصة حرب طروادة.
ولد سليمان البستاني في إبكشتين إحدى قرى إقليم الخروب اللبناني، وتلقى مبادئ العربية والسريانية من عم أبيه المطران عبد الله. وفي سن السابعة دخل المدرسة الوطنية في بيروت وبقي فيها ثماني سنوات أثبت فيها تفوقه وجده، وأحب منذ صغره الأدب والشعر فكان يقرأ كثيراً روائع الأدب العربي والغربي، ونال شهادة إتمام الدراسة بالمدرسة الوطنية سنة 1871.
اشتغل بالتدريس، و أسهم بمقالاته ودراساته في تحرير مجلات وصحف «الجنان» و«الجنة» و«الجنينة»، كما شارك في تأليف «دائرة المعارف» التي بدأها المعلم بطرس البستاني، ثم تابعها فيما بعد نجله سليم.
استأنف العمل نجلا المعلم بطرس (نجيب ونسيب)، وأعاد النظر في المجلدات المطبوعات فؤاد إفرام البستاني وظهر المجلد الأول سنة 1956. وبعد أن ترك العمل في المدرسة الوطنية تم تعيينه ترجماناً في قنصلية الولايات المتحدة ببيروت، لكنه اختار الدرس والتحصيل؛ فاستطاع أن يتقن أكثر من عشر لغات حية.
ومما يروى عن سليمان البستاني أثناء زيارته للآستانة سنة 1908، أنه خطب بالعربية والتركية والإنجليزية والفرنسية بطلاقة، ولم تقف ميوله عند ولعه بالأدب والشعر واللغات، بل تجاوزت ذلك إلى العلوم. وقد أتقن منها: الرياضيات والكيمياء والقانون والزراعة والتجارة وعلم المعادن والاجتماع والتاريخ. في العقد الثاني من عمره شغف سليمان البستاني بالشعر القصصي. وهام بأساطيره وخرافاته وعمد إلى نظم مقطوعات شعرية قصيرة، لكن شاعريته ما لبثت أن تفتحت لتجدد نضجها مع الإلياذة التي ترجمها ترجمة رائعة.
ترجمة الإلياذة
شجعه الدكتور يعقوب صروف على ترجمة الإلياذة وذلك أثناء زيارته لمجلة المقتطف بالقاهرة سنة 1887 لمراجعة إحدى مقالاته، اختمرت الفكرة لديه؛ فاطلع أولا على ترجمة الإلياذة باللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، ثم قام بتعريبها شعرًا في أكثر من ألف صفحة، وصدرت عن مطابع دار الهلال بالقاهرة عام 1904، و أهداها إلى والده، وقد أقام له رجال الأدب والثقافة في مصر حفلة تكريم بفندق شبرد في 14 يونيو 1904، بهذه المناسبة الثقافية الكبيرة، كما وضع معجمًا وملحقًا للإلياذة، وكتب مقدمة تعريفية مطولة للملحمة تُعد كتابًا قائمًا بذاته.
الحياة في مصر
أقام سليمان البستاني بمصر حتى سنة 1908، يضارب بالأسهم والأطيان، ويشتغل بالمعارف والآداب، وألف كتابه “عبرة وذكرى” على إثر الانقلاب العثماني، وترأس “جمعية الكتاب” وانتخب عضوًا في مجلس “الجامعة المصرية”، وكان أثناء ذلك لا يذهب إلى لبنان إلا للمضيف.
وفاته
اعتلّت صحته في أواخر حياته فسافر إلى الولايات المتحدة للعلاج، وتُوفي في الأول من يونيو سنة 1925م، ونقل جثمانه ليدفن في مسقط رأسه «بكشتين».